أفرزت وبلورت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة التي جرت في الحادي عشر من شهر نوفمبر الماضي، جملة حقائق مهمة، لعل من بينها-أو ربما أهمها-فوز أكثر من ثمانين مرشحا، ينتمون إلى عناوين سياسية متنوعة، تمثل بشكل أو بآخر تيار المقاومة، وفق التصنيفات والتقسيمات المتعارف عليها في المشهد السياسي العراقي.
حركة عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، حركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي، وكذلك منظمة بدر، وكتل وكيانات أخرى، عرف عنها مواقفها الرافضة للوجود الأمريكي في العراق، والداعمة للقضية الفلسطينية ولحزب الله اللبناني ولحركة أنصار الله اليمنية.
هذه الكيانات نجحت في تحقيق نتائج إيجابية لافتة جدا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، رغم الكثير من التسقيط والتشهير والتشويه الذي تعرضت له من قبل أوساط ومحافل ونخب سياسية وإعلامية من داخل العراق وخارجه، في إطار استهداف مبرمج ومدروس لمجمل قوى وأطراف محور المقاومة.
ولا شك ان في تلك النتائج الإيجابية اللافتة، دلالات عميقة، ينبغي التأشير لها والتوقف عندها، حين نذهب إلى قراءة مخرجات العملية الانتخابية الأخيرة واستشراف آفاقها المستقبلية.
القضية المهمة هنا، تتمثل في أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدت نسبة مشاركة عالية مقارنة بأغلب الانتخابات السابقة، (56.1 %)، ولم تتخللها عمليات تلاعب وتزوير واضحة، أكدت بما لا يقبل الشك والجدل، أن هناك قاعدة جماهيرية واسعة، تؤيد وتدعم وتساند قوى محور المقاومة، وقد ترجم ذلك التأييد والدعم والإسناد، عبر صناديق الاقتراع، ومن خلال ممارسة ديمقراطية سليمة، أشاد بها الأصدقاء، ولم يتمكن الخصوم والأعداء من التشكيك والطعن بنزاهتها وشفافيتها.
ولعل هناك أطرافا راهنت على تراجع وخسارة عناوين محور المقاومة في الانتخابات، في مقابل فوز وصعود القوى المدنية القريبة في توجهاتها ومواقفها ومتبنياتها إلى توجهات ومواقف ومتبنيات أطراف خارجية إقليمية ودولية، بيد ان النتائج جاءت خلاف بعض التمنيات والتوقعات، إذ أن الصعود الكبير لقوى محور المقاومة، رافقه تراجع وانحدار كبير للقوى المدنية، التي لم تفلح في حجز ولو مقعد واحد في البرلمان الجديد بدورته السادسة، رغم التحشيد والضخ الإعلامي، والتعبئة الواسعة لجمهورها.
والقضية الأخرى في إطار دلالات ذلك الصعود، هي أن هناك منجزا وحضورا واقعيا، وفعلا ملموسا على الأرض، استندت عليه قوى محور المقاومة، حينما قررت حضور غمار التنافس الانتخابي، ولم تفلح كل محاولات التشويه والشيطنة والتسقيط من توجيه الكفة لغير صالحها.
فضلا عن ذلك، فإن الخطاب الواضح بخصوص القضايا الوطنية، من قبيل الموقف من الوجود الأمريكي في البلاد، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، والملفات المرتبطة بالحقوق السيادية، والقرب من معاناة واحتياجات فئات اجتماعية مختلفة، ودعم وإسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني في مواجهة الكيان الصهيوني، ساهمت ربما مع قضايا أخرى، في تحفيز وتشجيع أعداد كبيرة من الجماهير العراقية على منح أصواتها لقوى محور المقاومة، علما أن مجمل المؤشرات والتقارير تؤكد أن هذه القوى، كانت الأقل إنفاقا في حملاتها الدعائية الانتخابية، وفي الغالب لم يسجل عليها أنها تورطت بشراء أصوات أو تقديم مغريات مادية للناخبين.
وطبيعي أن مخرجات ونتائج العملية الانتخابية، لا بد أن تترتب عليها انعكاسات وتأثيرات سياسية وغير سياسيا ذات أهمية كبيرة.
وبما أن مهمة البرلمان، تتمثل بتشريع القوانين والرقابة على مؤسسات الدولة التنفيذية، فهذا يعني أن الثقل البرلماني لقوى محور المقاومة، سيكون له تأثير في تشريع القوانين التي تتعلق بالجوانب الخدمية، كقانون الحشد الشعبي، وتعديل سلم الرواتب، وقانون النفط والغاز. ومحاربة الفساد، وترسيخ سلطة القانون والنظام، واستعادة السيادة الوطنية الكاملة. فضلا عن ذلك فإنه من المؤمل أن يكون لذلك الثقل البرلماني دور محوري في تعزيز الجانب الرقابي على الأداء الحكومي، وبالتالي فتح الكثير من ملفات الفساد المالي والإداري، وتشخيص مواطن الخلل والضعف والانحراف، من خلال تفعيل آلية استضافة واستجواب كبار المسؤولين من وزراء ورؤساء هيئات مستقلة وغيرهم.
