المسلمون والقرآن وشعب الإيمان

عبد الفتاح علي البنوس

لليمنيين ارتباط عميق بالله ورسوله وبالدين الإسلامي وبالقرآن الكريم، ارتباط متجذر منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى اليوم، حيث كانوا من أوائل القبائل العربية الذين استجابوا طواعيةً لدعوة الإسلام، وآمنوا برسول الله ودخلوا في دين الله أفواجًا، وسطّروا أروع الملاحم البطولية الجهادية الإيمانية في نصرة دين الله وإعلاء راية الإسلام، فكانوا القادة العظماء، والفرسان الأشداء، والأنصار النجباء الكرماء، الذين أثنى عليهم الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا لهم بالخير والبركة، ووصفهم بـ”الأرق قلوبًا والألين أفئدة”.
هذه الروح الإيمانية، وهذه المواقف اليمانية المشهودة، التي خلدها التاريخ الإسلامي في أنصع صفحاته، كانت ملهمةً للأجيال المتعاقبة في بلد الإيمان والحكمة، حيث ساروا على ذات الدرب، وسلكوا نفس المسلك، فنشأوا وتربّوا على حب الله ورسوله ونصرة دينه وتعظيم كتابه على مر العصور وحتى يومنا هذا؛ لذا لا غرابة أن يتصدّروا المشهد العربي والإسلامي في نصرة دين الله والذود عن حماه، ونصرة رسوله والسير على هداه والتأسّي والاقتداء به، والوقوف في وجه أعداء الله ورسوله من اليهود والنصارى الذين يعمدون ما بين الفينة والأخرى إلى الإساءة إلى رسول الله من خلال الأفلام والرسوم الكاريكاتورية والعبارات والشعارات المسيئة، وكذا الإساءة إلى القرآن الكريم، والتي تتزايد مرارًا وتكرارًا، والتي لن يكون آخرها ما أقدم عليه أحد المسوخ الأمريكية من إساءة للقرآن الكريم من خلال وضعه لنسخة منه في فم مجسّم لخنزير أثناء مهرجان انتخابي يسعى من خلاله لكسب أصوات اليهود الأمريكيين.
هذا التصرف الوقح الذي يمثّل إساءةً لكتاب الله، الذي له رمزيته وقداسته، جاء بمثابة جَسّ نبضٍ من قبل أحفاد القردة والخنازير لردود أفعال أكثر من ملياري مسلم على امتداد المعمورة، وما الذي سيصدر عنهم إزاء هذه الإساءة الكبيرة والوقحة لكتاب الله، وكالعادة أحجم المسلمون في كل أرجاء المعمورة عن التعبير أو التعليق أو الرد عليها، ولزموا الصمت ولم يكترثوا لما حصل، وكأن المسألة لا تعنيهم، أو لا تستحق منهم أي تحركات أو مواقف للرد عليها، ووحده يمن الإيمان والحكمة من تصدّر للموقف، وحمل لواء الأمة للدفاع عن القرآن الكريم، والرد على المسخ الأمريكي واللوبي اليهودي الذي يقف خلفه.
اليمن الميمون، يمن الأنصار أحفاد الأوس والخزرج، غضبًا لله ولكتاب الله ونصرةً للدين، واستجابةً لدعوة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، خرجوا في مسيرات طلابية حاشدة الأربعاء الماضي في مختلف المدارس والجامعات، وتسابق اليمنيون الجمعة الماضية كما هو العهد بهم للساحات في مسيرات مليونيّة حاشدة وغير مسبوقة، تحت شعار (نفير واستنفار.. نصرةً للقرآن وفلسطين) خرجوا وهم يرفعون المصاحف، ويهتفون بشعارات الإدانة والاستنكار للإساءات الأمريكية والإسرائيلية للقرآن الكريم، وأكّدوا على رفضهم لها ووقوفهم في وجه كل من يساندها ويشرعن لها، وجدّدوا دعوتهم لأبناء العروبة والإسلام لاستشعار المسؤولية المنوطة بهم، والواجب المفروض عليهم في نصرة دين الله وكتابه الكريم، والوقوف في وجه كل من يحاولون الإساءة للدين والرسول والقرآن، واتخاذ مواقف مشرفة ترضي الله الكريم ورسوله، وتردع كل من يفكرون بالإساءة لهذه الرموز والمقدسات.
مواقف تشرئب لها الأعناق، يباهي بها أبناء اليمن أمام الله ورسوله وخلقه يوم العرض الأكبر، مواقف تكشف إيمان وغيرة وأصالة وعظمة هذا الشعب العظيم الذي بات مضرب المثل في مواقفه الإيمانية الصادقة التي تأتي في الوقت الذي يتسابق الأعراب على إقامة مواسم الغناء والرقص والمجون والبطولات والمسابقات الرياضية والمهرجانات الترفيهية المختلفة دونما أي اهتمام بقضية الإساءة للقرآن الكريم، وكأنها مسألة هيّنة ولا تستحق حتى مجرد إصدار بيان إدانة من وزارات الأوقاف والإرشاد العربية والإسلامية، أو حتى الخروج في مظاهرة مندّدة بهذه الإساءة الكبيرة التي طالت أقدس الكتب السماوية وهو القرآن الكريم، الكل في حالة من التيه والغفلة والبعد عن الله ورسوله وعن القرآن الكريم، الذي تركوه وراء أظهرهم، وخالفوا مضامين توجيهاته، وساروا خلف مشاريع ومخططات الأعداء، وتحوّلوا إلى خناجر مسمومة تنخر وتطعن في جسد الإسلام والمسلمين.
خلاصة الخلاصة: عارٌ على أمة يربو تعداد سكانها على الملياري مسلم، أن تتفرج على الإساءات المتكررة للقرآن الكريم، دون أن تحرّك فيهم مشاعر الغيرة والغضب، التي شاهدناها منهم عقب حادثة إطلاق النار على حفل يهودي في أحد شواطئ العاصمة الأسترالية سيدني، والتي سارعوا لإدانتها واستنكارها ووسمها بالجريمة الإرهابية، وغيرها من الأحداث التي تشهدها أمريكا وأوربا ما بين الحين والآخر، والتي يكون للأنظمة العربية والإسلامية قصب السبق في إدانتها واستنكارها، ولكن عندما يتعلق الأمر برسول الله والقرآن والمقدسات الإسلامية يصمتون، ولا يبالون، ولا ينبسون ببنت شفة، ووحدهم أبناء اليمن الميمون من يعبّرون عن غضبهم وإدانتهم واستنكارهم، وليتهم يسلمون في مواقفهم الإيمانية من غمز ولمز أبواق النفاق وأدوات العمالة والخيانة واليهوَدَة والتّصهيُن (أشباه الرجال) الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب.
والعاقبة للمتقين.

قد يعجبك ايضا