الثورةُ تحَرُّكٌ شعبي عفوي غير منظَّم يهدفُ إلى التغيير الشامل لحياة المجتمع في مختلف جوانبها، والمقصود أن الثورة تحَرّك شعبي غير منظمٍ أنّه لا يسبق التحَرّك الثوري إنفاقٌ على أن يشغل منصبَ الرئاسةِ فلانٌ من الناس ومنصبَ وزارة الدفاعِ ومنصبَ وزارة الداخلية كذلك؛ فهدف التحَرّك المنشود هو التغييرُ الجذري دون تفكيرٍ مسبقٍ في إسناد مناصب السلطة العامة في مختلف مستوياتها، أَو طموحٍ من جانب الثوار لشغلها.
والأصلُ في التحَرّك الثوري أن تلتقي أفكار وأهداف القوى الثورية على اختلاف توجّـهاتها عند نقطةٍ واحدةٍ وهي تغيير أوضاع المجتمع في مختلف جوانبها، وَإذَا ما تمت عملية التغيير بإسقاط قوى الفساد والانحطاط، تبدأ عقب ذلك الترتيباتُ الاستثنائية لإدارة شؤون البلد خلال المرحلة الانتقالية تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الدائمة، التي تتحدّد فيها ترتيبات إدارة شؤون البلد وآليات شغل مناصب السلطة العامة.
ويختلف دورُ القوى الثورية خلال مرحلة التحَرّك الثوري، ففي الوقت الذي تأخذ فيه بعضُها زمامَ المبادرةِ، ويكون لها الصدارة في المشهد الثوري، قد تدفع ثمنًا باهظًا في حال فشل التحَرّك الثوري؛ إذ ستعامل السلطة قادةَ التحَرّك بوصفهم مجرمين ويتعرضون لأقسى العقوبات، وتتعرض الثورة والثوار لأعمال القمعِ والتنكيل من جانب الممسكين بمناصب السلطة العامة، وتظل التضحيات التي قدمها المبادرون مشعلًا ثوريًّا ينير دربَ الثورة نحو التغيير.
وإذا ما كتبَ للتحَرّك الثوري النجاحُ فَــإنَّ القوى الثورية صاحبة المبادرة والإقدام والصدارة لا تنفرد بمهمة الترتيبات الاستثنائية للسلطة العامة بمختلف مستوياتها، بل تشاركها في ذلك جميعُ القوى الثورية التي رفعت منذ البداية شعارَ التغيير، وإن لم تكن في صدارة التحَرّك الثوري الذي تتوج بالوصول إلى هدفه المعلن وهو التغيير الشامل لمختلف جوانب حياة المجتمع.
والتحَرّكات الثورية الشعبيّة ظواهر اجتماعية عامة تجسّد حالةَ عدم الرضى الشعبي عن الأوضاع القائمة في المجتمع وتهدف إلى تغييرها ومحاسبة المتسبّبين فيها، وكلما كان التحَرّك الثوري الشعبي وطنيًّا خالصًا استفادت الثورة من جميع الخبرات والكفاءات لخدمة أهداف الثورة حتى وإن كانوا ممن شغلوا مناصبَ عامةٍ في عهد ما قبل الثورة، طالما التزموا قولًا وعملًا بنهج الثورة وقيمها.
أما الانقلاب فهو تحَرّك منظّم لمجموعةٍ منظمة من داخل السلطة، وغالبًا ما تكون من الضباط العسكريين والأمنيين، والمقصود بأن الانقلاب تحَرّك منظّمٌ أن يسبق هذا التحَرّك اتّفاق على توزيع مناصب السلطة العامة في مستوياتها العليا بين المجموعة الانقلابية، بحيث يتم إسناد منصبَ الرئاسة وغيرها من المناصب العليا خُصُوصًا العسكرية والأمنية إلى أشخاص محدّدين بشكلٍ مسبقٍ ومنسق.
وبذلك يختلف هدفُ الانقلاب عن هدف الثورة، فهدف الانقلاب يتجسّد في إزاحة الممسكين بالسلطة والحلول محلّهم، دون أن يكون ضمن أهداف المجموعة الانقلابية التغيير الشامل لمختلف جوانب حياة المجتمع؛ باعتبَار ذلك هدفًا حصريًّا للتحَرّكات الثورية الشعبيّة.
والأصلُ إذَا ما فشل الانقلاب تعاملَت المجموعة الانقلابية معاملةَ المجرمين وتتعرض لأقسى العقوبات من جانب الممسكين بمناصب السلطة العامة دون أن تمتدّ تلك العقوبات لغير المجموعة الانقلابية، العسكرية والأمنية، وفي حال نجاح الانقلاب يتولى الانقلابيون مقاليدَ السلطة العامة وفقًا للتوزيع المسبق لمناصبها بين أفراد المجموعة الانقلابية.
وليس شرطًا أن يترتب على نجاح الانقلاب تحسّنُ أحوال المجتمع في مختلف جوانبها، بل قد تتدهور الأوضاع بشكل أخطر وتتجه نحو الأسوأ، وقد ينتج عن الانقلاب وتردّي أوضاع المجتمع في مختلف جوانبها تحَرّك شعبي ثوري ضد المجموعة الانقلابية هدفه التغيير الشامل وليس مُجَـرّد إزاحة الممسكين بالسلطة عنها والحلول محلّهم فيها.
والانقلابات العسكرية تحَرّكات سلطوية هدفها الأَسَاسي حيازةُ السلطة العامة بعد إزاحة الممسكين بها، وقد يكون الانقلاب بحدّ ذاته وسلوك المجموعة الانقلابية سببًا لتحَرُّك انقلابي آخر، وقد يكون فسادُ المجموعات الانقلابية وفشلها في إدارة مؤسّسات الدولة، وتوفير الاحتياجات العامة للمجتمع سببًا للتحَرّكات الشعبيّة الثورية الهادفة للتغيير الشامل.
ويجب عدمُ الخلط بين التحَرّكات الشعبيّة الثورية وأهدافها العامة، وبين تحَرّكات المجموعات الانقلابية وأهدافها السلطوية الضيقة؛ فمن المعيب أن يوصف التحَرّك الشعبي الثوري بالانقلاب، ويوصف التحَرّك السلطوي الانقلابي بالثورة، ذلك أن خطوط التمييز بينهما على درجةٍ عاليةٍ من الوضوح، ولا يشوبها لبسٌ أَو غموض!
وإذا ما أردنا التوصيف الموضوعي المنطقي لجميع التحَرّكات -قديمها وحديثها- للتمييز بين ما يعدُّ منها تحَرّكاتٍ شعبيّة ثوريةً وما يعدُّ منها انقلاباتٍ سلطوية، فيجب النظر بتمعّن إلى حال كُـلّ تحَرّك وحجمه وأهدافه، وما إذَا كان علنيًّا أَو سريًّا.
فإذا ما كان التحَرّك واسعًا شاملًا أطيافا متعددةً، وكان معلنًا، ومن خارج السلطة العامة، وأهدافه شاملةً جميع جوانب حياة المجتمع كان التحَرّك ثوريًّا شعبيًّا.
أما إذَا كان حجمُ التحَرّك محدودًا ومحدَّدًا في مجموعة محدّدة من داخل السلطة العامة -عسكريةً وأمنيةً- وكان هذا التحَرّك سريًّا ومفاجئًا، وأهدافه مقتصرةً على إزاحة الممسك بالسلطة العامة عنها والحلول محله فيها، كان التحَرّك انقلابيًّا يوصف بهذا الوصف لكونه حدثًا داخليًّا من داخل السلطة العامة ذاتها.
ومع أن تحَرّك الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 2014م في بلادنا تحَرّك واضحٌ ومحدّد من حَيثُ حجمه ومنطلقه وعلانيته وأهدافه؛ ما يجعله تحَرّكًا شعبيًّا مجسّدًا لثورةٍ شعبيّة خالصة، لكن رغم ذلك دأبت القوى الظلامية والضلالية على وصف ذلك التحَرّك بأنه انقلاب!
ولو كان تحَرّك الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 2014م تحَرُّكًا انقلابيًّا لما حدث أي تغيير في الموقف من القوى الاستعمارية الغربية والكيان الصهيوني، ولو لم يكن تحَرّك الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 2014م الموصوف حقًّا وصدقًا بأنه ثورةٌ شعبيّة خالصة، لَمَا تميّز الشعب اليمني بهذا الموقف المتميّز عن سائرِ الشعوب العربية وعن سائرِ الشعوب الإسلامية وعن سائر شعوب العالم.
والواضح أن الأنظمة العربية التي حدثت فيها انقلاباتٌ عسكرية متقاربة أَو متزامنة مع ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الشعبيّة الخالصة سنة 2014م -كما هو حالُ الانقلاب العسكري في مصر- لم تحدث أي تغيير يذكر في موقف النظام المصري من الكيان الصهيوني، والجميع يشهد موقف النظام المصري الانقلابي من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وموقف النظام الثوري في اليمن رغم الفارق الكبير في الإمْكَانات، ورغم التباعد الجغرافي بين قطاع غزة واليمن وبين القطاع ومصر.