صنعاء تطلق ورقة جديدة في معركة السيادة الاقتصادية
خبراء اقتصاديون لـ « الثورة »:خطوة البنك المركزي في تغطية التالف من النقد الجديد ضربة نقدية ملهمة ستحد من التبعية للعملات الأجنبية
البنك المركزي اليمني: الإصدارات الجديدة لن تترتب عليها إضافة أي كتلة نقدية جديدة أو التأثير على أسعار الصرف
الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي: ما قام به البنك يعد نجاحاً اقتصادياً وسياسياً يقطع الطريق على رهانات «الأعداء
وكيل وزارة المالية الدكتور أحمد حجر: أدوات الحرب الاقتصادية استهدفت بشكل رئيسي الجوانب المالية والإنتاجية والنقدية
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش: السياسات الاقتصادية جزء أساسي من التوازن الحذر في الصراعات الدولية
في تحرك يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة، أعلن البنك المركزي اليمني في صنعاء، عن طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية فئة «مائتي ريال» للتداول اعتباراً من يوم الأربعاء الموافق 16 يوليو 2025م، هذه الخطوة، أتت ضمن «خطة البنك المركزي اليمني الخاصة بترميم ومعالجة النظام النقدي»، وهي بحسب خبرلء اقتصاد تُعدّ تتويجاً لجهود ترمي إلى الحفاظ على القوة الشرائية للعملة الوطنية وتسهيل المعاملات اليومية للمواطنين، في خضم ما يصفه البنك بـ»حرب عدوانية ظالمة وممنهجة» تتعرض لها العملة اليمنية.
«الثورة» حاولت من خلال عدد من خبراء المال والاقتصاد قراءة الخطوة أهميتها وأبعادها الاقتصادية وما تترتب عليها من نتائج تصب في صالح الاقتصاد الوطني استقلالا وإدارة.. التفاصيل في الحصيلة التالية:
الثورة/ أحمد المالكي – يحيى الربيعي
إنهاء أزمة التالف وتعزيز الثقة -وفقاً للبيان الصادر عن البنك المركزي- سيُخصص الإصدار الورقي الجديد، إلى جانب الفئات المعدنية التي تم إصدارها مؤخراً، لإنهاء مشكلة الأوراق النقدية التالفة لفئتي المائتين والخمسين ريالاً وما دونهما، ويؤكد البنك أن هذه الخطوة لن تترتب عليها إضافة أي كتلة نقدية جديدة أو التأثير على أسعار الصرف، بل تهدف إلى خدمة المواطنين وتيسير تعاملاتهم اليومية. وقد تم تصميم وطباعة الإصدار الجديد وفقاً لأحدث الممارسات والمعايير العالمية، مع تزويده بمزايا أمنية متعددة المستويات لضمان حمايته من التزوير.
كما أكد البنك المركزي لكافة أبناء الشعب اليمني أنه يضع على رأس أولوياته إعادة الاعتبار للعملة الوطنية؛ والتي تعرضت لحرب عدوانية ظالمة وممنهجة بقيادة العدو الأمريكي عبر أدواته الإقليمية والمحلية، وبناءً على ذلك سيدرس البنك خلال الستة أشهر القادمة مدى الحاجة لسك وإصدار فئات ما دون الخمسين ريالاً، مضيفا أنه ومن منطلق مسؤوليته تجاه حقوق ومصالح أبناء الشعب في كافة أنحاء الجمهورية اليمنية؛ فقد تم تأجيل طرح هذا الإصدار رغم جاهزيته منذ فترة؛ كفرصة لتنفيذ استحقاقات السلام وفق خارطة الطريق التي ظل النظام السعودي يماطل في تنفيذها في الوقت الذي تتفاقم فيه معاناة المواطنين اليومية.
وجدد البنك المركزي الشكر والإعزاز لكافة أبناء الشعب، مضيفا أن ثباتهم، وصمودهم، وثقتهم فيه؛ كانت العامل الرئيسي في نجاح الخطط والإجراءات التي اتخذها البنك، وستمثل حافزاً ودافعاً لاستمراره في كل ما يحقق حماية وخدمة تطلعاته واقتصاده الوطني.
ورقة ضغط اقتصادية
في خطوة تعزز صمود اليمن في وجه الحصار الاقتصادي والحرب المستمرة، أكد الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي أن البنك المركزي في صنعاء أعلن عن نجاح باهر في معالجة أزمة السيولة.
وقال في تصريح لـ «الثورة» إن ما قام به البنك يعد «نجاحاً اقتصادياً» وفي ذلك الوقت هو يمثل- أيضاً- «نجاحاً سياسياً» يقطع الطريق على رهانات «الأعداء» الذين استندوا إلى انهيار العملة اليمنية كـ»عمود أساسي في الحرب الاقتصادية». هذه الخطوة هي رسالة قوية متعددة الأبعاد، تعزز ثقة المواطنين وتدعم السيادة الوطنية في مواجهة محاولات التبعية الاقتصادية.
ويهنئ الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي الشعب اليمني وقيادة البنك المركزي على «النجاح الاقتصادي الباهر» في معالجة مشكلة السيولة، هذه المشكلة، التي وصفها بأنها كانت «عموداً أساسياً في عملية الحرب الاقتصادية» التي يعول عليها «العدو» لإحداث انهيار في العملة، باتت اليوم في صلب المواجهة. ويشير الجعدبي إلى أن إصدار فئات نقدية جديدة، على غرار ما تم لفئتي المائة والخمسين ريالاً، والمأتين ريال يأتي ليكرس النجاح التي تحققه صنعاء في إدارة القطاع الاقتصادي، مؤكداً أن هذا الاستقرار كان واضحاً في مناطق حكومة التغيير والبناء، مقارنة بما هو حاصل في المناطق التي تسيطر عليها حكومة المرتزقة.
ويرى الجعدبي أن هذا الإجراء يعد نجاحاً سياسياً يؤكد السيادة في عملية الاستثمار ويحد من التبعية للعملات الأجنبية، وتأخر إصدار هذه الفئات، وفقاً للجعدبي، كان نابعاً من مراعاة لتنفيذ إجراءات السلام، والتي لم يتم الالتزام بها من قبل «العدو السعودي والإماراتي». وهذا التأخر بحد ذاته، يحمل «رسالة» لهما، مفادها إن البنك المركزي في صنعاء يمتلك أوراق ضغط اقتصادية يستطيع تفعيلها في أي وقت.
إحدى أبرز الفوائد الاقتصادية التي يركز عليها الجعدبي هي «زيادة دعم الثقة لدى المواطنين»، بما يعني «استقراراً في الاقتصاد» و»قوة للاقتصاد ماضية إلى التعافي». وهذه الخطوات -بحسب الجعدبي- تساهم في حل «مشكلة الانهيار وانعدام السيولة» التي تسببت في «مشاكل كثيرة منها البطالة، ارتفاع الأسعار، والتضخم»، ويرى أن إحياء الثقة في العملة الوطنية سيؤدي حتماً إلى «انخفاض الطلب على الدولار والعملات الأجنبية الأخرى»، مما يشجع «عملية الاستثمار» وتدفق «الأموال إلى الداخل اليمني»، سواء من المغتربين أو من خلال استثمارات جديدة، ويشيد الجعدبي بالبنك المركزي في صنعاء لالتزامه بمعايير عالية في طباعة العملة، سواء في جودة الورق أو العلامات المائية، مما يحميها من التزوير، واصفاً إياه بـ «إنجاز تاريخي للبنك المركزي».
ويقارن الجعدبي بين أداء البنك المركزي في صنعاء وأدائه في عدن، ويصف الأخير صراحة بأنه «أداة تدميرية للاقتصاد»، ويستعرض الجعدبي التناقض الصارخ بين السياسات النقدية للطرفين؛ فبينما يسعى البنك المركزي في صنعاء إلى «ضبط أسعار الصرف» و»استقرار القوة الشرائية» وحماية الاقتصاد، يرى أن البنك المركزي في عدن، الذي طبع حوالي «5.3 تريليون ريال» وضخها كـ «عملة إضافية وغير قانونية»، قد أدى إلى «ارتفاع الأسعار» و»انهيار العملة».
ويشير الجعدبي إلى أن الأسعار في مناطق حكومة المرتزقة «مرشحة للارتفاع»، مع توقعات بأن يتجاوز سعر الدولار حاجز الـ»ثلاثة آلاف ريال» والريال السعودي الـ»ألف ريال».. وفي المقابل، يؤكد أن البنك المركزي في صنعاء قد «نجح» في استقرار سعر الصرف والقوة الشرائية لفئتي المائة والخمسين ريالاً دون أن «تضيف أي أعباء جديدة أو كتلة نقدية جديدة».
ويذهب الجعدبي إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن البنك المركزي في عدن يعتمد على موافقة «وزارة الخزانة أو وزارة المالية السعودية» لفتح الاعتمادات المستندية، مما يؤكد، مدى تبعيته، كما يتطرق إلى قضية «تهريب العملة» التي لطالما شهدتها المناطق المحتلة، مستدلاً بوثائق تظهر «ملايين الدولارات» يتم تهريبها.
ويتطرق الجعدبي إلى إعلان البنك المركزي في صنعاء عن تطلعاته المستقبلية في دراسة إصدار فئات نقدية «ما دون الخمسين ريالاً»، وهي نقطة فاجأت الكثيرين. ويرى أن هذا الإجراء يدل على أن البنك يمتلك «سياسة نقدية لإحياء الوضع الاقتصادي»، مشيراً إلى أن «توجه الدولة إلى طباعة الفئات النقدية الصغيرة معناه أنها تدرس استراتيجية بناء الاقتصاد من الأساس». وهذا يعني، «إيجاد قوة شرائية لتلك المبالغ»، مستشهداً بتجارب المواطنين في التسوق بفئة الخمسين ريالاً، مما أظهر «قوتها الشرائية».
ويؤكد أن إصدار فئات مثل العشرين والعشرة والخمسة والريال، مع إيجاد قوة شرائية لها، يعني وجود «سياسة وخطة مدروسة لإجراء تعافٍ اقتصادي». هذا التعافي، كما يذكر بيان البنك المركزي، لن يتأتى إلا بتعاون الشعب والتجار والحكومة، بالإضافة إلى «إيقاف الحرب مع الله المتمثلة في إصدار قانون الربا» وتفعيل كافة القوانين والفقرات ذات الصلة.
يختتم الجعدبي بإبراز الجانب السياسي البارز في هذه الخطوات، كاشفاً عن ردود فعل «العدو الأمريكي» و»تحالف العدوان» الذين يراهنون على «مشكلة السيولة» و»انهيار أسعار الصرف»، ويرى أن هذه الإجراءات شكلت «ضربة قاصمة لهم». ويسرد الجعدبي حكاية وصول وفد من واشنطن، برئاسة مدير المكتب الإقليمي لصندوق النقد والبنك الدولي في مصر وجيبوتي واليمن، إلى مناطق المرتزقة بعد ساعات قليلة من إعلان البنك المركزي في صنعاء عن إنزال فئة الخمسين ريالاً، والذين لايزال اجتماعهم بحكومة «المرتزقة» يمثل «حالة طوارئ» حتى اللحظة.
رؤية استراتيجية مهمة لكسر أدوات الحظر النقدي
وفي السياق، يؤكّـد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور أحمد حجر أن الإصدار الثاني للبنك المركزي اليمني بصنعاء والمتمثل في فئة 200 ريال، هو جزء من رؤية استراتيجية مهمة لكسر أدوات الحظر النقدي المقدمة على اليمن من قبل العدوان الأمريكي وحلفائه.
ويوضح حجر أن هذه الخطوة «تم دعمها عدة مرات خلال الفترات السابقة، في محاولة لإفساح المجال أمام تفاهمات فعالة بين حكومة التغيير والبناء وسلطة المرتزقة لتجنيب الاقتصاد الوطني تبعات الصراع، إلا أن الطرف الآخرَ يستمر في عرقلة هذه التفاهمات بإيعاز خارجي؛ ما دفع البنك المركزي إلى اتخاذ القرار بشأن الاقتصاد الوطني».
وقال الدكتور أحمد حجر- وكيل وزارة المالية، إن أدوات الحرب الاقتصادية التي شنها العدوان على البلاد استهدفت بشكل رئيسي الجوانب المالية والإنتاجية والنقدية، حيث شملت تدمير كافة قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية، وأضاف أن العدوان استهدف السيطرة على الموارد والاحتياطات من النفط والغاز، بالإضافة إلى استخدام أدوات السياسة النقدية لتحقيق أهدافه، وذلك من خلال التحكم في الموارد المالية والنقدية.
وأوضح أن العدوان سيطر على موارد النقد الأجنبي، التي لم تعد موجودة في أي بنك من البنوك التابعة للمناطق المحتلة، حيث أصبح معظمها محجوزاً في البنك الأهلية السعودي، ويُدار بطريقة تخدم الأغراض الاستعمارية، إذ يُصرف منها أكثر من 40 إلى 50% لصالح المقيمين في فنادق مثل إسطنبول والقاهرة وغيرها. وأشار إلى أن هذا الأمر يعكس تدميراً ممنهجاً للنظام الاقتصادي، حيث يتم منع المناطق التي يُمارس فيها النشاط الاقتصادي، والتي تمثل حوالي 80% من السكان، من التداول بحرية، في حين تُسمح للمنطقة التي تمثل 20% بسيطرة مطلقة على طباعة النقد.
وأضاف أن العدوان يفرض النقد غير الرسمي من خلال ضخ كمية هائلة من النقد غير الرسمي، والتي تتجاوز 5 تريليونات ريال، مما أدى إلى سحب النقد الأجنبي بالكامل من اليمن، مع تهريبه إلى الخارج عبر المرتزقة والعملاء، وأدى ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار بصورة غير قانونية، حتى وصل إلى مستوى يعادل قيمة الحبر الذي يُكتب به ألف ريال، وفقاً لما ذكره السفير الأمريكي، الأمر الذي يمثل إحدى أبرز أدوات الحرب الاقتصادية وساعد في إحداث أزمة مالية خانقة.
وأشار إلى أن هذه المعادلة تعتمد على ضخ نقدي كبير من العملة غير الرسمية، وسحب النقدية الرسمية من المناطق التي تقع خارج السيطرة، مما أدى إلى تسارع أزمة النقد الأجنبي، خاصة في المناطق المحتلة، وأفاد بأن المناطق المحتلة يسيطر عليها مجموعات مسلحة لا تدير السياسة الاقتصادية بشكل منظم، وإنما عبارة عن عصابات تمتلك مليارات الريالات من النقد غير الرسمي، والتي تُستخدم في سحب النقد الأجنبي وتهريبه للخارج، وهو ما يتسبب في تلك الأزمات المالية الحادة.
خطوة ضرورية نحو التوصل إلى التكامل في السوق المحلي
من جهته، أكد الباحث والخبير في الشؤون الاقتصادية، الدكتور عماد عكوش، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بشكل كبير على استخدام أدواتها الاقتصادية لتحقيق أهدافها السياسية، وفقاً لمصالحها. وقال إنه مع تزايد حجم العملة الأمريكية في دول معادية لها، تتراجع قيمة العملة المحلية، وهو ما يصب في مصلحة الولايات المتحدة، إذ يساعدها على فرض سياساتها بشكل أكثر فعالية.
وأشار الدكتور عكوش إلى أن السلاح الاقتصادي يُعتبر من أهم أدوات القوة الأمريكية، حيث اعتمدت على هذه الأدوات لتحقيق انتصارات، كما حدث في أزمة انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي كانت الأسباب الاقتصادية أحد العوامل الرئيسية في ضعفه. وذكر أن روسيا، على سبيل المثال، فرضت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات كبيرة، حيث تم حجز أكثر من 300 مليار دولار من أصولها في الاتحاد الأوروبي والغرب، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الروسية بأكثر من 50%. ومع ذلك، استطاعت روسيا، بواسطة سياسات مالية ونقدية ذكية، أن تعيد عملتها إلى سعرها الحقيقي وتجاوزت الخسائر.
وأوضح عكوش أن أي سياسة مالية أو نقدية يُراد تنفيذها يجب أن تكون مصحوبة دائماً بسياسة اقتصادية سليمة، بحيث توازن بين هدفها المالي والنقدي مع متطلبات النمو والتنمية وتقليل العجز في الميزان التجاري، وأكد على أهمية التعاون الوثيق بين وزارة المالية والبنك المركزي، حيث تتولى الحكومة وضع السياسات الاقتصادية وخططها طويلة الأمد، ويقوم البنك المركزي بتنفيذ السياسات المالية والنقدية التي تتوافق مع تلك الخطط، بهدف دعم التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وشدد عكوش على أن نجاح أي سياسة اقتصادية وخاصة في ظل الصراعات الدولية، يعتمد على توازن دقيق بين السياسة المالية والنقدية والتنمية الاقتصادية، وهو ما يتطلب تواصلاً وتعاوناً مستمراً بين مختلف الجهات المعنية.