عبدالرحمن مراد

عن غزة وتداعيات الأحداث

 

كتبت إلى حد التكرار الممل عن فكرة الشرق الجديد، ويبدو أن الملامح العامة التي كنت أبين منها ما استطعت، وكان يظن الكثير أنها ضرب من الخيال – قد بدأت تكشف عن نفسها، وقد ذهب البعض إلى القول إنه تنظير لا أساس له من الصحة في الواقع، ولعل القارئ اليوم يستطيع العودة إلى مقالاتي السابقة والمتوفرة على الشبكة العنكبوتية ليكتشف أبعادها من خلال حركة الواقع السياسي اليوم .

لقد تحدثنا عن سيناريوهات الشرق الجديد فيها، وتحدثنا أن التدمير المتوحش لقطاع غزة وقلنا إن الهدف منه تهجير السكان منها لهدف قديم وهو قناة بن غوريون، فكانت تصلني الكثير من التفاعلات التي ترى أن هذا الأمر خيال، وتنظير بعيد المنال، وأنني أجانف الحقيقة، اليوم الواقع يكشف الغلالة التي كانت تحجب الرؤية، بعد أن أعلن ترامب عن طبيعة المعركة في قطاع غزة، ورغبته في تهجير السكان إلى سيناء والضفة الغربية، وقد قال الصهاينة في تصريحات متواترة باستحالة عودة السكان إلى قطاع غزة، والرئيس الأمريكي يعلنها بكل وضوح في مضمون قوله وتصريحاته، باستحالة عودة السكان بل وقال إنه سوف يشتري غزة .

الفكرة أصبحت واضحة اليوم، والتفاعلات العربية لن تكون ذات جدوى، وحركة الممانعة ولاءات الرفض القديمة لم تعد ذات قيمة اليوم بعد حدوث الشروخ والتباعد في المواقف من القضية الفلسطينية، وبعد أن ساهم العرب في التقليل من فاعلية محور المقاومة، واتخاذه عدوا بديلا عن العدو الحقيقي للأمة .

لم يكن استهداف قائد المقاومة الإسلامية الشهيد حسن نصر الله – رحمه الله – الذي كان يشكل قوة وازنة وقادرة على الصد والممانعة إلا بداية لسيناريو الشرق الجديد، فقد كان الشهيد يدير معركة عن علم ومعرفة، وكان يتعامل مع القضايا بحكمة لم تتوفر لسواه، ولذلك كان الشهيد حسن نصر الله يشكل قوة في شخصه تفوق القوة الصلبة التي يملكها حزبه، لقد امتلك الشهيد طاقة جبارة وظفها بحكمة لخدمة القضية، فكانت تلك القوة سدا منيعا أمام المشروع الذي بدأ بداية القرن، وتعثر تحقيقه في معادلة حرب تموز 2006م، ثم اتخذ مسارا جديدا تمثل بحركة الفوضى التي أفضت إلى تدمير النظام العام  والطبيعي في ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وتعثر زمنا بعد أن أدرك الشهيد حسن نصر الله أن سقوط سوريا يعني سقوط لبنان والأردن ومصر، وقالها بوضوح كامل في الكثير من خطاباته، ولم تسقط سوريا فقد كانت عصية، وقد عرف العدو الصهيوني أن دخول سوريا لن يتحقق إلا باستشهاد نصر الله، وقد حدث ذلك بالفعل، ففي انتفاضات الربيع العربي سقط النظام في سوريا ولم يصمد، وهرب الأسد، ولكنه عاد بفضل مجاهدي حزب الله، بعد أن وصل الدواعش إلى ريف دمشق وأحاطوا بالعاصمة إحاطة السوار بالمعصم، وظل الأسد أياما في البقاع تحت حماية مجاهدي حزب الله حتى عاد إلى العاصمة دمشق معززا براية الانتصار، لقد كان لنصر الله الدور الكبير والفاعل في استمرار النظام السوري حتى تمكن الدواعش من دخول دمشق بالسيناريو الذي لم يخطر ببال أحد، وبتلك الصورة التي لم يتوقعها أحد، وبسهولة مطلقة وغير مسبوقة .

وزير خارجية قطر الأسبق قالها بصريح العبارة، إن دول الخليج رصدت أكثر من مئتي مليار دولار كموازنة لسقوط النظام السوري الذي كان يشكل سدا منيعا أمام مشاريع التطبيع واستهداف الأمة .

فما الذي حدث بعد سقوط نظام الأسد ؟

توسعت إسرائيل في هضبة الجولان حتى أصبحت على مشارف دمشق وتسيطر ناريا على العاصمة السورية، تدمير القدرات العسكرية التراكمية للجيش السوري، تفكيك الجيش وتسريحه وتدمير معامل التصنيع واستهداف المعسكرات، نشاط غير مسبوق للموساد في سوريا والقيام باغتيال العلماء وأرباب الفكر والرأي، تنمية العداوات الطائفية، وتسليم مهمة إعادة التأهيل لدولة عضو في حلف الناتو وهي تركيا التي تولت –  بموجب اتفاق مع حكومة الشرع – المهام  الأمنية والعسكرية في سوريا بما يخفف من وطأة مفردة الاحتلال، إذ أن ما تم كان احتلالا واضحا لسوريا من قبل حلف الناتو ممثلا في تركيا التي من المستحيل أن تحيد عن سياسة الحلف قيد أنملة .

موضوع لبنان بعد إضعاف حزب الله أصبح من القضايا المفروغ منها، وتتجه الأنظار اليوم إلى الأردن ومصر، وكل التفاعلات اليوم تدور حول الأردن ومصر، ويبدو لي أن الأردن الذي انساق مع التوجهات الصهيونية بشأن حزب الله وغزة سوف تصله النتائج الموجعة التي تقول له بكل وضوح لقد تماهيت مع المقدمات التي لم تكن تدرك وبالها عليك، ويبدو أن الاشتغال على الأردن لن يأخذ وقتا طويلا بسبب هشاشة الوضع الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الأجنبي والأمريكي، بالذات في رفد الموازنة العامة للدولة، أما مصر التي تلوح بالقوة اليوم – وهي تملكها بالفعل – فقد تم استدراجها إلى مزالق كانت هي في غنى عنها ولم تدرك مكر اليهود من ورائها، وربما قادتها إليها الحاجة، وفي ظني أن مصر لو أخذت تصريحات مستشارة الأمن القومي الأمريكي في زمن الربيع كوند ليزا رايس، التي تقول فيها إن مصر عصية على مشروعهم بسبب الهوية الوطنية الصامدة، كإشارة تبني عليها استراتيجية سياسية وثقافية وعسكرية، لكانت اليوم أفضل منها بالأمس، لكنها أصبحت اليوم بين فكي أسد، قد يعمل تحت الضغط على تمرير مشروعه من خلالها ولن تستطيع صده، ويبدو الرئيس الأمريكي واثقا من نفسه حين قال سوف تقبل مصر فكرة توطين سكان قطاع غزة في سيناء .

مشكلة العرب في غياب المعرفة وفي تعطيل العقول، والتفكير الآني المرحلي الذي يحفظ التوازن المؤقت دون استشراف النتائج من خلال المقدمات وآثارها المستقبلية على الأمة وعلى مصالح الأمة .

إسرائيل – وفق كل المؤشرات – ماضية في تنفيذ مشروعها وكل الظواهر التي نراها أو نسمع عنها لن تكون سوى تكتيك مرحلي لن يكون له من أثر في قابل الأيام، وهذه هي الحقيقة الصادمة التي سوف تكشف غباء الساسة العرب في المستقبل القريب .

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا