حسن البنا وفن المناورات 2-2
محمد ناجي أحمد
منذ البدايات أي ثلاثينيات القرن العشرين والاستثمارات الإخوانية الكبيرة محل تساؤل : من أين مصادرها ،فالتبرعات لا تفي بهذا الحجم من رأس المال ، ولا بهذه الاستثمارات التي تعملقت في فترة زمنية وجيزة !خاصة وأن غالبية أعضاء جماعة الإخوان من أصحاب المهن ،ومحدودي الدخل ، والبرجوازية الصغيرة !
لم تكن القضية الاجتماعية ينظر إليها من منظور القهر والاستغلال الاجتماعي، بل كان تخدير الطبقات الكادحة هو منحى جماعة الإخوان. يكتب البنا ” إن من مهام جماعتنا التوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين، بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات، لتوزع في المواسم والأعياد” هكذا يرى البنا للقضية الاجتماعية، ودور الجماعة هو التوسط بين “غفلة ” الأغنياء، فالاستغلال والاكتناز ليس سوى غفلة تحتاج إلى تذكير ،وأما بالنسبة ل”عوز ” الفقراء ، فيتم علاجه بتنظيم الإحسان والشفقة ، وجمع الصدقات ،ليتم توزيعها في الأعياد والمواسم !
وهو السلوك والنهج الذي حكم ويحكم جماعة الإخوان المسلمين تجاه القضية الاجتماعية، وفهمهم لتحقيق العدالة الاجتماعية.
لهذا هم في اليمن ضد أي عمل نقابي في مصانع ومؤسسات القطاع الخاص، بل إذا حدث ووقفت كوادرهم العاملة في مصانع القطاع الخاص، وطالبت بتشكيل نقابات ،تتخلى عنهم الجماعة إن لم يستمعوا للنصح ،ويرتدعوا عن مثل هذا التفكير الذي أملاه عليهم وضعهم المسحوق في هذه المصانع كعمال يكدحون ،ولا يجدون حقوقهم المهدورة !
ولعلَّ في خذلان “التجمع اليمني للإصلاح ” فرع تعز –لعدد من أعضائه العاملين في مصانع هايل سعيد انعم، ممن تحركوا بتأثير من انتفاضة 11فبراير 2011م ،وطالبوا بحقهم في العمل النقابي ،فاتخذت ضدهم مجموعة هايل سعيد أنعم عقوبات تأديبية تراوحت ما بين الفصل أو النفي إلى أماكن عمل في محافظات بعيدة عن أسرهم ومساكنهم!
لقد أراد النظام المصري في عهد فاروق تصفية حسن البنا سياسيا ،قبل أن تتم تصفيته جسديا ، فقام البوليس باعتقال كل من وجدوهم في مقر مركز الإخوان تاركين البنا في مقر الجماعة وحيدا ،ثم بدأوا بابتزاز التنازلات ،ودحرجة المواقف ، فطلبوا منه (بيانا)عبر وسطاء كانوا يمثلون السلطة ويخدعون الإمام البنا أنهم حريصون على بقاء الجماعة وسلامتها – فكان بيانه ( بيان للناس) لكن القصر أراد أكثر من ذلك ،فكتب لهم بيانا تحت ضغط انفلات الجهاز السري وعمليات الاغتيال التي قاموا بتنفيذها ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) طمعا منه في أن يتركوا جماعة الإخوان المسلمين دون حل ومصادرة ، لكن القصر كان يريد رأس الإمام وحركته في آن. ومن بيان ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) انفجر سيل الخصومة من المعتقلين ضد إمامهم ، وتداعت الاعترافات ،ساعتها قرر النظام تنفيذ الاغتيال بعد أن سحبوا مسدس وسيارة البنا ،وترك وحيدا ليقتل في الشارع ، ويتم الإجهاز على ما تبقى من نبضه في المستشفى .
مما لاشك فيه أن الشيخ حسن البنا قد أسس مدرسة في (فن المناورات ) التي تتحرك نحو غايتها ،التي وصفها البنا في مقال له عام 1938م بعنوان دال هو ( نحو النور ) فغاية الجماعة هي الوصول إلى (النور ) عن طريق “تغيير النظم)،يقول في هذا المقال ” لابد من جديد في هذه الأمة هذا الجديد هو تغيير النظم المرقعة المهلهلة ،التي لم تجن منها الأمة غير الانشقاق والفرقة ” ولأن الوصول إلى الغاية الانقلابية سيكتنفها الكثير من الأشواك ،في طريق بناء الجماعة ،ولأن المسافة من المصحف إلى الديناميت جدا وعرة ،وليست مستقيمة –فإن البنا ينبه ويعد الجماعة لتحمل تلك المشاق ، بلغة (رسولية ) فيها من وعظ النبوة ما فيها ،فهم وجماعتهم “حقيقة الإسلام” قائلا لهم “سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم ،وستجدون من أهل التدين من العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام ،وينكر جهادكم في سبيله ،وسيحقد عليكم الرؤساء ،والزعماء وذوو الجاه والسلطان ،وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء ،وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان ،فتسجنون ،وتعتقلون ،وتنقلون ،وتشردون ،وتصادر مصالحكم وتفتش بيوتكم “ص59رفعت السعيد –المرجع السابق ،نقلا عن (حسن البنا .بين الأمس واليوم ).
هذه اللغة (الرسولية ) في تنبؤاتها لا زالت تحكم قيادات الإخوان المسلمين حتى اليوم في العديد من البلدان، وفي اليمن نجدها في منشورات ومقالات رئيس التجمع اليمني للإصلاح (محمد اليدومي ) عند أكثر من منعطف ،ونجدها لدى بعض القوميين المتأثرين بنهج ولغة الإخوان ،كما هو شأن أمين عام الوحدوي الشعبي الناصري ،في اليمن (عبد الله نعمان ) حين يخاطب كوادر تنظيمه ،محددا لهم طريقهم ، ومحذرا لهم من الدخول في جدل مع الآخرين ،الذين يستهدفون مسار تنظيمهم ، فكلما كانوا في الطريق الصحيح كان استشراس خصومهم ضدهم ،بحسب تعبيره !
من سيرة النشأة والاستشهاد استمرت حركة الإخوان تصعد بطريقة (سيزيفية) أراد لها طواغيت الاستعمار وبنية فكرها وتنظيمها أن تظل في ذلك الدور ،وذلك المقام ، وكلما اقترب سيزيف بصخرته من قمة الجبل تمت دحرجته ،ليبدأ رحلته من جديد .