استطاع اليمنيون تجسيد حضورهم الفاعل وتمكنهم الحضاري خلال مراحل التاريخ القديم
وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب حمدي الرازحي لـ«الملحق الثقافي»: المخطوطات هي التجسيد الحقيقي لمظــــــاهر النهضة والحضور التاريخي الإنساني
أكثر من مليوني مخطوط تكتنز بها مؤسسات الدولة والمكتبات الخاصة ومكتبات المساجد القديمة
لدينا مصفوفة عمل متكاملة للعام الجاري 2020م كفيلة بإعادة الحضور الفاعل للقطاع والمخطوطات اليمنية
ندعو كل المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية ورجال المال والأعمال للمشاركة الفاعلة في المحافظة على تراث اليمن العلمي ومخطوطاته العلمية النادرة
أكد الأستاذ حمدي الرازحي وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب أن اليمن تعتبر من أغنى بلدان العالم فيما يتعلق بكنوز التراث العلمي المخطوط، ويصنف اليمنيون على امتداد التاريخ القديم ضمن أعرق الشعوب التي عرفها التاريخ الإنساني لأنهم استطاعوا أن يجسدوا حضورهم الفاعل وتمكنهم الحضاري خلال مراحل التاريخ القديم، وقد شكل اليمن الحاضنة الرئيسية لتراث الأمم والشعوب والديانات والطوائف المختلفة، ويعود ذلك لاهتمام أهل اليمن بالمعرفة وحرصهم على دراستها وتحليلها والمحافظة عليها من الضياع والاندثار.
وأشار في لقاء أجريناه معه إلى أن الاحصائيات الأولية تؤكد أن ثروة اليمن من المخطوطات تقارب المليوني مخطوط موزعة في أرجاء البلاد وتكتنز بها مؤسسات الدولة ذات الطابع التراثي والعلمي والمراكز العلمية والبحثية الخاصة، وكذلك مكتبات الأسر العلمية وبيوت العلم ومكتبات المساجد القديمة.
وأوضح أن دار المخطوطات التابع لقطاع المخطوطات ودور الكتب بوزارة الثقافة يمتلك ما يقارب (30) ألف مخطوط تقريباً، و(20) ألف رق قرآني، و(22) ألف مطبوع قديم، بالإضافة إلى مخطوطات المراكز التابعة لقطاع المخطوطات ودور الكتب في بعض المحافظات كمركز زبيد الذي يحتوي على ما يقارب (4) آلاف مخطوط، ومركز الأحقاف بتريم الذي يحتوي على ما يقارب (8) آلاف مخطوط.
ونوه إلى أن قطاع المخطوطات في وزارة الثقافة قد تقدمت بمصفوفة عمل متكاملة كخطة للعام الجاري 2020م كفيلة بإعادة الحضور الفاعل للقطاع والمخطوطات اليمنية، مستعرضاً ما تم إنجازه خلال الفترة السابقة من ترميم وصيانة ما يصل إلى 11 ألف مخطوط في دار المخطوطات وكذا إقامة العديد من الدورات التدريبية في مجال الصيانة والتحقيق لكوادر الدار والوزارة، نتج عنها تحقيق العشرات من المخطوطات وصيانة الآلاف من المخطوطات.
وأشار إلى آثار العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على هذا التراث من خلال الاستهداف المباشر للمباني والآثار التي تحتوي على هذه المخطوطات وكذا تأثير الحصار المفروض على بلادنا على هذه الثروة من خلال عدم وصول المواد المستخدمة في عملية الترميم والصيانة وكذا ارتفاع تكاليف وأسعار هذه المواد، داعياً كل المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية ورجال المال والأعمال للمشاركة الفاعلة في المحافظة على تراث اليمن العلمي ومخطوطاته العلمية النادرة.. فإلى التفاصيل:
لقاء/ خليل المعلمي
تعتبر المخطوطات ذاكرة الشعوب والأجيال المتعاقبة، فما الأهمية التي تكتسبها هذه الثروة؟
– التراث الإنساني المتجاوز لحدود الزمان والمكان أصبح ذا قيمة تاريخية وحضارية لا تقدر بثمن لأنه التجسيد الوحيد الذي ينقل لنا مظاهر حياة الأسلاف ومآثرهم ومواقفهم في جميع تعاملاتهم مع مفردات الوجود من حولهم وأنماط الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي المشكِّل لصورة المجتمع وأبعاده الحضارية.
وإذا كان التراث المادي المتمثل في القلاع والحصون والمدن التاريخية والجسور والسدود قد أخذت نصيبها من البحث والدراسة، وعناية المنظمات الدولية المعنية بالدراسة والتحليل والترميم لمظاهر التراث الإنساني في مختلف بقاع العالم، فإن المخطوطات العلمية لا زالت في غياهب التغييب والتجاهل، على الرغم من أنها تمثل التجسيد الحقيقي لمظاهر النهضة والحضور التاريخي الإنساني الناقل لمعارف الأسلاف وعلومهم وخبراتهم في مختلف حقول المعرفة الإنسانية، وتعتبر النواة الحقيقية لتطور العلوم الحديثة بكل معطياتها العلمية والفنية النظرية والتطبيقية.
ولا تقتصر القيمة التاريخية والحضارية للمخطوطات العلمية التراثية على أنها الجسر المعرفي الذي يربط الأجيال المتعاقبة بتراث أسلافهم العلمي وحسب، ولكنها تتجاوز كل ذلك لتشكل البذرة الأولى التي أسست لمظاهر العلوم الحديثة وتجلياتها المعرفية في مختلف الحقول والتخصصات، كما أنها تمثل الذاكرة الجمعية التي تختزن بين طياتها تجارب الأسلاف وخبراتهم وأساليب تعاملهم مع مفردات الوجود من حولهم بأبعادها المادية والمعنوية، فضلاً عن كونها النافذة المفتوحة التي تطل منها الأجيال المتعاقبة على مفردات فلسفة الأسلاف لمختلف المظاهر والأحداث والوقائع الدائرة في محيط وجودهم الزماني والمكاني، الأمر الذي يجعل من المخطوطات العلمية التراثية بعداً جوهرياً من أبعاد الحضور الإنساني عبر التاريخ بأبعاده التاريخية والحضارية.
ما هو نصيب اليمن من التراث العلمي المخطوط؟
تعتبر اليمن من أغنى بلدان العالم فيما يتعلق بكنوز التراث العلمي المخطوط، فاليمن على امتداد التاريخ القديم يصنف ضمن أعرق الشعوب التي عرفها التاريخ الإنساني لأنه استطاع أن يجسد حضوره الفاعل وتمكنه الحضاري من خلال تلك المآثر العملاقة التي خلدتها صفحات صخور الجبال والأعمدة الحجرية بنقوشها وخطوطها وأشكالها الهندسية الدقيقة، والشعب اليمني بتاريخه العريق لم يتخل عن أبعاده التاريخية والحضارية القديمة بسبب تبدل الأدوار التاريخية والزمانية، فمنذ دخول أهل اليمن في الإسلام وبصماتهم ظاهرة جلية في مختلف مجالات التصنيف العلمي، وهذا ما تشهد به المكتبات الرسمية والخاصة التي احتضنت مفردات التراث العلمي اليمني عبر مراحل التاريخ المختلفة.
ولم يقتصر اهتمام اليمن بمفردات التراث العلمي اليمني وحسب، ولكن اليمن شكلت الحاضنة الرئيسية لتراث الأمم والشعوب والديانات والطوائف المختلفة، وذلك يعود لاهتمام أهل اليمن بالمعرفة وحرصهم على دراستها وتحليلها والمحافظة عليها من الضياع والاندثار، ومن المعلوم أن الحرب الشرسة التي قام بها التتار في نهاية القرن الخامس الهجري وبداية القرن السادس قد أسهمت في تدمير التراث العلمي الإسلامي الذي كانت مكتبات بغداد حاضرة الدولة العباسية تكتنز به، مما حرم الأمة الكثير من مفردات العلوم والمعارف ولحسن الحظ أن اليمن ومكتباتها العامرة وأسرها العلمية قد احتفظت لنا بالكثير والكثير من مفردات ذلك التراث الموؤد، كما أن اليمن يعتبر الملاذ الوحيد الذي أنقذ تراث المعتزلة بعد نكبتهم.
وتشير الإحصائيات الميدانية لعمليات المسح والحصر الأولي للمخطوطات اليمنية في العديد من المناطق إلى أن اليمن يمتلك ما يقارب مليوني مخطوط موزعة في أرجاء البلاد وتكتنز بها مؤسسات الدولة ذات الطابع التراثي والعلمي والمراكز العلمية والبحثية الخاصة، وكذلك مكتبات الأسر العلمية وبيوت العلم والمكتبات الوقفية الموجودة في العديد من المساجد القديمة، وهذه الإحصائية ليست الإحصائية النهائية، فما تمتلكه المكتبات الخاصة بالأسر العلمية أكثر بكثير مما نتصور، الأمر الذي يجعل عدد المخطوطات اليمنية أكثر من نسبة الإحصائيات المذكورة سابقاً.
وأريد أن أشير إلى أن دار المخطوطات التابع لقطاع المخطوطات ودور الكتب بوزارة الثقافة يمتلك ما يقارب (30) ألف مخطوط تقريباً، و(20) ألف رق قرآني، و(22) ألف مطبوع قديم، بالإضافة إلى مخطوطات المراكز التابعة لقطاع المخطوطات ودور الكتب في بعض المحافظات كمركز زبيد الذي يحتوي على ما يقارب (4) آلاف مخطوط، ومركز الأحقاف بتريم الذي يحتوي على ما يقارب (8) آلاف مخطوط.
ما هي استراتيجية قطاع المخطوطات ودور الكتب للعام 2020م فيما يتعلق بالمخطوطات والتراث العلمي في اليمن؟
– أسهمت الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة في رسم ملامح المرحلة القادمة ووضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بتعزيز الحضور الفاعل لمختلف قطاعات ومؤسسات الدولة بما فيها وزارة الثقافة وقطاع المخطوطات والمدن التاريخية والأثار والمتاحف، وفيما يتعلق بالمسار العام لاستراتيجية قطاع المخطوطات ودور الكتب للعام الجديد 2020م فالقطاع قد تقدم لقيادة الوزارة بمصفوفة عمل متكاملة نرى بأنها كفيلة بإعادة الحضور الفاعل للقطاع والمخطوطات اليمنية وبشكل غير مسبوق.
وتتضمن استراتيجية قطاع المخطوطات ودور الكتب الأنشطة والفعاليات التالية:
تدشين المؤتمر العلمي للمخطوطات اليمنية والتراث العلمي في اليمن: والذي يعتبر المؤتمر العلمي الأول على مستوى العالم من جهة، والأول على مستوى تاريخ وزارة الثقافة من جهة أخرى، ويهدف هذا المؤتمر إلى تسليط الأضواء على مفردات كنوز التراث العلمي في اليمن ودور الأسر العلمية والأنظمة السياسية الممتدة من نهاية القرن الثالث الهجري وحتى القرن الثالث عشر الهجري في تحقيق النهضة العلمية الرائدة التي جعلت من اليمن مصدر إشعاع علمي ومعرفي وقبلة مقدسة لجميع عشاق العلم والمعرفة على امتداد التاريخ، بالإضافة إلى نشر الوعي بالقيمة التاريخية والحضارية والمعرفية المرتبطة بالمخطوطات والتراث العلمي اليمني في أوساط المجتمع اليمني، ولفت أنظار العالم إلى ما تمتلكه المكتبات اليمنية من كنوز تراثية إنسانية يجب الاهتمام بها والمحافظة عليها، ويتكون المؤتمر العلمي الأول للمخطوطات اليمنية والتراث العلمي في اليمن من (15) ورقة عمل لأبرز النخب العلمية والأكاديمية المهتمة بالتراث العلمي اليمني، وثلاثة أفلام وثائقية ومعرض صور لنوادر المخطوطات اليمنية والإسلامية، ويستمر لمدة ثلاثة أيام متوالية، ونحرص على أن يتم تدشين فعاليات المؤتمر العلمي بالتزامن مع اليوم العالمي للمخطوط العربي في حال توافرت الموازنة المالية الكفيلة بتنفيذه.
ترميم وصيانة وتصوير وتوثيق وفهرسة مخطوطات مكتبة الدار: وهي مكتبة خزائنية تحتوي على ما يقارب (14) ألف مخطوط نادر في مختلف الحقول المعرفية، وسيسهم هذا المشروع في تمكين طلاب الدراسات العليا والباحثين في الداخل والخارج من التعرف على مفردات كنوز التراث العلمي اليمني وتحقيقه والعمل على إخراجه إلى حيز الوجود.
مشروع إخراج الفهرس الوطني للمخطوطات اليمنية والذي بدأ العمل فيه منذ العام 2009م وللأسف لم يتم إنجازه لأسباب متعددة.
مشروع تأهيل المعرض الدائم للمخطوطات ليكون قبلة لكل عشاق التراث اليمني بأبعاده العلمية التراثية والتاريخية الحضارية.
مشروع تحقيق المخطوطات اليمنية: من خلال تشجيع طلاب الدراسات العليا والباحثين والمؤسسات البحثية على تحقيق كنوز التراث اليمني برعاية وزارة الثقافة وقطاع المخطوطات.
مشروع الكتالوجات المصورة والمترجمة لأكثر من لغة حية: وتتضمن كتالوج الرقوق القرآنية، وكتالوج الزخارف والأشكال الهندسية الموجودة في المخطوطات اليمنية، وكتالوج خطوط العلماء والأمراء والنُّسَّاخ، وستسهم هذه الكتالوجات في تسليط الأضواء على مظاهر الإبداع والتميز الذي تكتنز به المخطوطات اليمنية على امتداد التاريخ.
إقامة العديد من الندوات والفعاليات الثقافية في مجال المخطوطات والتراث العلمي اليمني بالشراكة مع الجهات والمؤسسات العلمية ذات العلاقة كمؤسسة إكليل للدراسات وحماية الموروث الإنساني.
إقامة الدورات المكثفة في مجال التحقيق العلمي المنهجي للمخطوطات بما يتوافق مع معايير البحث العلمي الحديثة.
هل لديكم إحصائيات عما تم إنجازه في مجال الصيانة والتحقيق، واقتناء المخطوطات خلال الفترة الماضية؟
– منذ بدء مشروع الترميم والصيانة والتوثيق والتصوير خلال الفترة الماضية تم صيانة وترميم ما يقارب (11) ألف مخطوط من مخطوطات الدار، إلى جانب عدد كبير من المخطوطات الخاصة بالسير العلمية والأفراد، حيث تم ترميم وصيانة وتصوير تلك المخطوطات بشكل منهجي يتوافق مع معايير الترميم والتوثيق المتعارف عليها عالمياً.
ومن الملاحظ أن تلك المخطوطات التي تم ترميمها وتصويرها لفهرستها كانت تعاني من الإهمال الكبير نتيجة لسوء التخزين وعدم وجود الوعي بالمعايير الأساسية لحفظ المخطوطات في بيئة معقمة ذات تهوية جيدة تتوافق مع العمر التاريخي والطبيعة التكوينية للمواد التي تتكون منها.
أما من ناحية الاقتناء فقطاع المخطوطات ودور الكتب عاجز عن اقتناء المخطوطات في الوقت الراهن بسبب عدم وجود الموازنة المالية الكفيلة بتنفيذ عملية الاقتناء للمخطوطات العلمية التراثية، كما أن مديونية وزارة الثقافة لأصحاب المخطوطات قد بلغت ما يقارب (92) مليون ريال يمني خلال الفترات الماضية، كان الوزراء السابقون يتعمدون ترحيلها من عام لآخر تهرباً من دفع تلك الاستحقاقات في الوقت الذي كانت موازنة وزارة الثقافة وصندوق التراث التابع لها قادر على تسديد تلك المبالغ بكل سهولة، وهذا ما تسبب في فقدان الثقة بين الوزارة من جهة وأصحاب المكتبات الخاصة ومُلاَّك المخطوطات من جهة أخرى، وأسهم بشكل كبير في توجه العديد من أصحاب المخطوطات لبيع مخطوطاتهم من سماسرة المخطوطات والمافيا الخاصة بتهريب مفردات التراث اليمني إلى الخارج.
أما في مجال التحقيق العلمي للمخطوطات فقد تم عمل دورة تدريبية في التحقيق داخل الوزارة نتج عنها تحقيق 20 مخطوطاً من مخطوطات الدار، كما قامت مؤسسة إكليل للدراسات وحماية الموروث الإنساني بالتنسيق مع قطاع المخطوطات ودور الكتب وعمادة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بتنفيذ دورة متكاملة في أسس ومعايير التحقيق العلمي للمخطوطات لطلاب الدراسات العليا بجامعة صنعاء، ونحن بصدد استكمال مشروع التأهيل العلمي الممنهج في مجال تحقيق المخطوطات من خلال التنسيق مع المراكز والمؤسسات البحثية ذات العلاقة خلال العام 2020م إن شاء الله تعالى.
مشروع فهرسة المخطوطات بدأ في العام 2008م، ماذا عن هذا المشروع وهل سيشهد العام 2020م إطلاق هذا الفهرس؟
– يعتبر مشروع إخراج الفهرس الوطني للمخطوطات اليمنية من أهم المشاريع التي تم عرقلتها خلال الفترات الماضية منذ بداية تنفيذه في العام 2008م وحتى اليوم من خلال التهرب من تنفيذه وتوفير الموازنة الخاصة به، والعمل على عرقلة إخراجه من خلال التبديل المتعمد لاستمارات الفهرسة والتوثيق، ونحن اليوم بصدد تدشين إخراج الجزء الأول منه كمرحلة تمهيدية على أمل أن نستكمل إخراج ما تبقى منه في شكل يليق بتراثنا العلمي وكنوزنا التراثية الدفينة، فمن المعيب بحق وزارة الثقافة أن لا يكون لها فهرس وطني خاص بها بعد اكتشاف العديد من العيوب المنهجية والعلمية في الفهرس المتداول حالياً.
ما الذي تم إنجازه خلال الأعوام السابقة؟
– على الرغم من عدم قيام وزارة الثقافة خلال الأعوام الخمسة الماضية من تمويل أي مشروع خاص بالتراث المخطوطات اليمنية إلاَّ أننا استطعنا أن نتجاوز ذلك، وأن نحقق العديد من الأنشطة والأعمال القيمة في دار المخطوطات وبجهود ذاتية ومشاركة مجتمعية، حيث تمكنا من تنفيذ العديد من عمليات الترميم للمخطوطات المتهالكة والمتضررة بدار المخطوطات وإنقاذ عدد كبير منها، على الرغم من شحة الإمكانيات المادية والمواد المساعدة على العمل، واستطاع القطاع أن ينفذ دورة تدريبية في مجال تقنيات القراءة وآليات التلقي لـ(60) متدرباً من القطاع والوزارة برعاية وتمويل مركز (دار الخبرة للعلوم والتطوير)، كما تكرم معالي وزير التربية والتعليم السيد العلامة يحيى بدر الدين الحوثي بتوفير ثلاث منظومات طاقة شمسية متكاملة لدار المخطوطات قطاع التصوير، وأيضا خلال العام المنصرم قامت مؤسسة الشعب بدعم وتمويل ترميم وصيانة (30) مخطوطاً من مخطوطات الدار التاريخية وذات القيمة العلمية والتراثية العالية، بالإضافة إلى أنه تم إنجاز فهرسة وتوثيق الألف الأولى من المخطوطات بدون تمويل من الوزارة أو رعاية لهذا المشروع الجوهري، ونحن ننتظر الدعم والتمويل لإخراجه، كما تم إقامة العديد من الفعالية والأنشطة والمشاركات الخارجية لقطاع المخطوطات.
ما هو دور قطاع المخطوطات ودور الكتب في إيقاف التهريب الممنهج للمخطوطات؟ وما مدى التنسيق مع الجهات الأمنية والجهات ذات العلاقة؟
– إشكالية التهريب الممنهج للمخطوطات ومختلف أنواع التراث اليمني من أهم المسائل التي تعترض مسار التنمية التراثية من خلال السعي لتهريب مفردات التراث اليمني إلى دول الجوار المفتقدة لأبسط مقومات الحضور التاريخي والحضاري وتحديداً دويلة الإمارات والسعودية.
قد يكون من الصعوبة بمكان السيطرة التامة على هذه الظاهرة المهددة لمفردات تراث اليمن وكنوزه التاريخية، وذلك بسبب ضعف الإمكانات المادية المخصصة لحماية التراث اليمني ومخطوطاته العلمية عن طريق الاقتناء والحماية من جهة، وعدم وجود استراتيجية منهجية لنشر الوعي التراثي بالقيمة التاريخية والحضارية لمفردات التراث اليمني ومخطوطاته في أوساط المجتمع اليمني بمختلف فئاته من جهة أخرى.
صحيح أن قطاع المخطوطات قد أسهم بشكل أو بآخر في حماية العديد من المخطوطات اليمنية من التهريب، من خلال التنسيق مع الجهات الأمنية في مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية خلال الفترات السابقة، إلا أن مافيا وعصابات سرقة التراث والمخطوطات تمتلك من الوسائل والأساليب والإمكانات المادية ما يجعلها قادرة على تنفيذ مؤامراتها ضد التراث العلمي بشكل كبير، ولكن رجال الأمن الشرفاء قد تصدوا لذلك بشكل كبير وتم ضبط العديد من المخطوطات المنهوبة والمهربة في أكثر من مكان.
ما مدى التنسيق بين القطاع في وزارة الثقافة والجهات الأخرى في وزارة الأوقاف وأمانة العاصمة وبعض الجهات الأخرى في الحفاظ على المخطوطات؟
– قد تكون وزارة الأوقاف هي الجهة الرسمية الوحيدة التي نشهد لها بالفضل في التفاعل الإيجابي والتعاون مع قطاع المخطوطات في تنفيذ العديد من المشاريع في دار المخطوطات، حيث تم التنسيق بين قطاع المخطوطات ووزارة الأوقاف لترميم وصيانة المخطوطات المكتشفة في جامع صلاح الدين، وكذلك مشروع ترميم وصيانة وتصوير وتوثيق وفهرسة المخطوطات المكتشفة في قبة العوسجة.
أما الجهات المدنية والمنظمات الخارجية فعلى الرغم من مخاطبتها والتواصل معها إلاَّ أنها لم تتجاوب مع مخاطبات قطاع المخطوطات رغم أنها تقوم بتنفيذ العديد من المشاريع التي لا ترتقي إلى مستوى أهمية المخطوطات وقيمتها التاريخية تحت ذرائع ومبررات (النقد مقابل العمل)، ونحن لا نعوّل كثيراً على المنظمات الدولية فالخير والبركة في الجمعيات والمؤسسات المدنية والثقافية اليمنية بما تمتلكه من وعي بقيمة تراثنا العلمي وحرصها في المحافظة على هويتها الإيمانية والتاريخية والوطنية.
هل هناك دعم من قبل منظمات دولية في تنفيذ مشاريع القطاع؟
– لا وجود لأي دعم أو تفاعل من قبل المنظمات الدولية الخارجية في تنفيذ أي مشروع خاص بالمخطوطات والتراث العلمي اليمني، فهي لا تهتم بأرواح ودماء اليمنيين ناهيك عن تراثهم.
ما هي أبرز المعوقات التي تقف أمام سير عمل القطاع ومشروع الحفاظ على المخطوطات؟
– المعوقات كثيرة وكبيرة وهي تحديات بكل ما تعنيه الكلمة، ولعل أبرزها عدم وجود استراتيجية منهجية معنية بتفعيل دور التراث وتحقيق حضوره الفاعل في ترسيخ القيم التاريخية والحضارية المُشَكِّلَة لمعالم الهوية اليمنية بأبعادها الإيمانية والوطنية، فالمتأمل لممارسات واستراتيجيات مؤسسات الدولة يكاد يجزم بأن التراث اليمني بأبعاده المادية والعلمية على هامش اهتمامات الدولة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في السياسات المرسومة للمحافظة على التراث اليمني المادي المتمثل في المدن التاريخية والعلمي المتمثل في المخطوطات.
كما أن ضعف الإمكانات المادية المخصصة لترميم وصيانة وفهرسة المخطوطات تكاد تكون معدومة، بالإضافة إلى شحة الإمكانات الضرورية فيما يتعلق بمتطلبات وأدوات ومواد الترميم والصيانة، ومن المعلوم أن تحالف البغي والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن قد استهدف التراث بشكل عام وحال دون وصول المواد الأساسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المخطوطات المتضررة من خلال فرضه للحصار الشامل الظالم على اليمن وإغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على جميع الأنشطة الخاصة بترميم وصيانة وحفظ مفردات التراث العلمي اليمني.
لا شك أن للعدوان الأمريكي السعودي على بلادنا دور في تفاقم المخاطر التي تتهدد المخطوطات، كيف يمكنكم توضيح ذلك؟
– العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن لم يستثن شيئاً، حيث توجه لتدمير اليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً وحضارة، وهذا يعني أن المخطوطات اليمنية وكنوز التراث اليمني بشكل عام لم تكن بمنأى عن الاستهداف الإجرامي لتحالف البغي والعدوان.
كما أن افتقاد تحالف العدوان وتحديداً السعودية ودويلة الإمارات لمقومات الحضور التاريخي والحضاري قد جعلهما تتطفلان على تاريخ وتراث اليمن لنهبه وتدميره، في محاولة منهما لطمس ملامح الحضور التاريخي والحضاري للشعب اليمني.
وما نسمع به من تهريب ونهب للتراث العلمي والمادي والطبيعي اليمني من قِبَل الإمارات والسعودية خير دليل على قبح مؤامرات تحالف البغي والعدوان وسعيه لنهب التاريخ والتراث، ولكننا نعوّل كثيراً على يقظة رجال الأمن والجيش واللجان الشعبية ونثق في حكمة قيادتنا الثورية والسياسية في التعامل مع مثل هذه التهديدات الخطيرة.
هناك العديد من المكتبات والمتاحف التي استهدفها طيران العدوان والتي كانت تمتلك العديد من المخطوطات، فضلاً عن استهداف تحالف البغي والعدوان للعديد من منازل الأسر العلمية والمساجد التاريخية القديمة في محافظة صعدة وذمار وحجة وغيرها الأمر الذي أدي إلى تلف وإحراق العديد من المخطوطات اليمنية النادرة والقيمة.
ما هي دعوتكم للمثقفين والمهتمين وأصحاب المكتبات الخاصة للحفاظ على ثروة وتراث المخطوطات؟
– قد يكون من باب الواجب الديني والوطني أن تتظافر الجهود في المحافظة على مفردات كنوز التراث العلمي اليمني المخطوط، والعمل على تحقيقه ونشره وتوثيقه قبل فوات الأوان، وهي دعوة نكررها في كل وقت للمؤسسات الثقافية والمراكز البحثية والنخب الأكاديمية والعلمية، فمسؤولية الحفاظ على تراثنا العلمي مسؤولية الجميع بلا استثناء.
كما أتوجه للقيادة الثورية والسياسية إلى وضع استراتيجية منهجية كفيلة للنهوض بواقع المخطوطات في اليمن والمحافظة عليه وإبرازه بالشكل الذي يليق به أسوة بواقع المخطوطات والتراث العلمي الإنساني في مختلف دول العالم، وتوفير الموازنة المالية الكفيلة بتنفيذ الأنشطة والمشاريع الخاصة برصد وتوثيق مخطوطات اليمن في مختلف المحافظات والعمل على ترميمها وترقيمها بالرقم الوطني، وتفعيل المؤتمرات العلمية والندوات الثقافية لتسليط الأضواء على مفردات كنوز المخطوطات العلمية اليمنية وتحقيقها إبراز دور الأسر العلمية عبر التاريخ في تحقيق النهضة العلمية اليمنية في مختلف مجالات وحقول المعرفة.
كما أحب أن أتوجه بكلمة أخيرة إلى كل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية ورجال المال والأعمال ورجال الدولة بمختلف مستوياتهم ومسمياتهم هي: (كن شريكاً فاعلاً في المحافظة على تراث اليمن العلمي ومخطوطاته العلمية النادرة واصنع بصمتك الخاصة الكفيلة بتخليد دورك وجهودك في خدمة التراث العلمي والمحافظة عليه).
تقرأون كذلك ضمن الملحق :
في مقابلة لم تنشر.. الشاعر الكبير عبدالله البردوني : الأزمة في الثقافة هي قلة المثقفين الحقيقيين