تحلّ ذكرى عيد جمعة رجب كل عام لتعيد إلى الواجهة واحدة من أعظم المحطات الإيمانية والتاريخية في مسيرة الشعب اليمني، محطة لا تنفصل فيها العقيدة عن الهوية، ولا التاريخ عن الحاضر، ولا الإيمان عن الموقف، فهي مناسبة دينية خالدة، تختزل عمق ارتباط اليمنيين بالإسلام، ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وتجسّد في مضامينها هوية إيمانية أصيلة شكّلت ملامح الشخصية اليمنية منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا.
وتكتسب جمعة رجب أهميتها من كونها أول جمعة من شهر رجب التي شهدت دخول أهل اليمن في الإسلام، بمجرد وصول رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، التي حملها إليهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد كان ذلك الدخول تجسيدًا نادرًا لحالة إيمانية فريدة، حيث أسلم اليمنيون طواعيةً، وعن قناعة راسخة، دون قتال أو إكراه، في مشهد يعكس صفاء الفطرة، وعمق الحكمة، وقوة الإيمان التي تميّز بها هذا الشعب.
ومنذ ذلك الحدث المفصلي، اتخذ اليمنيون من هذه الجمعة عيدًا دينيًا وإيمانيًا، يعبرون فيه عن شكرهم لله عز وجل على نعمة الإسلام، ويجددون ولاءهم لله ورسوله، وارتباطهم بنهج الإمام علي عليه السلام، وتتجلّى مظاهر هذا العيد من خلال إقامة الفعاليات الدينية، والاحتفالات الثقافية، والأنشطة الإنشادية، والندوات التوعوية، التي تعكس عمق الوعي الإيماني، وتجسّد حالة الفرح المشروع بهذه النعمة العظيمة.
إن إحياء عيد جمعة رجب يُمثل تجسيدًا حيًا للهوية الإيمانية لليمنيين، وتعزيزًا للقيم والأخلاق المستمدة من ارتباطهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي خصّ أهل اليمن بأعظم وسام شرف خالد، وشهادة نبوية عظيمة، تعبّر عن إدراك النبي الأعظم لقوة إيمان اليمنيين، وعمق حكمتهم، وقدرتهم على حمل رسالة الإسلام، ونصرة الحق، والدفاع عن المستضعفين، بثبات وبأس شديدين.
وتبرز الأبعاد الدينية والتاريخية لهذه المناسبة باعتبارها محطة إيمانية متجذرة في الوعي الجمعي للشعب اليمني، مرتبطة بدخول الإمام علي عليه السلام إلى اليمن، وترسيخ معاني الإيمان والحكمة التي امتاز بها اليمنيون، لتتحول هذه القيم إلى سلوك عملي ومواقف مشرفة عبر مختلف مراحل التاريخ الإسلامي.
كما تمثل جمعة رجب عيدًا إيمانيًا عظيمًا، لما تحمله من دلالات تؤكد مكانة اليمن وأهله في مسيرة الإسلام، وتجعل من هذا الشعب نموذجًا في الثبات والالتزام، وحجة حية على الأمة في التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية في أحلك الظروف.
لقد تجسدت الهوية الإيمانية للشعب اليمني منذ فجر الإسلام في مواقف مشرفة لنصرة الرسالة الإلهية، واستمرت عبر الأجيال من خلال أعلام الهدى، بدءًا بالإمام علي عليه السلام، وصولًا إلى الحاضر، حيث تتجلى هذه الهوية اليوم في مواجهة قوى الاستكبار، ورفض الخضوع والهيمنة، ونصرة قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وتؤكد هذه المناسبة أن الهوية الإيمانية هي مواقف عملية تتجلى في ميادين التضحية والصمود، وفي رفض العبودية لغير الله، وصناعة موقف مستقل ومشرف في مواجهة العدوان، والحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية مهما بلغت التحديات.
ومن أبرز ثمار هذه الهوية الإيمانية، الموقف اليمني الثابت والمساند للشعب الفلسطيني، والدفاع عن مقدساته الإسلامية، انطلاقًا من التزام ديني وأخلاقي وإنساني راسخ، يعكس عمق الانتماء لقضايا الأمة، وامتدادًا طبيعيًا لدور اليمنيين التاريخي في نصرة المستضعفين.
وهكذا، يثبت اليمنيون أنهم سائرون على ذات النهج الذي سار عليه آباؤهم وأجدادهم، في نصرة الإسلام، والدفاع عنه، والمشاركة الفاعلة في نشر رسالته العظيمة، وستظل جمعة رجب عيدًا للإيمان، وشاهدًا على ارتباط اليمنيين الوثيق بالله ورسوله، ورمزًا لشعب جعل من الإيمان هويته، ومن الحكمة منهجه، ومن نصرة الحق رسالته الدائمة في مواجهة الظلم والاستكبار، ونصرة المستضعفين في كل زمان ومكان.
