مـارب الأمجـاد وعاصمـة الحضـارة والسـدود


كتب/صادق هزبر –

حين تطأ قدمك أرض الحضارة والتاريخ والسدود مارب فإن مشاهد كثيرة وكبيرة تعود بذاكرتك عن هذه المحافظة التي نشأت في كنفها الدولة السبئية والقبائل اليمنية الأصيلة التي كانت تقطن أراضي صرواح ومارب ووادي رغوان وبعض أجزاء من الهضبة وقد تزعمت وهيمنت قبيلة سبأ الكبيرة على بقية القبائل الصغيرة بالمقارنة معها وتنسب “سبأ” إلى الأرض والقبيلة والدولة في أساس التاريخ اليمني القديم وتكوينه السياسي المشهود له, بل والهجرة إلى معظم بقاع الجزيرة العربية وخارجها بالقرآن الكريم وقد ارتبطت بسبأ معظم الرموز التاريخية القديمة لليمن, فسبأ – عند النسابة – أبو حمير وكهلان ومنهما تسللت أنساب أهل اليمن جميعا والملكة (بلقيس) مملكة سبأ.
ومارب هي أرض السدود وقد كان لوجود السد في مارب أثر عظيم على حياة المدينة في الماضي السحيق حيث غدت مركزا تجاريا وزراعيا شهيرا في العالم القديم. كما أن الموقع الجغرافي للمدينة قد عاد عليها بمزايا كبيرة حيث كانت العاصمة قريبة جدا من نهر «الدهنا» القديم الذي كانت نقطة التقائه مع جبل «بلق» مناسبة جدا لبناء السد حيث استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سداٍ في تلك المنطقة التي نشأت بها حضارتهم وبدأوا يمارسون الري والزراعة إلى أن وصلوا إلى مستوى عال جدا من الازدهار.
ويقول الباحثون إن مارب هي أرض التجارة وملتقى طريق اللبان والبخور الذي كان يمتد من ميناء قنا المسمى «بير علي» اليوى ساحل البحر العربي إلى غزة في فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط ذلك الطريق الذي كان يمر بمدينة شبوة – شبوة القديمة – عاصمة مملكة حضرموت آنذاك ثم مدينة مارب ومنها شمالا إلى مدن معين في وادي الجوف ومنها إلى نجران لتصل بعدها إلى شمال الجزيرة العربية في طريق تاريخي معروف ظل فترة طويلة ممرا للقوافل التجارية الذاهبة من اليمن إلى الشام كل تلك العوامل جعلت مدينة مارب محط أنظار الكثير من شعوب العالم القديم حتى لقد دهش اليونانيون القدماء من عظمة الحضارة التي أنشاها السبئيون هناك فأطلقوا على اليمن «بلاد العرب السعيدة».
مدينة مارب القديمة
تقول المصادر التاريخية: إن مارب القديمة هي عاصمة دولة سبأ التي ورد ذكرها في الكتب السماوية العهد القديم والقرآن الكريم “ونبأ زيارة بلقيس ملكة سبأ لسليمان عليه السلام”حوالي 950 ق.م. واقترنت مارب باسم سبأ أهم الممالك اليمنية القديمة وأقدمها وأعظم رموز تاريخها وحضارتها وهي أشهر المدن القديمة وأكبرها وسميت محافظة مارب بهذا الاسم نسبة إلى مدينتها التاريخية مارب وحاضرة مملكة سبأ القديمة وهي موطن السبئيين.
وتضم مارب بين جنباتها أهم رموز التاريخ اليمني والحضارة اليمنية القديمة التي يرجع تاريخ ازدهارها إلى الألف الأول قبل الميلاد. ومدينة مارب الجديدة هي عاصمة المحافظة وتقع على مسافة 172 كم شرق صنعاء.
وتقع على الضفة اليسرى لوادي “ذنــة” عند مشارف صحراء صيهد التي تتحكم بطريق التجارة القديمة “طريق اللبان” وتقع قرب قرية مارب فوق جزء صغير من المدينة المطمورة التي تقدر مساحتها بأكثر من مائة هكتار وكانت مسورة بسور حجري ولها ثلاثة أبواب من الجهات الشمالية والغربية والجنوب الشرقي. ويعتقد أن القرية الحالية مبنية بالطين فوق أطلال قصر سلحين التاريخي كما يوجد في المدينة القديمة أربعة معابد اثنان في الجزء الشمالي وواحد في الجزء الجنوبي من المدينة أما الأعمدة الحجرية الضخمة البارزة بجوار البئر في الأجزاء الظاهرة فهي المعبد وقد شهدت مارب ذروة ازدهار الحضارة اليمنية القديمة طوال المرحلة الأولى والثانية للدولة السبئية ويرجح البعض أن مارب لا بد أن تكون قد بنيت في وقت ما من الألف الثاني قبل الميلاد إذ لا يعرف تاريخ نشأة المدينة على وجه الدقة بالرغم من ورود أسماء عدد من الملوك السبئيين الذين أسهموا في بناء المدينة وشيدوا بعض مرافقها خلال العصر السبئي الأول في بداية الألف الأول قبل الميلاد, على أن نشأة المدينة ربما تكون قد بدأت مع بداية ازدهار الحضارة اليمنية القديمة في الألف الثاني قبل الميلاد وتتعرض مارب القديمة للإهمال والعبث ولم تجد أذنا صاغية لحمايتها رغم الوعود المتكررة.
الســـدود
أولا /سـد مــارب
تقول المصادر التاريخية المنشورة في الشبكة العنكبوتية: إن تاريخ سد مارب القديم يعود كما يستنتج من قراءة النقوش اليمنية القديمة إلى القرن الثــامن قبل الميــلاد غير أن نتائج الدراسة التي قامت بها البعثة الألمانية في أحد السدود القديمة بوادي “ذنة” المنشأة “ترى أن فكرة إنشاء السد قد مرت بمراحل عدة وعبر فترة زمنية طويلة بين بداية الألف الثاني والألف الأول قبل الميلاد وأين كانت البداية فإن الذي لا خلاف حوله أن ســـد مارب معلـم ثابت لازم الحضارة السبئية منذ البداية مرورا بذروة الازدهار وحتى لحظات الانهيار ثم تصدع على إثرها, وهذا السد أشهر آثار اليمـن وأعظم بناء هندسي قديم في شبه الجزيرة العربية وقد بني في ضيقــة بين البلــق الشمالي والبلق الجنوبي على وادي ذنة الذي تجري إليه السيول من مساقط المياه في المرتفعات المحاذية له شرقا على امتداد مساحة شاسعة من ذمار ورداع ومراد وخــولان والتي تهطــل عليهــا الأمطار من أبريــل إلى أغسطس ويقوم السد بتصريفها بصورة سريعة لتسقي أرض الجنتين التي تقدر مساحتها بأكثر من اثنين وسبعين كم مربع كما يبلغ طول جسم السد720 مترا وارتفاعه حوالي 15 مترا وسمك جدار السد عنـد القاعــدة 60 متراٍ, وكانت أساسات جسم السد من الأحجار الضخمة فوقهــا جــدار ترابي مغطــى بالحجــارة والحصى من الجانبين وعند طرفي السد يقع الصدفان ” مصرفان” ينفذ منهما الماء إلى شبكات وقنوات الري ولم يكن الهدف من السد القديم خزن المياه فقط كما هو الحال بالنسبة للسد الجديد بــل كانت مـن مهامه أيضا رفع منسوب المياه حتى تصل إلى السهلين الأكثر ارتفاعا “الجنتان اليسرى واليمنى” وقد تعرض لانهيارات عدة وشهد ترميمات كان آخرها عام 547م “في عهد أبرهة” ولا تــزال جــدران الصدفين قائمة إلى اليوم تماما كما وصفها لسان اليمن “الهمداني ” قبل أكثر من ألف عام, واجهة المصرف الجنوبي لسد مارب القديم وفي الصورة نقش يمني قديم بخط المسند وقد تم إعادة بناء السد في الثمانينات بتمويل من المرحوم الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات العربية المتحدة وتم استكمال قنوات الري والاستفادة منها في الزراعة.
ثانياٍ /سـد الجفينة, ويقع على بعد 8 كم جنوب غرب مركز محافظـــة مارب, ويرتبــط بمنظومــة سد مارب العظيم, ويعود تاريخـــه إلى الألف الأول قبـــل الميلاد “العصر السبئي الأول “وهو سد تحويلي لما يفيض من مياه السد العظيم بهدف زيادة مساحة الأراضي للجنة اليسرى للسد أربع قنوات مبنية بأحجار مهندمة ويتصل بها جدران ساندة يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار ويبلغ طولهـا نحو 300 متر ويصــل عرض أساس الجدران الى4 أمتار و1.50 متر إلى 1م أعلى الجدران, وقد أصيب بالتصدع وأعيد بناء الجدران بأحجــار بركانية غيــر مهندمــة غطت بالقضاض الذي يرجع استعماله إلى العصر السبئي الثاني من 350 إلى 100 قبل الميلاد.

قد يعجبك ايضا