الأمم المتحدة تاريخ غير نظيف
من التورط السياسي والتجسسي إلى الفساد المالي والاستغلال الجنسي.. تورط مسؤولون وموظفون أمميون فلماذا ردة الفعل الغاضبة تجاه الإعلان اليمني
تقرير / إبراهيم الوادعي
إعلان صنعاء تورط موظفين أمميين سارع المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إلى رفض ما قالته صنعاء، ليس مفاجئا بالنظر إلى تاريخ زاخر تورط فيه عاملون ومسؤولون في الأمم المتحدة في أنشطة تضر بأمن ومصالح الدول اليت يعملون بها.
ودون أن تكلف الهيئة الأممية نفسها طلب الاطلاع على الأدلة التي قالت صنعاء أنها تمتلك أدلة مؤكدة ودامغه حول تورط خليه يعمل أعضائها في برنامجي الغذاء اليونيسف بصنعاء في استهداف حكومة التغيير والبناء في أغسطس الماضي.
إجراءات صنعاء ظلت خلال الأسبوع الحالي ولاتزال تحت سقف اتفاقية فييينا التي تنظم العلاقات الدبلوماسية وبينها عمل البعثات الأممية، بينما اتسم البيان الأممي بالخروج وتجاوز الاتفاقية الدولية التي تنظم وجودها أصلا في كل الدول، خاصة والمتورطون بحسب المعلومات يمنيون، ولا يعلم حتى اللحظة ماذا كان هناك مسؤولون دوليون متواجدون بصنعاء متورطون أيضا، وأيا يكن فاتفاقية فيينا تنظم كل تلك الأمور وهو ما تتجاهله أو تغافلت عنه الأمم المتحدة في بيان المتحدث ستيفان دوجاريك الجمعة الماضية، وردت الخارجية اليمنية عليه مطلع الأسبوع الحالي، أكدت فيه متانة أدلتها، وان لا حصانة تعلو فوق امن البلد القومي ومصالحه.
رفض البيان الأممي اتهامات صنعاء قد ينقل ملف التورط الأممي من مسئولية أفراد يفترض بالهيئة الأممية التبرؤ منهم إلى مربع آخر، تضع المنظمة فيه نفسها خصما ومدانا، فيما يفترض بها هي الأخرى ضحية لأعمال تجسس غير مشروعة وانحراف موظفين لديها عن مهامهم الإنسانية إلى أنشطة تجسسية بقصد الأضرار بموقف اليمن القتالي.
تذكر المعلومات أن أجهزة متطورة للغاية ضبطت لدى الخلية وفي مكاتب الأمم المتحدة، وهو ما قد يكشف عن خلفية التسرع الأممي بإصدار بيان الرفض لإعلان صنعاء، الأجهزة المصادرة والمضبوطة تقتنيها أجهزة الاستخبارات وليس منظمات ذات طابع إنساني.
يحفل تاريخ الأمم المتحدة بالتورط على تعدد أشكاله من السياسي إلى الاستخباري والأمني وصولا إلى الأخلاقي مرورا بالفساد الإداري والمالي في الدول التي يعملون بها، نستعرض يعض ما وثقته الصحافة الدولية وتقارير الأمم المتحدة ذاتها..
التورط السياسي
في 2018 اعتذرت الأمم المتحدة لهاييتي بعد إصرار هايتتي على مقاضاة الأمم المتحدة جراء تورط عاملين لديها بنشر الكوليرا عقب الانقلاب الذي صعد مناهضا للسياسة والأمريكية، وقام جنود وضباط في حقوات حفظ السلام بنشر الكوليرا في البلاد .
وبعد ثماني سنوات من المتابعة القضائية لمحامين، اعتذر الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته بان جي مون لشعب هايتي يوم الخميس عن دور المنظمة الدولية في التفشي المميت للكوليرا والذي أودى بحياة أكثر من 9300 شخص وألقيت المسؤولية فيه على جنود نيبال العاملين ضمن قوات حفظ السلام الدولية.
وكانت هايتي خالية من الكوليرا حتى عام 2010 عندما ألقت قوات حفظ السلام مياه صرف صحي موبوءة في أحد الأنهار. ولا تقبل الأمم المتحدة المسؤولية القانونية عن انتشار المرض الذي أصاب 800 ألف شخص.
وفي حين أقر بأن ظهور الكوليرا «وصمة في سمعة عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، جريمة راح ضحيتها 9 آلاف إنسان وأصيب بالكوليرا 200 الف أخرين.
التورط في المذابح
في البوسنة والهرسك تورط موظفون أمميون وعاملون بقوات السلام في التطهير على أساس عرقي، وساعدت قوات أممية الصرب على تنفيذ مذابح، ومن اشهرها مذبحة سيربنيتشا 1995م، أودت بحياة 7500 مسلم.
وقال عمدة سربرنيتشا سيفكت حافظ أوفيتش إن ضباط القوة الهولندية بالمدينة ومسؤولي الأمم المتحدة لم يتورطوا بشكل مباشر في المجزرة التي نفذتها القوات الصربية في يوليو 1995 لكنهم لم يتدخلوا لمنعها وأعطوا تطمينات للسكان.
وسربرنيتشا بالمناسبة كانت أحد الجيوب الآمنة التي أعلنتها الأمم المتحدة لحماية المدنيين المسلمين. لكن ورغم ذلك شهدت أبشع مجازر حروب البلقان ضد المسلمين.
الفساد
في عام 2022، تشير بيانات عراقية إلى أن إجمالي الأموال المنهوبة وصل إلى 360 مليار دولار، بينما يقدّر برلمانيون عراقيون بنحو 540 مليار دولار.
تعود أولى جذور زرع الفساد في الجهاز الإداري للدولة في العراق إلى فترة الحصار التي أعقبت حرب الخليج الأولى « عاصفة الصحراء، وتأسيس ما عرف حينها ببرنامج النفط مقابل الغذاء سيء الصيت.
تميز برنامج النفط مقابل الغذاء بإدارة أممية سيئة أيضا وتواطؤ مع أميركا وفضائح في تلقي رشاوى من قبل موظفين أمميين .
وفي عام 2004 وعلى أثر تحقيق بالكونجرس الأميركي في عمليات برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة دعا رئيس اللجنة الفرعية السناتور نورمان كولمان الأمين العام كوفي أنان إلى الاستقالة بسبب «فشل الأمم المتحدة المطلق في الكشف عن أو وقف انتهاكات صدام للبرنامج» .
وعام 2018 م تحولت قصة هذا البرنامج الفاسد إلى مادة للصناعة السينمائية واطلع العالم بكله على تفاصيل الفضيحة التي واكبت «برنامج النفط مقابل الطعام» بعنوان «backstabbing for beginners» للمخرج الدانماركي “بير فلي” (58 عاماً)، وفيه وثق، أن أميركا تقاسمت مليارات العائدات مع الرئيس السابق “صدام حسين” ومسؤولين في الأمم المتحدة و172 منظمة وشخصية عالمية من 56 دولة، من دون أن يستفيد الشعب بشيء.
التورط الخلاقي
خلال حروب البلقان تحولت سيارات الأمم المتحدة إلى جسر لنقل البغايا وتجارة الجنس إلى مناطق عدة في أوروبا ودول أخرى.
ووثقت صحف دولية انخراط موظفين أمميين في تجارة “ اللحم الأبيض” وتجارة الأعضاء للأثرياء في المناطق الساخنة
وسط انشغال معظم الصحف البريطانية بتغطية أصداء تفاقم “فضيحة الدَّعارة” في أوساط بعض العاملين في منظمة أوكسفام الخيرية، انفردت صحيفة التايمز بنشر تقرير في صفحاتها الداخلية تحت عنوان مثير يقول “كوادر الأمم المتحدة ‘مسؤولون عن 60 ألف اغتصاب خلال عقد’” واحد.
ويأتي هذا التقرير في سياق تغطية موسعة من الصحيفة للكشوف الجديدة في الفضيحة التي هزت أركان هذه المنظمة الخيرية، إذ نشرت في صفحتها الأولى تقريرا يكشف عن أن أوكسفام قد عينت رونالد فان هورميرن، مديرا لفرعها في هايتي، (أصبح لاحقا في قلب فضيحة التعامل مع بغايا خلال عمل المنظمة بإغاثة ضحايا زلزال هايتي)، بعد عامين من طرده من منظمة إغاثة بريطانية أخرى بسبب مزاعم تتعلق باستخدامه لبغايا أيضا.
وفي دول افريقيا وثق تقرير أممي تورط موظفين امميين في قضايا استغلال جنسي
2001: ظهرت ادعاءات في مخيمات اللاجئين بغينيا وليبيريا وسيراليون تفيد بأن موظفي الأمم المتحدة مارسوا أنشطة جنسية مع الأطفال مقابل مساعدات أساسية، مثل الغذاء والخدمات الطبية والنقل.
2004: تعرضت فتيات قاصرات في جمهورية الكونغو الديمقراطية للاغتصاب على أيدي أفراد من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مقابل المال أو الطعام.
2004-2007: في هايتي، تورط 134 من أفراد قوات حفظ السلام في اعتداءات جنسية على ما لا يقل عن تسعة أطفال، حيث استُغلوا مقابل الطعام أو المال أو ممتلكات أخرى. بعض الضحايا لم تتجاوز أعمارهم 12 عامًا، وتعرضت بعض الفتيات لاعتداءات متكررة من قبل أكثر من 30 جنديًا خلال تلك الفترة.
2007: قامت الأمم المتحدة بإبعاد أربعة جنود من بنغلاديش يعملون ضمن قوات حفظ السلام في جوبا، جنوب السودان، إثر اتهامهم باستغلال أطفال قاصرين جنسيًا. كما وُجهت اتهامات لعناصر بعثة أممية أخرى بالاعتداء الجنسي على قاصرات في ساحل العاج.
2008: صدرت تقارير تفيد بتورط قوات أممية في اعتداءات جنسية ضد أطفال ونساء في كل من ساحل العاج، وجنوب السودان، وهايتي.
2010: وُجهت اتهامات جديدة لـ16 جنديًا أمميًا بارتكاب اعتداءات جنسية بحق قاصرات في ساحل العاج.
2014: ظهرت ادعاءات حول تعرض أطفال في مخيم للنازحين داخليًا في جمهورية إفريقيا الوسطى للاستغلال الجنسي مقابل حصص غذائية عسكرية أو مبالغ نقدية صغيرة، من قِبل أفراد في قوات حفظ السلام الدولية.
2015: وثّق تقرير أممي سنوي تسجيل 69 حالة اعتداء جنسي ارتكبها أفراد قوات حفظ السلام، مقارنة بـ52 حالة في عام 2014، في وسط إفريقيا والكونغو الديمقراطية.
2016: أعلنت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى تلقيها تقارير عن انتهاكات جنسية ارتكبها أفراد وحداتها وموظفون أمميون مدنيون خلال عامي 2014 و2015، مؤكدة أنها ستجري تحقيقات في هذه الوقائع.
وفي العام نفسه، تبنى مجلس الأمن قرارًا يسمح بإعادة وحدات كاملة من قوات حفظ السلام إلى بلادها في حال تورط بعض أفرادها في اعتداءات جنسية.
2021: سحبت الأمم المتحدة نحو 450 جنديًا غابونيًا من قوات حفظ السلام في إفريقيا الوسطى، بعد مزاعم متكررة بشأن تورطهم في اعتداءات واستغلال جنسي، وأعلنت وزارة الدفاع الغابونية أن هذا الإجراء جاء استجابة لتقارير موثقة حول الانتهاكات.
2023: وجهت الأمم المتحدة اتهامات إلى 11 فردًا من قوات حفظ السلام في إفريقيا الوسطى بارتكاب استغلال واعتداءات جنسية، استنادًا إلى أدلة أولية ضد وحدة حفظ السلام التنزانية المنتشرة في غرب البلاد، تضمنت الاتهامات استغلال أربع ضحايا، بينهن قاصرات.
وفي هذا المجال تشير صحيفة التايمز البريطانية الى ان نحو 3300 موظف في الأمم المتحدة صنفوا ك “ مولعين “ بالأطفال واستغلوا وظائفهم لاستغلال أطفال جنسيا حيث تتصل بيئة عمل المنظمات بالفئات الأكثر ضعفا والاقل حماية.
اليمن
وفي غيض من فيض نكتفي بحادثة مشهودة تورط فيها برنامج الغذاء العالمي بذاته ووثقته الصحافة الدولية.
في 2019 م أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن الأمم المتحدة تجري تحقيقا داخليا بعد الكشف عن تورط عدد من موظفيها في الاحتيال وسرقة المساعدات المخصصة للمحتاجين في اليمن.
وذكرت الوكالة، استنادا إلى وثائق تحقيق داخلية للأمم المتحدة وشهادات ثمانية موظفي إغاثة ومسؤولين حكوميين سابقين، أن برنامج الغذاء العالمي يحقّق حاليا في تعيين أشخاص غير مؤهلين لمناصب ذات رواتب عالية وتحويل مئات آلاف الدولارات إلى حساباتهم المصرفية الشخصية والمصادقة على إبرام عشرات العقود المشبوهة دون وثائق مطلوبة، واختفاء أطنان من المواد الطبية والوقود.
كما نقلت “أسوشيتد برس” عن ستة موظفي إغاثة حاليين وسابقين قولهم إن محققين أمميين سبق أن توصلوا في أكتوبر 2018 إلى أدلة دامغة تثبت إجراء مكتب برنامج الغذاء الدولي في اليمن عمليات غير قانونية.
في الخلاصات
تعامل الأمم المتحدة مع التورط الجديد لموظفين فيها بعمليات تجسسة لصالح العدو الإسرائيلي، وردة فعلها برفض الاتهام اليمني، نبع من أجندة سياسية يعزز ذلك وجود أجهزة اتصال تعاملت بها منظمات أممية جرى تهريبها إلى البلد، ما يطرح تساؤل حول حاجة منظمة إلى تهريب أجهزة اتصال وتتبع، واستخدام أجهزة اتصال مزدوجة العمل مادام أن عملها إنساني، أم أن العمل الإنساني ستار قد يخفي وراءه ما هو أخطر، ويتصل بأمن البلد، وهو ملف تمتلك فيه الأمم المتحدة سجلا سيئا في البلدان المناهضة لليبرالية الغربية..