اليمن نهض للقرآن حين صمت الآخرون

جميل المقرمي

في لحظة إهانة صريحة للقرآن الكريم، خرجت ساحات صنعاء والمحافظات التي لم يدنسها الاحتلال عن بكرة أبيها؛ لا بدافع الانفعال العابر، بل بموقفٍ واعٍ يقرأ المعركة؛ باعتبَارها معركة هُوية وكرامة وسيادة ثقافية ودينية..
الخروج الجماهيري الواسع لم يكن صدفةً ولا فورةً عاطفية، بل نتيجة المشروع القرآني والوعي الجمعي الذي ربط بين السيادة السياسية وحماية المقدسات، وبين الاستقلال الوطني ورفض الهيمنة الأمريكية التي لا تتوقف عن اختبار صبر الأُمَّــة واستفزاز عقيدتها.
حضورٌ كثيفٌ في مناطق سيطرة حكومة صنعاء يطرحُ تساؤلًا عميقًا حول معنى السلطة ووظيفتها، وحول العلاقة بين القيادة والشارع؛ فحين يشعر الناس أن موقفهم يعبِّرُ عنهم، وأن السلطة لا تساومُ على ثوابتهم، يتحول الشارع إلى شريك لا إلى متفرج، وتتحول الساحات إلى منابر موقف لا إلى مساحات صمت.
في المقابل، يفرض الغياب المريب في مناطق سيطرة مرتزِقة العدوان السعوديّ الأمريكي سؤالًا أشدَّ قسوة: لماذا صمتت تلك المناطق أمام إساءة تمس عقيدة المجتمع كله؟ ولماذا غابت الدعوة الرسمية وحتى الشعبيّة، وغابت الإرادَة السياسية، وغاب حتى الغضب العابر..؟
الجواب لا يكمن في خوف الناس، بل في ارتهان القرار لدول أصبحت أمريكية أكثرَ من الأمريكي نفسه، وصهيونية كذلك، وفي هشاشة السيادة، وفي تحويل تلك المناطق إلى ساحات نفوذ بلا قرار مستقل؛ حَيثُ تحسب ردود الفعل بميزان الرضا الخارجي الوصي المحتلّ، لا بميزان الكرامة.
الفارق الجوهري بين المشهدَين أن مَن خرج في صنعاء خرج وهو يشعُرُ أن موقفَه محميٌّ ومتبنًّى، وأن كرامتَه ليست ورقة تفاوض، بينما في المناطق الأُخرى جرى تطبيع الصمت وترويض الغضب، حتى باتت الإساءة تمر كخبر عابر لا كعدوان على المقدس.
ومن باب الإنصاف التاريخي والسياسي، فإن مَن يقف بوضوح وصلابة ضد الإساءة للقرآن الكريم، ومَن يحوِّل الغضبَ الشعبي إلى موقف علني منظم، هو الأجدر بإدارة أمر المسلمين؛ لأنه أثبت بالفعل والقول لا بالخطاب أنه يحرس الثوابت ولا يفرط بها.
أما مَن ينبطح ويصمُت ويتحاشى الموقف ويبرِّرُ العجزَ بالحسابات، فهو يعترفُ ضِمنيًّا بعدمِ أهليته للقيادة؛ لأن القيادةَ قبل أن تكونَ إدارةَ خدمات هي حراسة هُوية وحماية كرامة.
القرآن الكريم لم يكن يومًا شأنًا رمزيًّا يمكنُ تجاوُزُه، بل هو جوهرُ الأُمَّــة وروحها، وأية سلطة لا تتحَرّك عند المساس به تفقد مبرّر وجودها.
لهذا لم يكن الخروج الجماهيري في صنعاء مُجَـرّد تظاهرة، بل كان استفتاءً شعبيًّا على مَن يمثل الأُمَّــة فعلًا، ومَن يقف في صفها حين تمتحن وحين توضع كرامتها على المحك.

قد يعجبك ايضا