كما أن لكل أمة هُوية، فهوية الشعب اليمني هُوية إيمانية، وهوية الإيمان والحكمة يمانية. ومن لم يكن إيمانه يمانيًا فليراجع إيمانه.
ذلك أن اليمنيين برقة قلوبهم ولين أفئدتهم كانوا السابقين في إيمانهم وإسلامهم على مر العصور والدهور، والمسارعين إلى نَصْرَة دين الله والوقوف إلى جانب الحق.
وكما حملوا مسؤولية نَصْرَة الدين الإسلامي الحنيف في بدايته، فها هم اليوم يُسَطِّرون الملاحم البطولية في مواجهة طواغيت الأرض، نَصْرَةً لدين الله وللمستضعفين في الأرض، استجابة لداعي الله وجهادًا في سبيله.
وهيهات لشعب الحكمة والإيمان أن يخضع لطغاة الأرض أو يركع. فاليمن، بقيادته
الربانية الحكيمة ورجاله أولي القوة والبأس الشديد، بالله العزيز القوي أمنع، وبعزته وكرامته ومجده أرفع، وبالحق أصدع.
من سوق الحلقة بصنعاء القديمة، إلى همدان التاريخ والشموخ والحكمة اليمانية، إلى خولان ومَذْحَج وأرحب موطن القبيلة الأبية والقلوب النقية والأفئدة الندية والنفوس الزكية، تتجلى الحكمة اليمانية وإيمان الهوية وحمل المسؤولية ونصرة القضية.
هذا هو يمن الحكمة والإيمان وشدة البأس وقوة الإنسان، إذا ما أقبلت قوى الجبت والطاغوت والشيطان والتقى الجمعان، وبرز لمواجهتها كل طعان من فِتْيَةٍ آمنوا بربهم وهم خير الفرسان، فهنالك هزم -بإذن الله- محور الكفر والطغيان.
أولئك هم أحفاد الأنصار وعمار والمقداد وأويس والأشتر وغيرهم من الصحابة اليمنيين الكرماء الأخيار. لقد كانوا الأوائل السباقين إلى الهدى والإيمان، والناصرين للإسلام في كل الدهور والأزمان.
عرفوا الحق لما جاءهم رسولُ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وأخوه ووصيُّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
لم يؤمنوا حين آمنوا بالله ورسوله مكرهين وبحد السيف مقهورين، بل آمنوا وهم بالحق مصدقين ولله ورسوله مسلمين.
لقد آمنوا لما سمعوا رسالة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إليهم، رَقَّت لها قلوبهم، ولانت لها أفئدتهم، وزكت بها نفوسهم، ومما عرفوا من الحق والهدى ذَرَفَت من خشية الله دموعهم.
ذلك أنهم أهل حكمة بالغة، وكما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَرَقُّ قُلُوبًا، وَأَلْيَنُ أَفْئِدَةً». إنهم حقاً كذلك، فهذه الرقة القلبية واللين الوجداني لم يكونا صفة عابرة، بل كانا الأرض الخصبة التي استقبلت بذرة الإيمان، فأنبتت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
بل إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أضاف بُعدًا روحانيًا عميقًا لهذه العلاقة الخاصة، فقال: «إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ يأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ».
إنها نفحة ربانية تشير إلى أن هذه الأرض وأهلها يحظون بمكانة خاصة عند الله.
ولأنهم كذلك، فقد استأهلوا التكريم والتشريف الإلهي وتفردوا بالوسام الإلهي العظيم، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
ولم تكن وصفًا عابرًا، بل كانت هُويةً خالصةً، ومنحةً ربَّانيةً، وتكريمًا إلهيًّا، وتشريفًا، وتأسيسًا لهُوية أمة اختارها الله لحمل راية الإيمان منذ اللحظات الأولى للدعوة الإسلامية.
لقد كانت استجابة قلبية نقية، ونصر إلهي عظيم، تجسد في قوله تعالى في سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}. ولما بلغ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خبر إسلامهم، سجد شكرًا لله.
وفي أول جمعة من شهر رجب الحرام أعلن اليمنيون إسلامهم وأوفدوا إلى رسول الله وفدهم الذي قدم إلى المدينة المنورة برفقة الإمام علي عليه السلام. فاستقبلهم رسول الله في المدينة بخير استقبال وأكرمهم بأعظم تكريم.
إن الهُوية الإيمانية للشعب اليمني هُوية خالدة ومسؤولية دائمة. وهي هوية أصلية جوهرية، شرف بها الله هذا الشعب العزيز.
فهي «إيمان الهُوية» لأن الإيمان أصبح جزءًا لا يتجزأ من كينونة اليمني، وهي «هُوية الإيمان» لأن الإيمان نفسه يحمل صبغة يمانية كما شهد النبي الكريم.
وهذا التكريم الإلهي ليس شرفًا مجردًا، بل هو مسؤولية عظيمة تقتضي من اليمنيين أن يكونوا على مستوى هذا الاصطفاء، حاملين لواء الإيمان، مدافعين عن الحق، مناصرين للمستضعفين، مُجَدِّدين العهد مع الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم.
والحمد لله رب العالمين
