مراقبون: بناء الدولة المدنية الحديثة حلم تشتت بعد الوحدة
الدكتور المقالح: الخلافات الجانبية بين القوى السياسية ظلت تخلق حالة من الانكسار والانقسام
استطلاع/ أمل عبده الجندي
طبقا للأدبيات السياسية تتكون الدولة من ثلاثة عناصر رئيسية هي: “الشعب والإقليم والسلطة السياسية” وأي اعتداء على أي من هذه الثلاث المكونات يعتبر اعتداء على السيادة الوطنية بالكامل وبالنسبة لليمنيين ظلوا ولا زالوا يحلمون بدولة مدنية ترتكز على تلك المقومات بشكل حقيقي وحتى مع وجود هذه المقومات يتسلل الفشل أحيانا كثيرة إلى صميم مشروع الدولة المدنية الحديثة والسؤال لماذا تعتبر محاولات إنجاح مشروع الدولة المدنية مجرد أمل.. نتابع:
الدكتور حسين علي ناصر الوشلي -عضو الدائرة القانونية بمركز الدراسات والبحوث اليمني- يقول إن الأسباب الأساسية التي كان لها دور في الوصول إلى حالة من التباين في مسألة الوحدة اليمنية هو عدم إدراك اليمنيين لحقيقة العناصر الأساسية في الجانب السياسي والتي نظمها القرآن الكريم في سورة النمل ليبين لنا ما هو الفرق ما بين إقامة الدولة المدنية والدولة الدكتاتورية الاستبدادية لأن للاستبداد عنصرين أولهما هو إنفراد الحاكم باتخاذ القرار والثاني هو تسخيره لعنصر القوة من أجل تنفيذ هذا القرار.
وتابع: لو تأملنا في الآيات الكريمة في سورة النمل في قوله تعالى “يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون” وهنا يأتي السجال ما بين دور القوات المسلحة والانفراد بالرأي ثم قال تعالى “قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأسُ شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين” وذلك يعني إدراكها لعنصر القوة وتحوله إلى طغيان واستبداد ثم قال تعالى “قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون” ولو تأملنا إلى اختتام الآية بالفعل المضارع وكذلك يفعلون بمعنى أنها لو توفرت للحاكم عناصر الاستبداد سينقلب إلى طاغية ومستبد يهلك الحرث والنسل ويسعى في الأرض فسادا.
وأضاف بالقول: إذا تأملنا دستور دولة الوحدة فسنجد أن قيام الوحدة اتكأ على موضوع الشورى بإقامة مجلس استشاري مكون من خمسة وأربعين شخصية من عقلاء اليمن وعندما انتقلنا إلى التعديلات الدستورية أْلغي مجلس الرئاسة وأصبح منصبا لشخص واحد وكذلك في الدستور والقوانين سنجد أن مجلس الشورى لا يمارس اختصاصات حق الاعتراض والرقابة على الحاكم وإنما كل مهامه تدور حول إبداء الرأي والاقتراح بالإضافة إلى أن أعضاء مجلس الشورى في الأساس قد تم تعيينهم من قبل الحاكم وهذا يخالف الطبيعة القانونية للرقابة.
لكنه يرى “أن كل أمر يمس المصلحة العليا للبلاد ويمس مصير أبناء الوطن لابد أن يستند إلى تفويض متجدد من قبل ممثلين عن أبناء الأمة ولا أعني هنا مجلس النواب كون مجلس النواب الآن في الرسم الديمقراطي في دول العالم كله أصبح يمثل كتلا حزبية تتصارع فيما بينها لتحقيق مصالحها الحزبية ليس إلا وهذه الكتل هي المرآة التي تعكس من سيحظى بالسلطة فيما بعد وبالتالي أصبح عندنا خلل في الجمع ما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في آن واحد في وقت لم يتحقق فيه مبدأ الفصل بين السلطات.
إن حرب 94 وما سبقها من حروبات هو انعكاس لما سبق من إغفال مبدأ الشورى وتطبيق العدالة كون فرض القوة أصبحت هي السائدة سواء قوة المال أو السلاح بدليل أننا نلمح ونرى حاليا شخصيات في مجلس النواب لا تملك أي ثقافة سوى ثقافة القوة والمال وانعكاسا على ذلك فقد طغت القوة على الجنوب بشكل غير إنساني وهذا ما جعلنا نتقدم إلى الأمام شكليا ولكننا نتأخر إلى الخلف موضوعيا”.
تحديات وعوائق
الدكتور محمد عبدالله الحميري -خبير اقتصادي ومحلل سياسي- يقول: إن الوصول لبناء دولة مدنية حديثة ينبغي أن ينظر إليه كهدف وغاية أسمى تمثل تتويجا طبيعيا لكفاح وطموح كل يمني منذ انبلاج ثورتي 26 سبتمبر عام 1962 و14 أكتوبر 1963 وقد جاءت خطوة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو لتمثل أهم ركيزة أساسية في سبيل تحقيق هذا الحلم الكبير لكن علينا أن نكون منصفين حين نقول أن دولة ونظام ما بعد الوحدة لم يكن نظاما وافدا على البلد من خارجها بل كان إفرازا طبيعيا للواقع الذي يعيشه كل أبناء اليمن الذين كانوا يحملون طموحات الشعب وأمنياته في الوصول للدولة اليمنية القوية والقادرة على بناء وترسيخ دولة النظام والقانون والحرية والعدالة الاجتماعية التي تمثل أهم ملامح ومرتكزات الدولة المدنية.
إلا أنهم كانوا أيضا يحملون معهم كما هائلا من التحديات والعوائق والتي تتمثل في مظاهر الضعف والتخلف والقصور والآلام والأوجاع التي كانت تسود المجتمع بكل فئاته قبل الوحدة وبالتالي فإن عملية إزالة كل تلك التحديات والعوائق والترسبات الماضوية لم تكن بالمسألة السهلة ولا بالتحديات البسيطة التي يسهل تجاوزها على الصعيد الداخلي الذي مر بجملة من التغييرات التي أثرت فيها أحداث الداخل في فترة ما قبل الوحدة وأحداث الخارج التي أعقبت الوحدة على المستوى الإقليمي والعربي والدولي وكان لها كبير الأثر في قيادة التحولات والجهود اليمنية الرامية إلى تحقيق تطلعات الشعب في الوصول لدولة النظام والقانون.
مؤامرات داخلية وخارجية
وعند هذه النقطة يرى الحميري أن التحدي الأكبر قبل ذلك كان يتمثل في ترسيخ دولة الوحدة التي تمثل أهم أسس بناء الدولة اليمنية المستقرة والآمنة والتي واجهتها كثير من التحديات والظروف المعاكسة والمؤامرات الخارجية والداخلية إلى جانب إيقاعات وتأثيرات الموروث الثقيل من الصراعات الداخلية المتواصلة خاصة تلك التي عبرت عن شهية كثير من رموز وقيادات المجتمع في تقاسم مغانم السلطة التي أعاقت بدون شك مساعي النظام الرامية لترسيخ وتثبيت مكتسبات الشعب في الوحدة والديمقراطية والحرية وإذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار سندرك الأسباب التي حالت دون نجاح نظام ما بعد الوحدة في تحقيق حلم اليمانيين في الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة.
وتابع بالقول: وحين نقول ذلك فلا نريد التبرير لأخطاء النظام وكل مكوناته السياسية في السلطة والمعارضة ولكني أريد أن ألفت الانتباه إلى أن المرحلة التالية لن تتمكن من تحقيق أحلامنا في بناء الدولة المدنية الحديثة ما لم تضع برنامجا خاصا لتجاوز كل تلك الآثار والتبعات والأسباب الذاتية والموضوعية التي تسببت في إخفاق النظام السابق في تحقيق بناء الدولة المستقرة والقوية والموحدة وقال: لهذا عليهم أن يبنوا على القدر الذي تحقق من المكتسبات في هذا الإطار والعمل ككتلة واحدة موحدة على تسريع وتائر البناء والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل ما تحظى به اليمن اليوم ونظامها السياسي من دعم شعبي محلي ومن تأييد خارجي لوحدة اليمن واستقراره وتنميته وما سيتمخض عن المؤتمر الوطني للحوار من مخرجات في مختلف محاوره باعتبارها الأرضية الصلبة والأساس المتين للمضي قدما نحو بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة وهو هدف باتت كثير من أسباب وموجبات تحقيقه متوفرة وممكنة.
الأسباب عديدة
وحول الأسباب التي أعاقت مشروع الدولة الحديثة يقول حسين غمضان –كاتب في القضايا السياسية: هناك أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية ومنها ما هو متعلق بتطلعات النظام نفسه وعدم توفر القوى الاجتماعية التي ينبغي أن يكون لها مصلحة موضوعية تؤمن بالشراكة وبالمنافسة المشروعة وبالمساواة في كافة المجالات وقال: لا يوجد توزيع متبادل للمصالح والمنافع الاجتماعية ونحن نعتبر حتى الآن مجتمعا تراتبيا لا زالت فيه السيطرة للقوة من قبل جماعات يقدم لهم الدعم من قبل الدولة وهذا ما دمر حلم اليمنيين في بناء الدولة المدنية الحديثة وستظل هذه القوة تشكل خطرا على الوحدة وعلى عملية التنمية لأن مصالحهم تتعارض مع الوحدة تماماٍ.
وأضاف بالقول: ما لم تتمكن المكونات الاجتماعية من استيعاب متطلبات العصر فهناك قوانين موضوعية للتطور وعدم إدراكها والتصرف عكسها يعتبر هو كارثة على البلاد وعلى المواطن والمشكلة تكمن في أن من يمتلك القوة والسلاح لا يقبل أن يعيش كمواطن عادي يحتكم للقضاء بعيدا عن استثمار العصبيات المناطقية التي خلقت العديد من المشاكل وأعاقت تحقيق الدولة المدنية التي يريدها الشعب اليمني.
تجاهل المستقبل
الدكتور عبد العزيز المقالح -رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني- أشار إلى أن هناك عوامل كثيرة تسببت في الإخفاقات التي شهدها الوطن وفي مقدمتها الخلافات الجانبية التي تطورت إلى خلافات شديدة خلقت حالة من الانكسار والتنازع أدت إلى حرب 94 وما تلاها من مشكلات وكل تلك العوامل تسببت في هذه الإخفاقات لكن الوطن يبقى في كل الحالات قادرا على تجاوز كل الإخفاقات وتصحيح المسار الصحيح للوحدة القائمة على المواطنة المتساوية واحترام النظام والقانون ومشاركة كل اليمنيين في صناعة حاضرها ومستقبلها كونه لم يعد هناك من الوقت ما يدعو للحديث عن الماضي سواء كان قريبا أو بعيدا وليتجه الجميع نحو المستقبل.
وقال: كفى أحاديث ومناقشات ومهاترات ومنازعات وانقسامات فالشعب يعاني من كثير من المشاكل بسبب تجاهل المستقبل والوقوف عند الحديث المتواصل والمتكرر حول الإخفاقات التي واجهت البلد ليس من بعد الوحدة فحسب بل من بعد الثورة العظيمة سبتمبر وأكتوبر.
الهروب من المشاكل
الدكتور محمد سعيد الكامل -باحث اجتماعي- ينظر إلى فشل الدولة المدنية من زاوية المهددات التي تهدد الوحدة يقول: الوحدة تحققت من خلال عوامل خارجية ضغطت على النظامين السياسيين لافتقادهم لقضية التكامل اقتصاديا وهروبهم من المشاكل وتآكل شرعيتهم سواء في الشمال أو في الجنوب إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية ساعدت في تحقيق الوحدة.
لكن عندما تحققت الوحدة كإعلان رسمي لم تتحقق وحدة حقيقية اندماجية بالفعل ولم يكن هناك خطوات وإنما اتخذت بقرارين فرديين وهذا يسمى في علوم السياسة اختيار عقلاني للحكام بني على الغلبة والقهر والقوة بما يتلاءم مع ممارسة إيديولوجية وهذا يؤثر على البنية الأساسية للفكرة. وأضاف: الوحدة لم تتم بناء على اتفاق ولم ترسخ مفاهيم الاندماج الاجتماعي أو التكامل ولذا اعتبرت وحدة اللحظة لا وحدة قرار مبني على دراسة واتفاق وترتيبات إجرائية تفصيلية.
وختم حديثه بالقول: الوحدة فعل وشعور عاطفي وهي كانت متواجدة بين الناس لكن كنظامين سياسيين لم تتحقق فتمثلت الوحدة في أنظمة لم تكن بحجم التحول الجديد الذي كان لابد أن يلغي قضية التفكير الماضوي وهنا لم تحمل الدولة رؤية جديدة تتمثل في الديمقراطية والمواطنة.