اليمن.. معيار الالتزام الحقيقي بالقضايا العربية والإسلامية

تحليل / عبدالرحمن حسين العابد

في زمن تتباين فيه المواقف العربية والإسلامية تجاه فلسطين، بين التصريحات الرمزية والتحالفات المريبة، يبرز اليمن كنموذج مختلف. فهو لا يكتفي بالهوية الوراثية أو الإيمان النظري، بل يجسد التزاماً عملياً وقيمياً يضعه في مصاف القلائل الذين ترجموا الانتماء إلى أفعال ملموسة.

من التعاطف إلى المناصرة العملية

الموقف اليمني مع فلسطين تجاوز مرحلة التعاطف اللفظي إلى المناصرة المباشرة، وفي حين اكتفت كثير من الدول العربية والإسلامية بالبيانات الدبلوماسية أو الدعم المحدود، مضى اليمن خطوة أبعد، عبر أفعال تضعه في قلب معادلة المقاومة.

الحراك الشعبي والموقف الرسمي

المشهد اليمني يتسم بحراك شعبي واسع ومنظم لنصرة فلسطين، حيث خرجت أكثر من ألف مسيرة في 14 محافظة خلال يوم واحد فقط، تحت شعار «جهاداً في سبيل الله ونصرةً لغزة» كتعبير عن التزام عميق ومتجذر.

في الموازاة، جاء الموقف الرسمي ثابتاً وواضحاً، القيادات اليمنية أعلنت أن دعم فلسطين «واجب مستمر دون تردد أو تراجع»، مؤكدة أن المشاركة العسكرية والبحرية وعمليات القصف ضد الكيان الإسرائيلي هي جزء من هذا الالتزام.

كما فرضت صنعاء حصاراً جوياً وبحرياً على إسرائيل، ومنعت مرور السفن المتجهة إلى موانئها عبر البحر الأحمر وباب المندب، مؤكدة أن هذه الإجراءات تأتي ضمن نصرة غزة لا في إطار الدعاية السياسية.

الفعل العسكري وتكلفة الموقف

لم يتوقف الدعم عند حدود الموقف السياسي أو الشعبي، بل امتد إلى الفعل العسكري المباشر.

فقد أطلقت القوات اليمنية صواريخ ومسيَّرات نحو العمق الإسرائيلي، وحظيت هذه العمليات بتقدير فصائل المقاومة التي وصفتها بأنها «تثبيت لمعادلات الردع».

وهذا الخيار حمل كلفة مباشرة لليمن، حيث ردت إسرائيل بغارات واسعة طالت العاصمة صنعاء ومناطق أخرى، واغتالت قيادات بارزة. غير أن هذه الكلفة لم تدفع اليمن إلى التراجع، بل إلى تأكيد الاستعداد لتصعيد إضافي إذا استمرت المجازر في غزة.

التماهي بين الإيمان والعمل

يكشف الموقف اليمني أن الهوية اللغوية أو الدينية وحدها لا تكفي؛ فليس كل من يتكلم العربية «عربي موقف»، ولا كل مسلم «مسلم فعل».

وهنا يظهر التمايز بين مجرد الانتماء الشكلي وبين الالتزام القيمي فاليمني المسلم يجسد حقيقة الانتماء الإسلامي من خلال نصرة المظلومين، وخاصة فلسطين، باعتبارها واجباً دينياً وأخلاقياً لا يحتمل المساومة.

اليمن وفلسطين.. ارتباط تاريخي

العلاقة بين اليمن وفلسطين لم تتشكل فقط في سياق اللحظة الراهنة، بل تمتد إلى تاريخ طويل من الارتباط، وقد تكرس هذا الرابط مع تعرّض اليمن نفسه لغارات إسرائيلية هدفت إلى كسر إرادته. لكن النتيجة جاءت عكسية، حيث ازداد الموقف الرسمي والشعبي صلابة، في مشهد يعكس معاناة مشتركة وصموداً متبادلاً.

الداخل اليمني.. فرز قيمي وأخلاقي

ورغم وحدة الموقف لدى الغالبية الساحقة من الشعب اليمني، إلا أن هناك فئات أخرى ارتهنت للعدو.

فحكومة الخائن العليمي في عدن تحديداً، برزت فيها أصوات مرتبطة بإسرائيل تعرض خدماتها ضد صنعاء. وقد وثقت لقاءات بين صحفيين إسرائيليين وبعض هؤلاء المرتزقة، الذين عبروا عن استعدادهم للتعاون والتطبيع.

في المقابل، يمثل المناصرون الصورة الأخرى.. مسيرات أسبوعية حاشدة، حملات تبرع وإغاثة، إعلام تعبوي، واستعداد لتحمل كلفة الحصار البحري والجوي والردود العسكرية.

وهذا الصمود ليس نتاج دافع سياسي ضيق، بل التزام ديني ووطني يرى في نصرة فلسطين جزءاً من هوية اليمني المسلم.

الفارق الجوهري.. من يقف مع الله والوطن ومن يسلم أرضه للعدو

جوهر الصراع يتجلى في هذا الفارق القيمي. من يقف مع الله ووطنه وأرضه ويذود عن عرضه، يجسد القيم الإسلامية والعربية الأصيلة، ومن يسلم الأرض للعدو ويتعاون معه، يختار الخيانة والارتهان.

وهذا الفرز الداخلي يعكس أن الصراع ليس فقط مع الخارج، بل أيضاً مع من يبررون العدوان من الداخل.

الموقف اليمني شوكة الميزان

اليمن يقدم اليوم معياراً لقياس المواقف الحقيقية تجاه القضايا العربية والإسلامية. فهو تجاوز مرحلة الخطاب إلى الفعل، متحملاً التضحيات ومكرساً نفسه كنموذج للصمود والالتزام.

وفي المقابل، تكشف الساحة العربية عن دول وجماعات اكتفت بالشعارات أو اختارت التحالف مع العدو.

إن الموقف اليمني، شعباً وقيادة، يؤكد أن الانتماء الحقيقي لا يُقاس بالهوية أو اللغة أو الدين فقط، بل بالفعل والتضحية، وهكذا يتضح أن اليمن ليس مجرد متضامن مع فلسطين، بل شريك فعلي في معركة الوجود والكرامة.

قد يعجبك ايضا