لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر مجرد صرخة سياسية في وجه الفساد والتبعية، بل كانت ولادة جديدة لليمن في وجدان شعبه. جاءت لتعيد للإنسان اليمني ثقته بنفسه، ولتضعه في قلب مشروع وطني يقوم على الكرامة والسيادة والتنمية المستقلة.
المحويت/ خاص
بعد عقود طويلة من الارتهان للخارج، حيث رُهنت التنمية بالقروض المشروطة والمنح المقرونة بالوصاية، تغيّر المشهد فجأة مع إشراقة فجر الحادي والعشرين من سبتمبر. عاد الاعتبار للأرض والإنسان، وصار شعار الاعتماد على الذات حقيقةً حية في الحقول والمصانع والأسواق.
الزراعة… سيادة تُزرع بالقمح
في القرى والوديان ارتفع صوت الأرض من جديد، فعاد الفلاح إلى حقله وهو يضع البذور في التراب كما لو كان يزرع حلماً جديداً. أدرك أن القمح الذي يزرعه ليس مجرد غذاء، بل رمز للسيادة ودرس في الحرية.
بمجرفته البسيطة حمل ثورة كاملة، إذ لم يعد الخبز المستورد سيد المائدة، بل رغيفاً من عرق جبينه. إلى جواره يقف ابنه الصغير يرش الماء على الشتلات، يتعلم درس الوطنية من بين السنابل أكثر مما يتعلمه في الكتب، بينما زوجته تعجن الخبز من نتاج زرعه، لتكتمل حلقة الاكتفاء الذاتي في بيت صغير يعكس صورة وطن كبير.
شباب يصنعون التنمية بأيديهم
وفي المدن، لم يعد الشباب أسرى البطالة ولا ضحايا الهجرة. صاروا فرساناً للتنمية:
أحدهم حوّل سطح منزله إلى مختبر للطاقة الشمسية يضيء به بيت جاره.
آخر افتتح ورشة لصيانة مضخات المياه فأعاد الحياة لحقول عطشى.
فتيات يدِرن معامل صغيرة لإنتاج الأجبان والعسل، ينافسن بجودته المستورد.
لقد صارت التنمية لديهم أفعالاً تُرى في الشوارع والبيوت، لا شعارات تُكتب في التقارير.
المرأة الريفية… من ظل إلى شمس
المرأة الريفية وجدت في ثورة 21 سبتمبر باباً واسعاً لتكون شريكة كاملة. اليوم تدير مشاريع صغيرة، تزرع الخضروات، تربي الدواجن وتسوق منتجاتها. لم تعد مجرد مساندة للرجل، بل فاعلاً أساسياً في معركة التنمية.
لقد تحولت من عنصر صامت إلى شمس ساطعة في سماء القرية، ومن هامش إلى ركيزة اقتصادية تحفظ كرامة أسرتها وتبني مستقبلها.
الطالب اليمني… علم يُزرع وحلم يُثمر
في قلب المشهد، يقف الطالب اليمني في مدرسته يقرأ عن العلوم الزراعية والطاقة البديلة، ويحلم بأن يصبح مهندساً يبني وطنه. يرى في ثورته مستقبلاً مختلفاً، حيث التعليم ليس ترفاً بل سلاح للتحرر ومفتاحاً للتنمية.
يعود إلى قريته في العطلة ليساعد والده في الحقل أو يشارك أصدقاءه في تركيب منظومة طاقة شمسية، فيمزج بين العلم والعمل وبين الحلم والواقع.
من رحم التحديات تولد الفرص
رغم الحرب والحصار، فإن روح ثورة 21 سبتمبر جعلت من التحديات فرصاً:
الحصار الذي منع القمح المستورد أيقظ الحقول النائمة.
انقطاع الكهرباء أشعل الألواح الشمسية على أسطح البيوت.
ارتفاع الأسعار دفع الناس إلى التصنيع المحلي والبحث عن بدائل وطنية.
لقد علّمت الثورة اليمنيين أن الكرامة لا تُشترى بالمال، بل تُصنع بالإرادة.
جمعية الخبت التعاونية… نموذج للمجتمع المنتج
من أبرز النماذج التي تجسد روح الثورة جمعية مديرية الخبت التعاونية الزراعية، التي تحولت إلى منصة تنموية رائدة تخدم آلاف الأسر.
الجمعية لم تكتفِ بإقراض المدخلات الزراعية وتنظيم جهود المزارعين، بل أصبحت شريكاً مباشراً في زراعة مساحات واسعة من الذرة والبقوليات. عملت على تسويق المنتجات محلياً، وإنشاء وحدات إنتاجية صغيرة للدواجن والعسل والصحة الحيوانية. كما أدخلت الطاقة الشمسية إلى عدد من المزارع، وقدمت برامج تدريبية للشباب لتأهيلهم في إدارة المشاريع الإنتاجية.
إنها صورة حية لكيف يمكن للمجتمع أن يقود التنمية بنفسه، وأن يصنع المعجزات إذا ما توافرت الإرادة.
ثورة وعي وكرامة
إن ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد شعارات تُرفع في الساحات، بل واقع يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم:
الفلاح الذي يزرع بعرقه.
المرأة التي تنتج بيديها.
الشاب الذي يبادر بذكائه.
الطالب الذي يتعلم بحلمه.
هي ثورة أخرجت التنمية من القاعات المغلقة إلى الحقول والشوارع والبيوت، وجعلتها جزءاً من الحياة اليومية للمجتمع.
إنها ثورة وعي قبل أن تكون ثورة بندقية، ثورة عرق قبل أن تكون ثورة هتاف، ثورة حياة في مواجهة الموت، وأمل في وجه اليأس.
رسالة خالدة للأجيال
- سيبقى الحادي والعشرون من سبتمبر محفوراً في ذاكرة اليمنيين، لا لأنه غيّر معادلات السياسة وحدها، بل لأنه أطلق ثورة داخلية في العقول والقلوب. ثورة جعلت الناس يدركون أن التنمية ليست منحة تُعطى، بل حق يُنتزع، وأن الوطن لا يبنى بالشعارات، بل بالأرض المزروعة، واليد العاملة، والعقل المبدع، والقلب المؤمن بالكرامة والسيادة.
عن قيادة جمعية الخبت التعاونية
م. محمد عبده عباس -رئيس جمعية الخبت التعاونية الزراعية