يمنيـات فـي الحجر بشبهة “السجون”

> غياب قانون للصحة النفسية قيد إضافي يكبل المرأة اليمنية

بنظرة شاردة تتكئ الأربعينية جميلة على جدار في ركن داخل قسم النساء بمستشفى الأمل الخاص للأمراض النفسية والعصبية بصنعاء. مظهرها يوحي بأنها تعاني من إعاقة حركية أو تيبس في أطرافها وتقوس عمودها الفقري.
على أن عيون جميلة الغائرة تعكس معاناة نفسية وجسمية سبِبها لها زوجها الذي عزلها عن العالم الخارجي “مقيدة بجنازير بجانب الحيوانات داخل زريبة مواش” لمدة 20 عاما هي نصف عمرها حسب ما يقول طبيبها محمد الأشول. “أصيبت بمرض حين كان عمرها 25 عاماٍ فاعتقد زوجها بأنها جْنِت ولاعلاج لها” كما يشرح اختصاصي الطب النفسي. ولم تعرض جميلة على أي طبيب طيلة تلك الفترة.

“تخلصت جميلة من القيد حين كبر ابنها وأحضرها للمستشفى قبل خمس سنوات” حسبما يستذكر طبيبها. “كانت بحالة مزرية لحظة وصولها خضعت لعلاج طبيعي مكثف بسبب القيد المْزمن ومن ثم تخلى الابن عن والدته لتبقى مع 20 مريضة أخرى مكفولة لدى المستشفى على نفقة فاعل خير”.
سلوى ذات الـ (35 ربيعاٍ) تقبع هي الأخرى منذ 20 عاماٍ بغرفة مظلمة في قريتها “أرتل” إحدى ضواحي العاصمة بعد أن أحكم أهلها الحصار عليها. تحدق بجدران وقواطع إسمنتية تفصلها عن محيطها لا لشيء إلا لأنها مصابة بمرض نفسي. خضعت سلوى قبل خمس سنوات لعلاج مدته ستة أشهر داخل مستشفى الأمل (خاص) على نفقة فاعل خير بحسب شقيقتها الصغرى ياسمين. لكنها أخرجت قبل أن تشفى ما سبب لها انتكاسة قوية. ولم تستطع بعدها مواصلة العلاج لأنها غير مغطاة بمظلة تأمين صحي حكومي مجاني كما هي حال جميع اليمنيين.
أما حنان (20 عاماٍ) فأجبرت على ترك الجامعة ولازمت المنزل حيث خضعت لجلسات على يد شيخ “طبيب شعبي يعالج أيضاٍ شقيقتها الكبرى سمية (23 عاماٍ)”.
جميلة وسلوى وحنان ثلاثة أجيال لفتيات اليمن ونسائه يتعرضن للاضطهاد والعزل على يد عائلاتهن لمجرد الشكوك بقدراتهن العقلية في مجتمع محافظ يخشى “وصمة العار” حسبما وثقت مْعدة التحقيق بعد 20 شهرا من التقصي. يحدث ذلك في غياب قانون “للصحة النفسية” نتيجة إهمال وزارة الصحة وعدم اطلاع غالبية مسئوليها على مشروع القانون أو مآسي هذه الشريحة. 
يفترض أن يكفل القانون علاجا مناسبا للمرضى النفسيين بما في ذلك تأهيل سلوكي يحميهم من سوء معاملة الأهل والأقرباء في مجتمع لا يزال يرى المرضى النفسيين غير سويين عقليا.
في الأثناء مازالت المرأة تدفع ثمن “وصمة” المجتمع وسط تعطيل مشروع قانون اقترحته وزارة الصحة عام 2008 لكنه لم يصل بعد إلى مجلس النواب لإقراره.
مدير برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة والسكان د. محمد الخليدي يصر على أن الوزارة أرسلت مشروع القانون إلى مجلس النواب عام 2010 تمهيداٍ لمناقشته وإقراره. يوافقه الرأي وكيل الوزارة لقطاع الرعاية الصحية د. ماجد الجنيد.
على أن مْقرر لجنة الصحة العامة والسكان بمجلس النواب د.سمير رضا يستغرب ذلك قائلاٍ: “لم يصل إلى المجلس حتى الآن”.
من جانبه يتهم وكيل قطاع الإفتاء والتشريع بوزارة الشؤون القانونية د.مطيع جبير وزارة الصحة بعدم متابعة مشروع القانون. ويقول: “لأنه غير سياسي وغير سيادي لم تدرجه وزارة الصحة ضمن مشروع خطة 2013 حدثت صحوة في فترة معينة حول قانون الصحة النفسية وتم تناوله ودراسته وفجأة تم تجاهله وغاب من يتابعه من وزارة الصحة بشكل غريب” حسبما يرى جبير. 
وكيل وزارة الصحة ماجد الجنيد يبعد التهمة عن الوزارة ويبرر التأخير “بأن العديد من القوانين أخذت وقتاٍ طويلا بمجلس النواب”. لكن الجنيد يقر بأن “قضية الصحة النفسية لم تنل حقها من الاهتمام من حيث محدودية الخدمات والأدوية”.
وزير الصحة السابق أحمد العنسي رفض مقابلة مْعدة التحقيق فاتجهت إلى نائب الوزير د. ناصر باعوم الذي تولى منصبه في عام 2013 ويؤكد بدوره “أنه لم يطلع على مشروع قانون الصحة النفسية بل ولم يبلغ به أيضا”.
مشروع القانون لم يمر كذلك على وكيل وزارة الصحة لقطاع الطب العلاجي د. غازي اسماعيل رغم أنه تولى منصبه منذ 2008. ويْقر د. إسماعيل بـ”تقصير وزارة الصحة وعدم استجابتها لكل المتطلبات”.
مشروع قانون قاصر
حتى مشروع القانون المؤجل- الذي حصلت مْعدة التحقيق على نسخة منه من وزارة الشؤون القانونية- تعتريه “نواقص وثغرات عديدة قد تستغل لانتهاك حقوق الإنسان” بحسب المستشار القانوني محمد المسوري.
إذ تنص المادة (36) من فصله الثاني على أنه: “يحق للمريض الاعتراض على قرار إدخاله الإجباري إلى المؤسسة العلاجية النفسية للتقييم أمام مجلس المراقبة كما يحق له أن يمارس هذا الحق عن طريق محاميه وذلك خلال الأسبوعين الأولين من الحجز”. ويجادل المحامي المسوري بأن “فاقد الإدراك يعد فاقد الإرادة ولا يحق له توكيل محام فتوكيله باطل”.
كما يشوب مشروع القانون “اختلالات في الصوغ اللغوي الشروط القانونية الضوابط والأمور الفنية والملزمة للدولة” حسبما يضيف داعيا إلى “مراجعته كليا”. ولم يحدد مشروع القانون “حقوق المريض ذكراٍ كان أم أنثى وواجبات الأسرة والمجتمع وحتى الدولة”.
رئيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان الخبيرة الدولية رجاء المصعبي تشاطره الرأي معتبرة  المشروع “لا يحمي المرأة المنتهكة حقوقها”. وهي تنفي الحاجة لقانون الصحة النفسية فيما لو نفذت الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية بطريقة صحيحة.
لكن مدير برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة يؤكد “استقلالية الاستراتيجية عن القانون فهي مؤقتة بخطة عمل معينة محددة بمدة زمنية (2011 – 2015)”.
حتى الآن فشلت الحكومة في اعتماد هذه الاستراتيجية في بلد تبلغ فيه ميزانية الصحة (753 مليون دولار) بحسب تقديرات الموازنة العامة عام 2014. فقط 2.8 % من هذه الموازنة تخصص لقطاع الأمراض النفسية. فبحسب كشف حصلت عليه معدة التحقيق من البرنامج الوطني للإمداد الدوائي بوزارة الصحة فإن مخصصات علاج الأمراض المْزمنة والمْنقذة للحياة تبلغ 11.059.810 دولارات يخصص منها 308 آلاف لشراء أدوية للأمراض النفسية والعصبية والصرع. ثلاثة أنواع من هذه الأدوية خاصة بالأمراض النفسية المستعصية توزع على مكاتب الصحة والمحافظات ومصحات السجون في المحافظات الرئيسية.
إحدى عشرة منشأة فقط من بين 164 مستشفى حكومي وخاص تضم عيادات وأقسام رعاية نفسية وفق دراسة نشرها الصندوق الاجتماعي للتنمية عام 2008.
في اليمن 127 ألفاٍ و630 حالة مصنفة ضمن الأمراض النفسية (إجمالي عدد النساء والرجال المترددين على العيادات النفسية الخاصة والعامة) بحسب آخر دراسة نشرها أساتذة الطب النفسي د. محمد الطشي د. علي الطارق ود. بلقيس جباري في يوليو/ تموز 2008م بالاستناد إلى إحصاءات حكومية جمعت عام 2006. ويلفت الأطباء إلى أن العلاجات المتوفرة “غير كاملة” تغطي جزءا بسيطا من “الأمراض النفسية والعصبية”.
بحسب الدراسة فإن 32.60 % من إجمالي المراجعين إناث مصابات بالفصام مقابل 37.71 % رجال مصابين بالفصام. لكن الآلاف غيرهن لا يخضعن للعلاج بل انعزلن  عن المجتمع في منازل ذويهن أو أزواجهن حسبما تتبعت معدة التحقيق.
لا أرقام رسمية دقيقة عن عدد المرضى النفسيين من إجمالي عدد السكان البالغ 24 مليون نسمة. لكن تقديرات دولية تشير إلى إصابة 7 % من السكان بأمراض نفسية1 % من هذه النسبة مصابون بمرض الفصام وهو اضطراب حاد في الدماغ يشوه طريقة التفكير والتصرف والتعبير عن المشاعر.
يعمل في اليمن 44 طبيباٍ نفسياٍ – من بين 8534 طبيباٍ – أي طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص تقريباٍ بحسب الدراسة. بينما تحدد إحصاءات البنك الدولي عدد  طبيبين لكل 10.000 مريض.
مدير برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة  د. الخليدي. يحمل الحكومة “مسؤولية” التقصير ويجادل بأن “وزارة الصحة هيئة إشرافية وليست علاجية ولا يدخل العلاج ضمن نطاق الوزارة أو برنامج الصحة النفسية. ولا يوجد مسؤول عن هذه الفئة”.
بينما يْقر وكيل وزارة الصحة للطب العلاجي د.غازي إسماعيل بـ”تقصير الوزارة الكبير في توفير كميات الأدوية المطلوبة وتلبية احتياجات الناس” إذ يضطر المرضى لدفع ثمن العلاج على حسابهم الخاص.
بالتقصي الميداني لم تعثر معدة التحقيق على دار إيواء أو مصحة نفسية حكومية بالعاصمة سوى مصحة السجن المركزي ويؤكد  مدير إدارة الخدمات الطبية بإصلاحية السجن المركزي سابقاٍ د. أحمد نعمان أن “الإشكالية الكبيرة التي تواجه عمل المصحة تتمثل في عدم توفر الكادر وقطاع الرعاية (لمعالجة النساء والرجال)”.
نائب مدير السجن المركزي – المقدم محمد الإدريسي يقول: “نعاني من شح كبير في الأدوية والكادر الطبي وأدوات النظافة والموظفين” رغم وجود اتفاقية موقعة بين وزارتي الصحة والداخلية فيما يخالفه الوكيل المساعد لمصلحة السجون العقيد عبدالسلام علي صالح بالقول: إنها اتفاقيه شفهية فقط ونصت على أن “تتحمل وزارة الصحة توفير الكادر والأدوية وتتحمل وزارة الداخلية توفير مواد النظافة والإشراف”. 
القانون رقم (48) لسنة 1991 بشأن تنظيم السجون بالفصل الخامس الخاص بالرعاية الصحية للمساجين في المادة (25) ينص على:” يصدر وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة العامة لائحة تفصيلية لتنظيم الشؤون الطبية والصحية داخل السجون وتحديد واجبات الأطباء المساعدين وإجراءات نقل المرضى المساجين إلى المستشفيات العامة وتحديد جداول مقررات الطعام والملابس والفرش والأثاث اللازم للسجناء” ويوضح العقيد صالح بأن التدهور الحاصل في مصحة السجن يأتي لعدم تفعيل لائحة تعزز القانون وتحدد التزامات واضحة لكل جهة من الجهات.
المقدم الإدريسي نائب مدير السجن المركزي يؤكد عدم قدرة المصحة على استقبال مرضى من خارج السجن إلا في حال تقدم الأهل بطلب للنيابة “لسجن المريض” من ثم تصدر النيابة أمرا بإيداعه للعلاج في المصحة.
تضم المصحة 120 سجينا – ليس بينهم أية سيدة – إذ تفوق قدرتها الاستيعابية بنحو 25% ويعالج 80 آخرون في القسم العام بالسجن رغم نقص الأدوية والأطباء ويشرف عليهم ثلاثة أطباء نفسيين وأخصائي نفسي واحد بحسب الإدريسي ويزيد: “الاكتظاظ يطال أيضا السجن الذي يضم 2500 نزيل مع أن طاقاته الاستيعابية  لا تتجاوز 1100”.
أربع سجينات فقط عولجن بهذه المصحة ثلاث منهن مصابات بالفصام تلقين العلاج بقسم سجن النساء لعدم وجود مكان مخصص لعلاجهن فيما لم يذكر التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية 2012 أية مريضة نفسياٍ بين النزيلات.
وتنتقد المصعبي -خبيرة حقوق الإنسان- وجود مصحة نفسية “في جهة عقابية فمن الصعب إيواء المريضات نفسياٍ في مصحات السجون لاعتبارات الوصمة الاجتماعية والنظرة القاصرة للأنثى بأنها عورة”.
يشكو أهالي مرضى من ضعف رقابة وزارة الصحة على خدمات الصحة النفسية إذ إن 27 % من 164 منشأة لا تفتح ملفاٍ طبياٍ للمريض وبياناته ولا تسجل تواريخ تردد الحالات ما يدل على وجود إهمال وتقصير حكومي وأهلي في مجال الصحة النفسية والحقوق الإنسانية للمصابين بأمراض نفسية بخاصة النساء بحسب دراسة أساتذة الطب النفسي. 
الجنيد يعلل عدم توفر سجلات خاصة بمرضى الفصام بقوله: “يفترض أن لا يكون هناك سجل صادر عن الوزارة أو برنامج الصحة النفسية بل يجب دمجها في إطار السجلات ونظام المعلومات الصحي العام”.
الأستاذ بكلية الطب -جامعة صنعاء د. محمد الطشي وأستاذ الطب النفسي بذات الكلية مدير مستشفى الرشاد د. عبد الله شويل يؤكدان أن معاناة المرأة تفوق معاناة الرجل وبخاصة المريضة نفسياٍ.
ويؤكد أطباء إمكانية الشفاء من الفصام إذا تعاون الأهل إذ تصل نسبة الشفاء التام إلى  10% بحسب وصف الطبيب محمد الأشول في حال خلو العامل الوراثي العلاج المبكر وجود علامات موجبة واهتمام الأسرة ودعمها. بينما تبلغ نسبة التحسن من المرض (50 – 60 %) إذا استخدم العلاج بانتظام. لكن 20 % من المرضى لا علاج لهم ويحتاجون لأماكن مخصصة لإيوائهم.
سلوى
الطبيب الطشي المشرف على حال”سلوى” يرى أنها تعاني أعراضاٍ انسحابية وهي موجودة بمرض الفصام المزمن والاكتئاب. ويبدو أن الأثر البيئي كان سبباٍ لظهور الأعراض التي تصل للتبلد الانسحاب العاطفي والاجتماعي فقدان مهارات التواصل واللغة وعدم الاكتراث لما يدور حولها. كما يرى أيضاٍ أن رغباتها وطموحاتها مفقودة وتحتاج لجهد كبير حتى تتحسن مع متابعة علاجية طويلة وبرامج تأهيلية كاملة ابتداءٍ بكيفية تلبية احتياجاتها الأساسية تماماٍ كطفلة.
حنان
الأخصائية النفسية بمستشفى الثورة د. جميلة عيسى تؤكد أن “افتقاد حنان (20 عاماٍ) للأمان وتعرضها لضغوط ومشاكل أسرية أجبرتها على ترك دراستها” فاقم ذلك مرض شقيقتها الكبرى ومصاحبتها لأماكن يتعرض فيها المرضى للضرب بحجة إخراج الجن والمس. “تلقت حنان صفعة غير متوقعة من والدها أثناء صلاتها في الوقت الذي كانت فيه الأخت الكبرى سمية بذات اللحظة تعاني حالة هيجان لدى استخدامها لوصفة علاجية حددها شيخ يعالج بالقرآن (طب شعبي رائج محلياٍ)” حسبما تقول د. عيسى لافتة إلى أن “تلك الصفعة كانت كفيلة بإخراج حنان من عالم الإدراك وإدخالها عالمها الخاص”.
المصحات النفسية دون
 المستوى المطلوب
حتى وإن توفر المال وتساهلت النظرة الاجتماعية تجاه المرأة المريضة نفسياٍ تبقى سعة المصحات النفسية الخاصة دون المستوى المطلوب حال عدد الأطباء النفسيين والمختصين بتحليل علم النفس وطواقم الإسناد.
الأخصائي النفسي في السجن المركزي عادل هويدي يوضح أن المريضات يتلقين العلاج ويخضعن للفحوص “داخل قسم السجينات”.
يتعارض ذلك مع القانون رقم (48) لسنة 1991 بشأن تنظيم السجون إذ تنص المادة (26) منه على: “عند إصابة المسجون بمرض عقلي أو نفسي ينقل إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بناءٍ على تقرير الطبيب المختص وبموجب اللائحة الخاصة بذلك” بحسب الوكيل المساعد لمصلحة السجون العقيد عبدالسلام علي صالح. ويرى العقيد صالح أن “السجن ليس مكانا لعلاج المرضى النفسيين. ولا توجد أية منظمات إنسانية وحقوقية تساهم بدعم المرضى في السجن بأي شكل من الأشكال بعد أن أكمل الصليب الأحمر الدولي مهامه لدعم المرضى بالسجن المركزي عام 2005”.
يذكر الدكتور عبدالعزيز المخلافي – نائب مدير عام الإصلاح والتأهيل لشؤون الرعاية بالمصلحة بأن :”اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل على الصعيد العالمي بتقديم المساعدات الإنسانية وكانت مصلحة السجن المركزي أحد اهتمامات الصليب الأحمر الدولي خلال الفترة 95 وحتى 2005 وسميت بالفترة الذهبية للمصلحة إذ كان الكادر الطبي والأدوية والخدمات اللازمة للمصلحة والسجناء متوفرا وبعد أن سلم الصليب الأحمر المصلحة للدولة بسنة واحدة عادت إلى العوز في العلاج والفراش وأدوات النظافة”.
وبحسب هويدي فإن شحاٍ في الأدوية يواجه إدارة المصحة ويؤكد: “نستعين بأهل النزلاء أحياناٍ لشراء العلاج على نفقتهم الخاصة حتى لا يتوقف المريض عن استخدام العلاج بشكل مفاجئ والبعض الآخر لا يجد من يشتري له الدواء”. يبقى المريض بمصحة السجن “لمدة لا تزيد عن شهر بعدها يعود ليكمل محكوميته في قسم السجن مع تلقي ما تبقى من كورس الدواء المخصص لحالته. لكن سرعان ما تعاوده الحالة المرضية ويعاد مرة ثانية للمصحة”.
انتقادات حقوق الإنسان
ثلاثة أقسام للطب النفسي في صنعاء ضمن مستشفيات حكومية لكنها (غير مجانية). أحدها في مستشفى الثورة ويْعد هيئة مستقلة مالياٍ وإداريا إلا أن قسم الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى الثورة لا يصلح للحالات المْزمنة أو المستعصية. كما أن فترة الإقامة فيه لا تزيد عن الشهر وتقدر تكلفة رقود المريض بذات القسم في مستشفى الثورة (84) دولاراٍ شهرياٍ والمتوفر من الأدوية قليل جداٍ لا يفي باحتياجات المرضى بحسب د.عبدالله الشرعبي -رئيس قسم الأمراض النفسية بمستشفى الثورة. مشيراٍ إلى توجهات منظمة الصحة العالمية لدمج المصحات بالمستشفيات العامة التي لا تزال قيد الإنشاء بوزارة الصحة اليمنية.
علاج مكلف في الدور الخاصة
مستشفى الأمل ضمن ثلاثة مستشفيات خاصة للطب النفسي ويتبع جمعية الإصلاح الخيرية. (غير مجاني) يحصل على مساعدات حكومية تقدر بـ(126 ألف دولار) سنوياٍ. هذا المشفى الوحيد الذي يحوي حالات نفسية مصابة بالفصام وتبلغ طاقته الاستيعابية 200 سرير لا يخصص للنساء منها سوى 50 سريراٍ. المفارقة عدم وجود مريضات بالفصام على لائحة الانتظار لأن الطاقة الاستيعابية لا تمتلئ في المستشفى نظراٍ للوصمة المجتمعية.
أما مستشفى الرشاد للأمراض النفسية والعصبية (قطاع خاص) فيحوي 30 سريراٍ تخصص فقط للحالات المستعصية ولا يوجد قسم خاص أو أسرة خاصة للنساء وفق مديره العام د. عبدالله شويل.
تقدر كلفة علاج الفصام بغرفة مستقلة في مستشفى الأمل بـ 630 دولاراٍ شهرياٍ تنخفض إلى 210 دولارات للغرفة المشتركة. يضاف لذلك تأمين نقدي قدره 327 دولاراٍ دون احتساب الأدوية والفحوص في بلد يعيش 18% من سكانه تحت خط الفقر بمعدل 1.25 دولار في اليوم.
 
حلول مقترحة
الطبيب الطشي يؤكد أن “معظم الحالات تعالج بنظام العيادات الخارجية ونادراٍ ما تزور المستشفيات” مقراٍ بوجود “تقصير كبير في الاهتمام بالصحة النفسية في اليمن”.
ويدعو إلى تخصيص “أقسام ضمن المستشفيات الحكومية أو وحدات صغيرة” لهذه الفئة. ويدعم الفكرة زميله د. عبدالله شويل – مدير مستشفى الرشاد النفسي (خاص) – بقوله: “العرف الطبي العالمي يرفض المصحات المستقلة ويؤكد دمج المريض النفسي في المستشفيات العامة”. مستثنياٍ بذلك “ثلث مرضى الفصام مِن لا علاج لهم وبحاجة لدور إيواء”.
تقصير حكومي يْغيب تنفيذ
 الاستراتيجية الوطنية
تستهدف الاستراتيجية- التي وضعها الصندوق الاجتماعي للتنمية بالتعاون مع وزارة الصحة العامة والسكان- “توفير وتعزيز خدمات صحية نفسية نوعية في مجالات الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل ورفع الوعي لكل أفراد المجتمع اليمني”.
يقول الدكتور الخليدي: “جاءت الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية لتعزز وتقوي برامج الصحة النفسية ولتوسيع نطاق عمل البرنامج” يستدرك: “لدينا استراتيجية لكن لا توجد ميزانية لتنفيذها والميزانية المقررة لدعم الصحة النفسية قليلة جداٍ إذ تبلغ “37.383دولار” وتصرف في أمور أخرى.
يقول علي محمد جحاف – مدير عام صحة الأسرة ومشرف برنامج الصحة النفسية بوزارة الصحة: “برنامج الصحة النفسية تم إقراره من مجلس الوزراء 2004 لكن لم يتم إعداد كلفة لتوسيع أعماله وزيادة نشاطه كما لم تقدم الوزارة خطوات لدعم الاستراتيجية بذريعة أن الموازنة لا تكفي ويبدو أن أولويات الحكومة بعيدة كثيراٍ عن الصحة النفسية”.
“لكن الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية 2011 – 2015 التي أعدها (الصندوق الاجتماعي للتنمية وقطاع الرعاية الصحية الأولية بوزارة الصحة) وتهدف لتطوير الصحة النفسية وتحفيز المجتمع لدعم المرضى لم تحقق شيئاٍ على أرض الواقع فيما يتعلق بتخفيف معاناة المريضات والمرضى بالفصام حتى اللحظة” على ما يضيف جحاف.
وبانتظار قانون طال انتظاره ليحمي ويخدم المرضى النفسيين فإن سلوى حبيسة الغرفة المظلمة وجميلة التي قضت نصف عمرها أسيرة قيد في زريبة للمواشي لا زالت تعاني وسوط القسوة الذي طال حنان وقصص أخرى أكثر ألماٍ لا زالت مجهولة ستبقى دون خدمة ورعاية نفسية في مجتمع يرى المرأة “عورة” وجهات حكومية مغيبة لدورها في ظل تشتتها وإهمالها لحقوق المرأة المريضة بالفصام.

أنجز هذا التحقيق

من أجل صحافة استقصائية عربية

www.arij.net

 

https://www.althawranews.net/pdf/2015/03/26/07.pdf

قد يعجبك ايضا