هكذا يستقبل اليمنيون شهر رمضان
أسر فقدت عائلها وأخرى دمر العدوان منازلها وعمال وموظفون توقف مصدر رزقهم
الثورة /حاشد مزقر
للعام الرابع على التوالي يقبل شهر رمضان المبارك على الشعب اليمني, وكالعادة فالعدوان السعودي قد اشغل الناس عن الضيف العزيز على قلوبهم بعد ان نشر الموت والمجاعة والدمار في ربوع اليمن السعيد وبعد أن أنهك الشعب اليمني بمختلف شرائحه وطبقاته حتى ارتسمت صورة مأساوية في ذاكرة الناس لاسيما المواطنون الذين كانوا من قبل تحت خط الفقر المدقع ومن تبعهم ممن قطع العدوان السعودي وتحالفه سبل عيشهم ومصادر دخلهم ..
هذا التحقيق يسلط الضوء على اوضاع اليمنيين قبيل شهر رمضان المبارك .. فإلى التفاصيل :
يتحدث المواطن زيد قائد عن شهر رمضان المبارك وكيف سيكون هذا العام فيقول وحشرجة قاسية تخنق كلماته ومرارة مؤلمة تحكي تفاصيل لم تستطع الحروف والكلمات عن الافصاح بها : قبل ان تشن السعودية عدوانها الآثم كانت حياتنا كحياة بقية الناس أمنين في منازلنا ولقمة العيش متوفرة وكذا مطالب الأطفال والأسرة ككل وكان رمضان لا يأتي الا وقد منحناه الكثير من طقوس الاستقبال والترحاب فنوفر له كل ما يمكن ان يجعلنا نعيش لحظاته بكل سعادة سواء من المواد الغذائية أو المستلزمات الأخرى مما يسهل علينا أحياء شعائر الله و كنت أعمل جاهدا لإسعاد جميع افراد الاسرة ولم نشعر بالمهانة يوما رغم بعض الازمات المالية التي كنت أمر بها.. اما الآن فقد ساءت احوالنا وقست علينا الحياة بعد ما احدثه العدوان في كل نواحي حياتنا فإن شهر رمضان لم يعد سوى ذكرى قاسية لنا فنحن غير قادرين على تأمين لقمة العيش البسيطة فضلا عن توفير متطلباته الكبيرة والباهظة و لم نعد نحلم بشيء سوى الأمن ولقمة العيش.
بؤس ومعاناة
لم ترحم الحياة ضعفهم ولا قلة حيلتهم ولا هوانهم على الأعداء أيضا لم تكتفِ أقدارهم بما ساقته لهم خلال أكثر من ثلاث سنوات مضت من مآسٍ غير قابلة للنسيان, فعلاوة على ذلك أرسلت إليهم أهم لحظات الزمن فرحة في حياتهم على غير ما كانوا يتوقعون إذ البؤس وكدر العيش والمهانة أبرز سماته لينقلب من رمضان الفرح والسرور إلى شهر قاس و تلك الحالة المأساوية تعيشها اسرة إبراهيم محمد علي وان كان هناك فرق ما من أسرة لأخرى ومن مدينة لمدينة ومن شريحة اجتماعية لشريحة, فإن اسرة إبراهيم من أكثر الأسر بؤسا ومعاناة فيكفي انهم قد ذهبوا مجبرين إلى الفقر والمجاعة والمهانة و بعد أن تبخرت أحلامهم المشروعة ولم يتبق منها سوى حلم ضمان بقائهم على قيد الحياة منذ ان جاء طغيان آل سعود يجتث ويقتلع كل مقومات الحياة والعيش الكريم على تراب الوطن الجريح..
ويحكي إبراهيم :قبل ثلاث سنوات من الآن كان الجميع ينتظر بشغف كبير لحظات السعادة التي ستحملها إليهم أيام شهر رمضان المبارك فهذا ينوي زيارة اقاربه وآخر ينوي الارتماء في أحضان المناطق الجبلية حيث الطبيعة وجمالها وحيث الاجواء الروحانية فيما ثالث يصنع لنفسه برنامجا يضمن له الفوز بأكبر قدر ممكن من الصلاة والدعاء والابتهال لله وإذا ما حضر رمضان عاش كلٌ لحظته المنتظرة, لكن ما يؤسف له حقا أن تلك الحياة أصبحت من ماضينا السعيد فقط بقي منها في حاضرنا الذكرى لا غير اما الآن فقد أصبح كل مواطن يمني غارقا بهموم مستلزمات ومصاريف تغرقه من رأسه حتى أخمص قدمية بعد ان جاء طغيان العدوان السعودي وتحالفه ليدمر كل مقومات الحياة.
واقع الحال
جميل الشرعبي, مواطن من محافظة تعز, يعمل مهندسا في شركة خاصة وأب لستة من الأولاد, يصور لنا واقع حياته اليومية وكيف سيمر عليه شهر رمضان المبارك, فيقول : كنت أعمل في شركة خاصة وعملي يدر علي الدخل الكافي الذي كان يمكنني من العيش بكرامة لكنني وجدت نفسي فجأة من أفقر الناس إذ لم يعد بمقدوري الإيفاء بكامل متطلبات الأسرة الضرورية فالعدوان دمر منزلي بإحدى الغارات في المدينة و بعد أن نزحت منه إلى محافظة إب ولأن دمار المنزل لم يخطر ببالي فقد تركت أغلب الأشياء الثمينة داخله على أمل أن نعود إليه في القريب العاجل, لكن ما حدث هو العكس تماما إذ تبددت آمال العودة بعد تدميره, أما بالنسبة لمستلزمات ومصاريف رمضان فقد نسينا أمرها تماما ولا يذكرني بها سوى أبنائي القصر حينما يسألونني ببراءة عما إذا كنا سنعاني فيه كرمضان السابق و كما هو المعتاد منذ 3 سنوات فالعدوان لايزال يهلك الحرث والنسل ويدمر كل سبل الحياة ويقطع ارزاق الناس..
انقطاع باب الرزق
وإذا كان الشرعبي قد نسي أمر رمضان فإن وسيم الحشف لم ينسه على الإطلاق بل يكاد يستعجل وصوله , لكن ثمة أمراً مختلف فحنينه لرمضان ليس لمجرد شغفه بقضاء الاجواء الروحانية بل لهدف آخر ايضا وهو ليس ببعيد عن ضمان الاستمرار في الحياة فوسيم الذي كان يعمل في العاصمة صنعاء بناء ويعول أسرته مما كسبت يداه انقطع عنه ذلك الباب للترزق فلم يبق أمامه سوى الرحيل إلى الجبال بغية الحصول على أعواد الحطب التي سيقوم بعد ذلك بحملها على ظهره قبل أن يبيعها على المحتاجين له في المدينة وقدوم شهر رمضان المبارك خير موسم لهذه التجارة يقول وسيم: انتظرنا 3 سنوات علّ العدوان ينتهي لكنه لم ينته قبل أن ينفد ما كنا قد ادخرناه من أعمالنا الحرة في المواسم السابقة ولما لم نجد حلا فكرت بالاحتطاب ولم أكن أنا الوحيد الذي يقدم على هذا العمل فهناك الكثير ممن جارَ عليهم العدوان الظالم وأصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء لا يمتلكون شيئا.
ذكريات وفراق
عبدالرحمن راجح .. هو الآخر سيكون له مع شهر رمضان الحالي ذكريات مؤلمة بالطبع ستختلف كليا عن سابقيه ..فنهار وليل أيام الشهر الفضيل هذه المرة لن يجمعه بوالده وشقيقه الاكبر اللذين استشهدا في الخامس والعشرين من شهر رمضان الماضي بغارة جوية لطائرات العدوان السعودي على احد المنازل بمحافظة حجه وهما يمران بالصدفة بجانب الهدف وهما في طريق عودتهما الى المنزل ..كان والد عبدالرحمن يعمل كموظف حكومي متوسط الدخل ومثله شقيقه الاكبر البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما وهو متزوج وله طفلان ..يقول عبدالرحمن معلقا على حلول شهر رمضان المبارك : بالتأكيد سيكون مختلفا جدا فلم يعد بإمكاني التهرب من مسؤولية تحمل اعباء الاسرة وتوفير احتياجاتها والقيام بأمرها فقد رحل من كنت القي بالمهمة على كاهله أيضا لن اتمكن من رؤية اخي ووالدي و لن اصلي معهما ولا خلفهما في هذا الشهر الكريم, باختصار سيكون هذا الشهر بالنسبة لي وللعائلة ذكرى رحيل مؤلم لروح الحياة الجميلة.
العدوان أولاً واخيراً
هشام راجح ناشط حقوقي, تحدث عن جزء من واقع المجتمع اليمني الذي تسبب به العدوان وحصاره البربري على بلادنا خلال السنوات الماضية وقال :في السنوات السابقة كنت قد قمت برصد للحالة المجتمعية, لبعض المناطق في اكثر من محافظة في الشمال والجنوب وكانت الصورة كارثية, فعشرات الآلاف من الأسر تضررت من العدوان, إذ دمرت منازل اسر كثيرة واسر اخرى فقدت بعض افرادها في الغارات الطاحنة التي تقوم بها طائرات العدوان في كل محافظات اليمن, كما أن أسر أخرى فقدت مصادر دخلها الذي لا يملكون سواه, وعلى صعيد آخر تعطلت الحياة في اكثر من قطاع كالتعليم والصحة الذي يعيش اوضاعا كارثية فعشرات المستشفيات توقفت عن العمل لأكثر من سبب وبالتالي يفقد الكثير من المرضى حياتهم وعلى صعيد آخر ارتفعت نسب الفقر في أوساط الأسر اليمنية وكذا نسب البطالة في اوساط الشعب وهذا فضلا عن مئات من الشباب فقدوا اعمالهم في القطاع الخاص بعد تسريحهم بسبب الحصار وبسبب استهداف المنشآت الحيوية وآخرون فقدوا اعمالهم التي كانت تعتبر كأعمال حرة وذلك بسبب العدوان علاوة على قطع رواتب الموظفين في القطاع الحكومي واحتكارها من قبل حكومة الفار هادي ..ومن هنا فإن معاناة اليمنيين في شهر رمضان هذا العام ستكون كبيرة والسبب الأول والأخير لذلك هو العدوان السعودي الذي دمر اليمن أرضا وانساناً.
انعدام الامن الغذائي
فيما قالت منظمة اليونيسف في بيان لها ان “انعدام الأمن الغذائي الحاد يهدد أكثر من 22 مليون شخص في اليمن وتعاني 20 محافظة من أصل 22 في اليمن من مرحلة الطوارئ أو الأزمة من مراحل انعدام الأمن الغذائي، ويواجه أكثر من ثلثي سكان اليمن خطر الجوع ويحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات لإنقاذ أرواحهم والحفاظ على سبل معيشتهم”..وحذر البيان من انه “إذا لم يتم تقديم دعم إنساني إضافي ودعم لسبل العيش، فستواجه الكثير من المحافظات ، خطر الانزلاق إلى المجاعة”ومع وصول عدد الأشخاص الذين يواجهون مرحلة “الطوارئ” أو “الأزمة” من مراحل انعدام الأمن الغذائي إلى 22 مليون شخص، يواجه اليمن حالياً إحدى أسوأ أزمات الجوع في العالم”.
وترك العدوان على اليمن آثاراً مدمرة على الأمن الغذائي وسبل كسب العيش، حيث وان 80 % تقريباً من الأسر في اليمن تواجه وضعاً اقتصادياً أكثر سوءاً بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي قبل العدوان..ونقل البيان عن ميريتكسل ريلانو، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في اليمن، “نعاني من أعلى مستويات لسوء التغذية الحاد في تاريخ اليمن الحديث ومن بين 2,2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، هناك 462 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الشديد والحاد”، مشيرة الى ان الطفل الذي يعاني من سوء التغذية الشديد والحاد “معرّض أكثر بعشر مرات لخطر الوفاة إذا لم يتلق العلاج في الوقت المناسب بالمقارنة مع الطفل المتمتع بصحة جيدة وبنفس عمره”..واضاف البيان ان “الأمم المتحدة في اليمن تكرر مناشدتها لتسهيل وصول المنظمات الإنسانية المستدام وغير المشروط لتتمكن من رفع مستوى المساعدة بحيث تلبي الطلب المتزايد للناس الذين هم في أشد الحاجة لتلقي المساعدات”.
جرائم ضد الإنسانية
هذا و تعد سياسة الحصار والتجويع التي يقوم بها العدوان السعودي من الجرائم المتعمدة ضد الانسانية المنصوص عليها في المادة (7) من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية الباب الثاني والتي حددت الافعال التي تعد جرائم ضد الانسانية وعلى رأسها القتل العمد والابادة والافعال اللاإنسانية الاخرى التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم او بالصحة العقلية أو البدنية, كما انها جرائم حرب وفقاً لتوصيف وشروط المادة 8 (2) (أ) ‘3’: تعمد احداث معاناة شديدة او الحاق اذى خطير بالجسم او بالصحة:
1 – أن يتسبب مرتكب الجريمة في ألم بدني أو معنوي شديد أو معاناة شديدة أو أضرار بليغة بجسد أو بصحة شخص واحد أو أكثر.
2 – أن يكون ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص ممن تشملهم بالحماية اتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949.
3 – أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت ذلك الوضع المحمي.
4 – أن يصدر هذا السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مقترنا به.
5 – أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.
أخيراً
قبل أن تداهم الحرب الفجائية الشعب اليمني وتلحق بهم وبحياتهم الاذى الكبير كان الكل يعيش حياته بطريقته الخاصة رغم المعاناة التي كان يعيشها الكثير والتي لا تخرج عن دائرة شح الدخل اليومي في الغالب ..لكن بعد ان بدأ العدوان بشن غاراته على كل المحافظات لم يعد بإمكان المواطن اليمني ان يعيش حياته بطرقه الخاصة فالكل ارغم على حياة جديدة اجبارية تفاصيلها تظهر المآسي والمعاناة بقضها وقضيضها ..معاناة كبيرة بكل آلام الحياة وأوجاعها, فالبعض فقد اقاربه بعد ان استهدفهم طيران العدوان السعودي وتحالفه والبعض الآخر فقد منزله بالتدمير عبر الطائرات العدوانية وآخرون فقدوا مصادر دخلهم وبات الاغلب إما نازحين وإما فقراء يتكففون أيدي الناس والقليل منهم يعيش حياة صعبة لكنها اقل قساوة من غيرهم، قساوة الحرب تلك ستزيد وذلك بحلول شهر رمضان المبارك الذي يعتبر بالنسبة للمسلمين وبالأخص اليمنيين شهرا استثنائيا من جميع النواحي فرمضان هو شهر يحتاج الى امن واستقرار وحالة مادية متيسرة حتى يتمكن الناس من ان يعيشوا أيام وليالي الشهر الفضيل كما يجب ان يكون حيث روحانية الشهر وهباته الربانية .