حين يُحارَب القرآن.. تُستباح فلسطين

وفاء الكبسي

لم يكن القرآن يومًا كتابَ تلاوةٍ معزولة عن واقع الأمة، ولا نصًّا يُراد له أن يُحاصر بين دفّتين، بل كان – كما أراده الله – مشروعَ هدايةٍ ومواجهة، وكتابَ بناءٍ وتحرّر، وصرخةَ حقٍّ في وجه كل طاغوت. ومن هنا تبدأ حقيقة العداء، ومن هنا يُفهم لماذا يُحارَب القرآن، ولماذا تُستباح فلسطين في الوقت ذاته.
فالمعركة واحدة، وإن تعددت ساحاتها، معركة بين ثقافة قرآنية تحرّر الإنسان من العبودية لغير الله، وبين مشروع استكباري لا يقبل إلا بإنسانٍ منزوع الوعي، مفرّغ الهوية، قابلٍ للتطويع والهيمنة.
لقد أكّد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – أن القرآن ليس كتابًا للتبرّك فقط، بل كتاب موقف، وأن أخطر ما تواجهه الأمة هو أن تقرأ القرآن دون أن تعيه، أو تتلوه دون أن تتحرّك به. وحين يغيب الوعي القرآني، تُستباح المقدسات، وتُحتل الأوطان، ويُزيَّف العدو، ويُقدَّم الصديق في صورة الخطر.
ومن هنا نفهم أن الإساءة المتكرّرة للقرآن ليست فعلًا فرديًا طائشًا، بل سلوكًا سياسيًا موجّهًا، يستهدف ضرب مرجعية الأمة الأولى، تمامًا كما يُستهدف الشعب الفلسطيني لأنه يمثّل الامتحان العملي لكل شعارات الغرب الزائفة. فالقرآن يفضحهم بالكلمة، وفلسطين تفضحهم بالدم.
وقد شدّد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – على أن العداء للقرآن هو عداء للإنسانية جمعاء، لأن القرآن يقف في صف المظلوم، ويكشف حقيقة الظالم مهما ارتدى من أقنعة. ولذلك فإن أمريكا، وهي تتغنّى بحرية التعبير، تسمح بحرق المصحف، ثم تمارس أبشع أنواع القتل والحصار بحق أطفال غزة، دون أن يرفّ لها جفن.
إنها العقلية ذاتها التي وصفها القرآن: «لَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ» طغيانٌ يرى في القيم الإلهية خطرًا، وفي الشعوب المستضعفة عبئًا، وفي فلسطين عقدةً أخلاقية تكشف سقوطه الحضاري.
فكما يُراد للقرآن أن يُفرَّغ من مضمونه، يُراد لفلسطين أن تُفرَّغ من أهلها.
وكما يُراد للأمة أن تفصل الدين عن الموقف، يُراد لها أن تفصل القضية الفلسطينية عن إيمانها. ولهذا يؤكّد السيد القائد دائمًا أن الوقوف مع فلسطين ليس خيارًا سياسيًا، بل مسؤولية إيمانية وأخلاقية، وأن التخلي عنها هو تخَلٍّ عن القيم التي جاء بها القرآن نفسه.
لقد أدرك أعداء الأمة – بوضوحٍ أكبر مما أدركه بعض أبنائها – أن القرآن إذا عاد إلى موقعه الحقيقي في الوعي، سيسقط الهيمنة الأمريكية قبل أن تسقط عسكريًا. لذلك يعملون على تشويهه، أو تحييده، أو تحويله إلى طقوسٍ بلا أثر، لأنهم يخافون من أمةٍ تفهم القرآن كما أراده الله: دليلَ تحرّر، ومنهجَ مواجهة، وبوصلةَ موقف.
لكن معادلة الله لا تُهزم، فالقرآن الذي واجه فرعون ونمرود وأبا لهب، لن تعجزه آلة إعلام، ولن تُسقطه إساءة، ولن تُطفئ نوره حملات تشويه. وفلسطين التي صمدت أمام أعتى آلات القتل، ستبقى – كما يؤكد السيد القائد – قضية الأمة المركزية، ومعيار صدقها، وامتحان وعيها.
اليوم، مسؤوليتنا ليست الغضب وحده، بل العودة الواعية إلى القرآن؛ عودة تُنتج موقفًا، وتصنع وعيًا، وتبني إنسانًا لا يُهزم. أن نقرأ القرآن قراءة الشهيد القائد: قراءة مواجهة لا مجاملة، وقراءة السيد القائد: قراءة تُحسن تشخيص العدو، وتحدّد بوصلة الصراع.
وسيكتب التاريخ – لا محالة – أن أمةً أُريد لها أن تُهزم حين أُبعدت عن قرآنها، انتصرت حين عادت إليه، وأن فلسطين لم تكن قضية أرض فقط، بل قضية وعيٍ قرآنيٍّ قرّر أن لا ينكسر.

قد يعجبك ايضا