طوفان الاستيراد ‬يهدد بالإنقراض الحرف اليمنية


تحقيق وتصوير‮/ ‬عبدالباسط النوعة –
قرار الحكومة لم‮ ‬ينفذ‮.. ‬وكبار التجار‮ ‬يواصلون التجاهل
‮> ‬تزخر بلادنا بالكثير من الحرف اليدوية التي‮ ‬توارثها اليمنيون جيلا بعد جيل منذ عشرات بل ومئات السنين وظلت هذه الحرف تحظى بمكانة مرموقة لدى كافة اليمنيين وتوفر لهم كافة احتياجاتهم المعيشية وبها استطاعوا الاعتماد على أنفسهم وعدم الاتكال على الغير في‮ ‬توفير تلك الاحتياجات ولكنها تعرضت للإهمال خلال السنوات الماضية حيث بدأ تدريجيا عدم الالتفات إليها والاتكالية إلى المنتجات التي‮ ‬تأتينا من خارج الحدود‮.‬
الأمر الذي‮ ‬جعل حرفنا ومنتجاتنا المحلية التي‮ ‬كانت تمثل فخرا واعتزازا لنا أصبحت اليوم في‮ ‬طي‮ ‬النسيان وعدم اهتمام الجهات المعنية وأصبحنا الآن نتكل على الغير في‮ ‬توفير تلك الاحتياجات‮ ‬ذلك لأننا ابتعدنا عن مواصلة الامتداد في‮ ‬العمل والاجتهاد للاعتماد على الذات كما كان‮ ‬يعمل أجدادنا القدامى‮.‬

كنا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع وأسواقنا تعج بمنتجاتنا التي‮ ‬بها نفاخر وبها نرفع من مستوانا المعيشي‮ ‬ولكننا وبعد أن فتحنا أسواقنا وتكاسلنا في‮ ‬المضي‮ ‬على درب الآباء والاجداد وكذا عدم اهتمام الدولة في‮ ‬سن تشريعات والقيام بإجراءات تكفل الحفاظ على منتجاتنا وحرفنا التقليدية وحمايتها من ذلك الطوفان القادم من عوالم التكنولوجيا والتقنية الحديثة هذا الطوفان‮ ‬يدمر كل ما‮ ‬يقف في‮ ‬طريقه لا سيما تلك الحرف التقليدية الضعيفة التي‮ ‬لا زالت تعتمد على وسائل وأساليب بسيطة لكن إنتاجها متين وقوي‮ ‬يظل سنوات وسنوات دون أين‮ ‬يؤثر فيه الزمن‮.‬

اندثر بعضها والبعض‮ ‬ينتظر
تقول الأخت آمال الشيبة مدير المركز النسوي‮ ‬للأشغال الحرفية أن اليمن تتميز بثرائها الكبير في‮ ‬منتجاتها وحرفها التقليدية ولكل منطقة أو عزلة حرفية‮ ‬يشتهر سكانها بإتقان بمهارة عالية وقدرة فائقة وحرفية تامة بيد أن هذا الثراء وهذا التنوع لم‮ ‬يلاق بالاهتمام الذي‮ ‬يليق به والدولة لم تلتفت إليه ولم تسع إلى المحافظة عليه ورعايته وهذا ما جعل الحرف اليمنية اليوم في‮ ‬وضع حرج جدا اندثر معظمها وأصبحت ذكرى وما بقي‮ ‬منها لا‮ ‬يزال‮ ‬يقاوم رغم الضربات القاسية التي‮ ‬توجه إليه ولكنه حتما إذا لم تسع الدولة إلى القيام بواجبها لحمايته سيندثر وبالتالي‮ ‬قد نفيق ولكن بعد فوات الأوان‮ ‬فإذا كانت حرفنا اليدوية الآن تصنع من أجل السياج أو من أجل الاستفادة منها كهدايا وكذا استخدامها من قبل سيدات مجتمع واللائي‮ ‬يعرفن قيمة مثل هذه الحرف وجمالياتها والكثير من الحرفيين هجروا حرفهم واتجهوا إلى أعمال أخرى تدر لهم دخلا‮ ‬يكفيهم وأسرهم ولكن لا زال هناك حرفيون وحرفيات كثر‮ ‬يقاومون ومستمرون في‮ ‬مهنهم ونحن في‮ ‬المركز نسعى إلى إدخال بعض التحديثات على منتجاتنا لكي‮ ‬نواكب تطور العصر وما‮ ‬يحتاج إليه أو تطلبه المرأة في‮ ‬هذا العصر وقد نستخدم فقط النقشات والغرز من منتجات قديمة بمعنى المزج بين القديم والحديث ومحاكاة القديم لكي‮ ‬نحافظ عليه وبنفس الوقت التحديث لكي‮ ‬نستمر ومع هذا تظل الحرف اليدوية اليمنية تعاني‮ ‬بل وتداس بالأقدام‮.‬
قرار عجوز
مجلس الوزراء وقبل أربع سنوات أصدر لائحة تمنع استيراد سلع ومنتجات تصنع محليا وكان الغرض من هذا القرار هو الحفاظ على المنتجات الحرفية اليمنية‮ ‬الأمر الذي‮ ‬لاقى ارتياحا واسعا لدى أوساط الحرفيين والمهتمين آنذاك ولكن هذا الارتياح سرعان ما زال في‮ ‬ظل‮ ‬غياب الإجراءات التنفيذية التي‮ ‬كان من المفترض أن تتبع هذه اللائحة‮.‬
وتقول آمال الشيبة سمعنا بهذا القرار ولكننا نسيناه بعد أن اعتقدنا أنه سيمثل طوق النجاة لكل الحرف اليدوية في‮ ‬اليمن ولكن وللأسف الشديد كغيره من القرارات المهمة التي‮ ‬يتم اتخاذها وتظل فقط حبرا على ورق لا سيما تلك القرارات التي‮ ‬تحض التراث ونطالب الآن هذه الحكومة إذا فعلا لديها عزم على إصلاح البلد بأن‮ ‬يطبق هذا القرار وتفعله لكي‮ ‬يشتغل جميع الناس وبالتالي‮ ‬تساهم كثيرا في‮ ‬مكافحة البطالة على الأقل منع استيراد المنتجات من الملبوسات وثقوا بأننا قادرون على توفير احتياجاتنا بل وربما نصدر إلى الخارج وسوف نسعى إلى تطوير حرفنا التقليدية ومحاكاة الماضي‮ ‬اليمني‮ ‬العريق في‮ ‬هذه الحرف حتى المواد الخام التي‮ ‬أصبحنا نستوردها من الخارج وكنا نوفرها من قبل ذاتيا سنعود إلى توفيرها مرة أخرى‮.‬
وتساءلت هل هناك نوايا بأن تعود اليمن إلى سابق عهدها وتعتمد على نفسها في‮ ‬توفير احتياجاتها وحماية مورثها من الحرف التي‮ ‬تفنن الأجداد وأتقنوا إنتاجها آملين أن نحافظ عليها الأجيال القادمة‮.‬

تقليد مقيت
‮> ‬الكثير من الحرف التي‮ ‬يعتقد أنها تقليدية مما‮ ‬يصنع محليا تستخدم مواد وتنفذ تصاميم لا تمت إلى القديم بصلة وتباع على أنها حرف‮ ‬يمنية أصيلة بل أصبحت تشارك في‮ ‬فعاليات ومعارض داخلية وخارجية على أنها حرف تقليدية‮ ‬يمنية وإذا بحثت عن مكوناتها والوسائل التي‮ ‬بواسطتها صنعت ستكتشف أنها مستوردة من خارج الحدود‮.‬
وهنا تقول الأخت نبيلة عبدالله حميشان مدربة في‮ ‬مجال رسوم التصاميم‮: ‬أصبحت الكثير من المنتجات تروج على أنها حرف تقليدية‮ ‬يمنية وهي‮ ‬بالأصل لا تمت إلى التقليد اليمني‮ ‬بصلة‮ ‬فالحرف اليمنية متميزة ومشهورة بتصاميمها ونقوشها وإتقانها الكبير ومتانتها التي‮ ‬تقاوم السنين أما الآن مستوى العمل في‮ ‬هذه الحرف أو المنتجات التي‮ ‬تصنع محليا وتستورد كافة مواردها وتستخدم نقوشاٍ‮ ‬وزخارف ليست من التراث اليمني‮ ‬وأصبح متدنياٍ‮ ‬إلى درجة كبيرة وقد‮ ‬يكون الحرفي‮ ‬أو الحرفية لديه أسباب لذلك أهمها محاولة في‮ ‬منافسة المستورد الذي‮ ‬يأتي‮ ‬بأسعار منخفضة‮ ‬يقبل عليها الناس الذين لا‮ ‬يهمهم مستوى العمل ومتانته بقدر ما‮ ‬يهمهم السعر‮ ‬الأمر الذي‮ ‬جعل الحرفي‮ ‬اليمني‮ ‬يستعين بالمستورد في‮ ‬توفير مادته الخام والآلات التي‮ ‬تسهل عليه العمل وتوفر عليه الوقت والجهد بالإضافة إلى محاكاة التصاميم المستوردة وهذا كله‮ ‬يساهم في‮ ‬الابتعاد عن التقليد اليمني‮ ‬مثلا السيم الذي‮ ‬كان‮ ‬يستخدم في‮ ‬حزام الجنابي‮ ‬كان‮ ‬يصنع محليا الآن‮ ‬يتم استيراده كما أن عمل الحزام كان‮ ‬يعتمد بدرجة أساسية على اليد الآن هناك الآلات لهذا الجانب مع وجود أحزمة‮ ‬يتم إنتاجها بواسطة اليد إلا أن الغائب والمطلوب في‮ ‬السوق أكثر تلك حزمة التي‮ ‬تصنع بواسطة الآلات لأن اسعارها منخفضة بغض النظر عن المكانة التي‮ ‬يوفرها الشغل اليدوي‮ ‬القائم على اليد والذي‮ ‬تكون أسعارة مرتفعة‮.

قرار مات قبل أن‮ ‬يولد
وحول قرار مجلس الوزراء قالت‮ “‬نبيلة‮”: ‬كان هذا القرار بارقة أمل لاحت ولكنها سرعان ما خبت بريقها فقد تفاءلنا كثيراٍ‮ ‬بهذا القرار الذي‮ ‬مات قبل أن‮ ‬يولد وتناقلته وسائل الإعلام ولكن الساسة خذلونا عندما أهملوا تنفيذ هذا القرار الهام الذي‮ ‬كان سينتج عنه الكثير من الأشياء الإيجابية للمجتمع منها تشغيل الكثير من الأيدي‮ ‬العاملة نساء ورجالاٍ‮ ‬وإيجاد قطاع إنتاجي‮ ‬واسع‮ “‬محلياٍ‮” ‬يمتد إلى سائر المحافظات اليمنية التي‮ ‬سيعود كل منها إلى الحرف التي‮ ‬تمتاز بها لتوفير ما تحتاج إليه وبالتالي‮ ‬نعيد للموروث والحرف اليمنية رونقها وعبقها ولكن للأسف الشديد قرار مشلول¿¿‮!!‬
وتساءلت نبيلة لماذا‮ ‬يعمد الساسة على اتخاذ قرارات وهم عازمون على عدم تنفيذها¿¿‮!!‬

خيبة أمل
وعبرت أم محمد الحيمي‮ ‬وهي‮ ‬تعمل مدربة نسيج عن خيبة أملها في‮ ‬التدني‮ ‬الكبير الذي‮ ‬تعانية الحرف والمشغولات اليدوية اليمنية التي‮ ‬تمر السنين وهي‮ ‬في‮ ‬انحدار مستمر نحو مستوايات كادت بعضها تقارب الاندثار بعد أن اندثرت فعلياٍ‮ ‬الكثير من الحرف التي‮ ‬كانت تلاقي‮ ‬رواجاٍ‮ ‬وقبولاٍ‮ ‬في‮ ‬أوساط المجتمع حتى سنوات قريبة ولكنها الآن لم‮ ‬يعد لها وجود حتى الحرفين إما ماتوا أو أصبحوا عاجزين عن ممارسة أي‮ ‬أعمال‮ ‬وهنا‮ ‬ينبغي‮ ‬الاستفادة ممن لا زال على قيد الحياة بالأخذ منه والاستماع له‮ ‬والتعلم لكي‮ ‬نحافظ على تلك الحرف على الأقل حتى تلتفت الدولة إلى هذه الحرف وتعمل على توفير كافة الوسائل والأساليب التي‮ ‬تعيدها للحياة من جديد‮.‬
وأضافت‮: ‬قبل عشرين عاماٍ‮ ‬كان الوضع أفضل من الآن بكثير كانت الجهات المعنية تهتم لحال الحرف اليدوية وكذا المنظمات الدولية تلتفت إليها ولكن هذا الاهتمام تدهور تدريجياٍ‮ ‬إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه الآن وربما إذا استمر الإهمال سيندثر ما بقي‮ ‬من حرف‮ ‬يمنية سواء كانت حرف‮ ‬يدوية أو صناعات تقليدية وغيرها‮.‬

آن الأوان لإخراجه من الأدراج‮.‬
ودعت أم محمد الحيمي‮ ‬مجلس الوزراء حكومة الوفاق الوطني‮ ‬إلى إخراج القرار التي‮ ‬اتخذته الحكومة السابقة بمنع استيراد أي‮ ‬منتج‮ ‬يصنع محليا من الأدراج أو الدواليب في‮ ‬مجلس الوزراء وسرعة تفعيلة لانقاذ ما‮ ‬يمكن إنقاذه من حرف‮ ‬يدوية وصناعات تقليدية فالمستورد منافس عنيد وقوي‮ ‬أتى على الكثير من الحرف وسيدمر الباقية‮ ‬وبالتالي‮ ‬سنصبح بدون حرف ونظل نبكي‮ ‬على الأطلال وعما كنا عليه‮ ‬تنبهوا‮ ‬يا حكومة قبل فوات الأوان‮.‬

النوايا‮ ‬غير جادة
ويعزو الأخ محمد علي‮ ‬راشد مدير عام الحرف والمشغولات اليدوية بوزارة الثقافة أهم أسباب عدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء بمنع استيراد المنتجات التي‮ ‬تصنع محلياٍ‮ ‬إلى تداخل الجهات الرسمية في‮ ‬تنفيذ هذا القرار وتعددها وكثرتها لعل أبرز تلك الجهات وزارة الثقافة ووزارة السياحة ووزارة الصناعة وجهات أخرى‮ ‬هذا التداخل والتضارب في‮ ‬الاختصاصات وفي‮ ‬تنفيذ هذا القرار حال دون خروج القرار إلى حيز التنفيذ وأودع الأدراج ولا‮ ‬يزال ومنذ سنوات أربع في‮ ‬تلك الادراج المغلقة إن لم‮ ‬يكن قد تم التخلص منها‮ ‬وسبب آخر‮ ‬يعتبر هاماٍ‮ ‬وأساسياٍ‮ ‬لعدم تنفيذ القرار هو‮ ‬غياب المصداقية والنوايا الجادة في‮ ‬الاهتمام بهذه الحرف والمنتجات المحلية‮.‬
وبهذا القرار الذي‮ ‬يمثل درعاٍ‮ ‬حفاظياٍ‮ ‬لها كان سيحميها بل ويطورها ويسهم بشكل أساسي‮ ‬في‮ ‬إيجاد أرضية متينة لانطلاق الحرف والمنتجات اليمنية إلى الأمام‮.‬
وقال راشد‮: ‬الحرف اليمنية في‮ ‬أسوأ حالتها تعاني‮ ‬أوضاعاٍ‮ ‬وهجوماٍ‮ ‬شرساٍ‮ ‬من المنتجات المستوردة التي‮ ‬باتت تتقمص شخصيتها وتنتحل اسمها العريق‮ ‬فقد أصبح الكثير من الحرفيين اليمنيين وللأسف الشديد الذين كان الأحرى بهم الحفاظ على حرفهم الأصيلة أصبحوا‮ ‬يتاجرون ويستوردون السلع والمنتجات المقلدة من الصين والهند ويقدموها على أساس أنها منتجات حرفية‮ ‬يمنية أصيلة‮.‬
وهنا نناشد الحكومة وكذا وسائل الإعلام إلى القيام بواجبهم في‮ ‬حماية الحرف اليمنية الأصيلة والحفاظ عليها من خلال سن تشريعات وعمل ضوابط تحول دون استيراد تلك السلع المقلدة التي‮ ‬تشوه المنتج اليمنية الأصيلة‮ ‬وإذا كانت الحكومة الحالية صادقة في‮ ‬الاهتمام بالمنتج المحلي‮ ‬والحرف اليمنية فعليها أن تخرج القرار العاجز الذي‮ ‬اتخذته الحكومة السابقة ووضعته في‮ ‬الأدراج ربما‮ ‬يكون هناك ضغوط مورست عليها من نافذين آنذاك لكن الآن آن الأوان لكي‮ ‬تلتفت‮.‬
الحكومة الحالية لهذه الحرف وتتبنى تنفيذ هذا القرار لأن الإهمال بالحرف والمنتجات اليمنية سيعود بالنفع لا محالة على الاقتصاد الوطني‮ ‬بشكل عام‮.‬
وعبر عن أسفه الشديد لاندثار الكثير من الحرف اليمنية وما بقي‮ ‬منها‮ ‬ينتظر‮.‬
مؤكداٍ‮ ‬أن وزارة الثقافة تسعى إلى إنشاء مركز لتطوير الحرف اليدوية سيقوم بالحفاظ على الحرف اليدوية وتنميتها وتطويرها‮ ‬بيد أن هذا المركز مازال‮ ‬ينتظر أن‮ ‬يصدر القرار الجمهورية بإنشائه‮.‬

قد يعجبك ايضا