الجوع يفتك بأبناء غزة والعالم يكتفي بالمشاهدة والصمت
أجساد تتساقط كأوراق الخريف وكل ساعة تمر تنطفئ روح
صحفيون وأطباء يتضورون جوعا وشهادات صادمة تكشف حجم المأساة
الثورة / افتكار القاضي
أضحت سياسة التجويع الممنهج واقعا قاتلا في غزة وخصوصا لدى الأطفال، في ظل إبادة جماعية وحصار محكم على القطاع، حيث لا غذاء ولا دواء ولا ماء، وبات الناس يتساقطون في الشوارع والطرقات من شدة الجوع تحت مرأى ومسمع من العالم الذي يقف متفرجا وصامتا وفاقدا للأخلاق والإنسانية
تتساقط أجساد أبناء غزة يوميا من شدة الجوع، كأوراق الخريف، إذ يتوقف نبض غزي مع كل ساعة تمر وتنطفئ روح أخرى بسبب سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال سلاحا في حربه المستمرة على غزة، في حين يعلو نحيب الأمهات على شهداء لم يسقطوا في ساحات القتال، بل خذلتهم لقمة العيش حينما أضحى التجويع مقصلة العصر.، وتحولت مراكز المساعدات الأمريكية الصهيونية الشحيحة جنوب ووسط غزة إلى ساحات لإعدام الجائعين .
ويلتحق يوميا بقائمة القتل في غزة رضيع أو طفل أو امرأة أو رجل افترسه ألم الأمعاء الخاوية، فلم يعد الجوع خبرا يُروى، وحديثا يتلى، بل مشاهد يومية في كل أرجاء قطاع غزة المدمر.
وسجلت مستشفيات غزة أمس 7 وفيات في القطاع -بينها أربعة أطفال- بسبب سوء التغذية والجفاف، في ظل تزايد التحذيرات من موت جماعي جراء الجوع والعطش بالقطاع المحاصر.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة تسجيل 19 حالة وفاة خلال 24 ساعة بسبب اشتداد أزمة المجاعة في القطاع، مع نفاد مخزونات الطعام لدى غالبية الغزيين، وكذلك توقف جميع المؤسسات التي كانت تقدم مساعدات غذائية.
مشاهد مؤلمة وشهادات صادمة
مشاهد مؤلمة وشهادات مريرة ومروعة، تعتصر القلب توثقها الكاميرات وتنقلها وسائل الإعلام للجائعين في غزة، ولمن قضى جوعا .. فهذا أب جائع يحمل رضيعا جائعا لم يدخل الفتات أمعاءه منذ يومين، ويصل إلى مستشفى يغصّ بالمجوعين، يستقبله طبيب جائع، يخجل أن يقول للأب الجائع، إنه هو أيضا يموت جوعا.
ويوثّق ناشطون وصحفيون فلسطينيون من قلب غزة مشاهد الألم اليومية التي يعيشها السكان تحت الحصار.
مراسل الجزيرة نقل مشهدا مروعا على الهواء لسقوط سيدة على الأرض أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة، بسبب شدة الجوع، وهي حالة تتكرر في مختلف شوارع ومخيمات وأزقة غزة .
شهادات مفجعة يوريها غزيون على صفحاتهم عبر منصات التواصل الاجتماع تكشف حجم الكارثة “التي تتجاوز حدود الصمت الدولي.
الطفلة رزان أبو زاهر البالغة من العمر 4 سنوات توفيت نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص أغذية الأطفال في غزة، ورزان هي واحدة من مئات الأطفال في قطاع غزة الذين يموتون جوعا جراء سوء التغذية .
وأوردت تقارير ميدانية قصصا مفجعة عن رضّع فقدوا حياتهم بعد أيام من تناولهم مشروبات عشبية فقط، في ظل فقدان الحليب الصناعي وانعدام المواد الغذائية الأساسية للأمهات المرضعات.
ويروي حمزة مصطفى أبو توهة تفاصيل واقعه المرير أثناء انتظاره لاستلام الطحين في طابور طويل امتد لأكثر من عشرة آلاف شخص.
يقول إنه لم يحزن بسبب طول الانتظار أو عدد الأشخاص، بل تأثر بشدة عندما رأى والده يقف خلفه بثلاثمئة رجل فقط، وقد أنهك التعب قدميه حتى اضطر للجلوس على “تراب الأرض الملتهب”.
من جانبه يقول رجب حسين الخالدي في منشور على فيسبوك، إن الجوع في غزة تجاوز كل ما يمكن تخيله، مؤكداً أن “الجوع هناك ليس تأخر وجبة ولا غياب صنف عن المائدة، بل حرمان قاسٍ ينهش أجساد الأطفال والنساء والشيوخ”.
ويفجّر الصحفي الفلسطيني يوسف شرف على منصة إكس غضبه وحزنه تجاه ما يعيشه سكان قطاع غزة من ظروف إنسانية قاسية، في ظل الحصار والجوع المتفاقم.
ويتساءل شرف، الذي فقد في الحرب 37 شخصاً من عائلته، بمن فيهم زوجته وأطفاله”: “أي ذنب ارتكبته غزة، لتُحاصر حتى في رغيف الخبز؟ أي ضميرٍ هذا الذي يرى الوجع في ملامح الأطفال ولا يرتجف؟”.
مراسلون ببطون خاوية
ولم يعد الأمر يقتصر على سكان غزة المحاصرين والمنهكين والمعدمين، بل تسلل الجوع حتى إلى بطون مراسلي وسائل الإعلام وعائلاتهم بعد أن عجز الكثيرين منهم في الحصول على غذاء لهم ولعوائلهم
ففي منشور شكّل صدمة كبيرة لمتابعيه، كشف المراسل والصحفي غازي العالول عن فقدانه 20 كيلوغراماً من وزنه خلال ثلاثة أشهر من المجاعة المتفشية في قطاع غزة، مؤكداً أن الجوع لا يسكن الأجساد فقط، بل “يضرب في النفوس والضمائر والأمل”.
ورغم المعاناة، شدّد العالول على تمسكه بالقيم والأخلاق التي تربّى عليها، متسائلاً: “إذا ما استمر هذا الحال، كيف سنحفظ ضمائرنا وأملنا أمام بكاء أطفالنا الجوعى؟”.
بدوره، أكد مراسل الجزيرة رامي أبو طعيمة أنه وزملاءه يرجفون بسبب الجوع، بعدما كانوا ينقلون رسائل الغزيين المكلومين من حرب الإبادة الإسرائيلية المدمرة.
الصحفي أشرف أبو عمرة أكد على الهواء أن أبناءه اتصلوا به ليخبروه بأن البيت يخلو من أي طعام أو كسرة خبز، مشيرا في الوقت ذاته إلى معاناة الأهالي وخاصة الآباء في البحث عن أرغفة الخبز لسد رمق أطفالهم.
وفي هذا السياق حذرت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) من أن مراسليها المستقلين في قطاع غزة باتوا يواجهون خطر الموت جوعاً، بسبب الظروف المعيشية القاسية التي تتفاقم يومًا بعد يوم وسط استمرار الحصار وانهيار الخدمات الأساسية.
وقالت الوكالة في بيان أمس : إن فريقها في غزة يضم كاتب نصوص واحد، وثلاثة مصورين، وستة مصوري فيديو مستقلين، وهم من بين القلة القليلة التي لا تزال تغطي الأحداث من داخل القطاع منذ منع دخول الصحافة الدولية قبل نحو عام ونصف.
وأضاف البيان: “نرفض أن نشاهدهم يموتون”، مشيرةً إلى أن بعضهم لم يعد يمتلك القدرة الجسدية على الحركة لتغطية الأحداث، فيما تنهار صحتهم بشكل متسارع.
مليون طفل يواجهون الجوع
وفي إشارة إلى حجم الكارثة وخطورتها، أطلقت سيارات الإسعاف في مختلف مناطق قطاع غزة ومستشفياتها صفاراتها في وقت متزامن امس لعل العالم يرى ما يجري في غزة من إبادة وتجويع.
وقالت وزارة الصحة في القطاع إن إطلاق الصفارات بالقطاع، هو نداء استغاثة وتحذير من تفاقم المجاعة وتدهور الوضع الصحي، بسبب سياسة التجويع التي يتبعها الاحتلال.
وأكدت الوزارة استشهاد أكثر من 900 فلسطيني -بينهم 76 طفلا- بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى 6 آلاف مصاب من الباحثين عن لقمة العيش منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.
وتشير بيانات أممية حديثة إلى أن أكثر من مليون طفل في غزة يواجهون خطر الجوع، وسط تحذيرات من تفشي سوء التغذية الحاد بوتيرة متسارعة وغير مسبوقة، وفشلت جميع النداءات والتحذيرات من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية لإنقاذ أطفال غزة في ظل التعنت الصهيوني ورفضه التام والمتعمد لإدخال الدواء والغذاء الضروري بهدف قتل من نجا من الإبادة الجماعية والقصف اليومي – عطشا وجوعا .
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن الجوع بات “واقعا مروّعا” يهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال، مشيرة إلى أن أكثر من 70 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد
وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن ثلث سكان القطاع لم يتمكنوا من تناول الطعام لأيام متتالية، بينما يعيش ربعهم في ظروف تُشبه المجاعة، الأمر الذي يزيد من هشاشة الوضع الصحي والنفسي للأطفال ويدفعهم إلى حافة الخطر.
نداءات وتحذيرات
من جهتها، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن الأزمة مرشحة للتفاقم السريع ما لم يُسمح بإدخال المساعدات الغذائية والعلاجية بشكل عاجل.
وأكدت أن أكثر من 100 ألف طفل وحامل في غزة يعانون من مستويات حرجة من سوء التغذية، وذلك يجعل حياتهم في خطر دائم.
وبينما تتوالى صور الأطفال الذين فقدوا أوزانهم، أو لفظوا أنفاسهم الأخيرة بين أذرع أمهاتهم، تظل أصوات الجوع في غزة أقوى من الصمت الدولي وأشد قسوة من أي خطاب.
وفي ظل غياب حل سياسي أو تدخل دولي فاعل، تستمر معاناة أهالي غزة في التفاقم، بينما العالم يكتفي بالمشاهدة والصمت أو بإطلاق النداءات التي تنقذ طفلا واحدا حتى الآن.