غزة تعيش وضعاً صحياً وبيئياً كارثياً : مياه الصرف الصحي تختلط بالمياه الجوفية وانتشار الأمراض والأوبئة في مراكز إيواء النازحين
الثورة / افتكار احمد القاضي
تعيش مختلف مناطق قطاع غزة من شماله إلى جنوبه وضعاً صحياً وبيئياً كارثياً نتيجة العدوان الصهيوني الغاشم، الذي ارتكب على مدى 48 يوما إبادة جماعية بحق أهالي غزة ودمر أحياء سكنية بشكل كامل كما دمّر البنية التحتية في القطاع، وأدى إلى طفح مياه الصرف الصحي إلى الشوارع، واختلاطها بالمياه الجوفية وتلويث الآبار وشبكات المياه.، ناهيك عن تناثر عشرات الجثث وتحللها في الشوارع، فيما لاتزال آلاف الجثث تحت الأنقاض.. وهو ما يفاقم الكارثة التي باتت حاضرة اليوم بقوة في مختلف مناطق قطاع غزة، وستتفاقم بشكل كبير مع دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار الغزيرة التي بدأت فعلاً بالهطول.
يقول محمد أبو باسم وهو نازح في إحدى الخيام الصغيرة بإحدى مدارس الأونروا: «هذه هي المرة الثالثة التي يهطل فيها المطر منذ بدء العدوان، وفي كل مرة نعبئ ونخزن مياه المطر، لكن المطر في الوقت ذاته يغرقنا ولا نجد مكاناً نأوي إليه بعد تمدير منازلنا، وهذه الخيمة الصغيرة كم ستؤوي بداخلها، كما أنه لا توجد حمامات.
ويضيف: مياه الصرف الصحي حاضرة في كثير من الشوارع، والروائح الكريهة منتشرة، لكن الناس تتابع السير فيها وهي مجبرة.
مخاطر كبيرة
بدوره يقول أبو شماله: «مياه الصرف الصحي والأمطار تغرق جميع الشوارع، ولا توجد مياه نظيفة في مراكز الإيواء، ولا قدرة على سحب المياه من الشوارع، ونرصد الكثير من الأمراض المنتشرة في المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، خصوصاً بين الأطفال» ويؤكد أن عدد من الأمراض قد بدأت بالظهور والانتشار وخصوصا الطفح الجلدي، والحميّات، وغيرها.
وحذّرت بلديات غزة من فيضانات قد تغرق المناطق القريبة من برك تجميع المياه، بعد وصول منسوبها إلى مستويات خطرة، فضلاً عن تسرب مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار إلى الخط الناقل للمياه بفعل قصف الاحتلال، ما يعني تلوث المياه الجوفية بالصرف الصحي، مما يهدد صحة آلاف السكان.
وتُعتبر بركتا الشيخ رضوان وأبو راشد من بين أهم برك تجميع المياه في محافظتي غزة والشمال، وهي من بين أكثر مناطق القطاع اكتظاظاً بالسكان، وحال استمرار العدوان الإسرائيلي، فإنها قد تتسبب في كارثة مع تضرر المضخات وتدمير موصلات المياه التي تنقل المياه الزائدة إلى البحر.
تحذيرات
وأطلقت لجنة الطوارئ ببلدية غزة خلال الساعات الماضية، نداءات وتحذيرات متكررة من خطورة تلوث الخزان الجوفي في منطقة بركة الشيخ رضوان، فضلاً عن مخاوف وقوع فيضان بعد أن امتلأت البركة بمياه الأمطار، في ظل توقف المضخات بسبب نقص الوقود.
كما حذّرت بلدية مدينة غزة، من كوارث بيئية خطيرة أخرى ستطال المدينة بسبب الحرب الإسرائيلية والحصار المفروض عليها، أبرزها تراكم جثامين الضحايا في الشوارع، ومياه الصرف الصحي، والنفايات.
وقال الناطق باسم البلدية، حسني مهنا إن «تراكم جثامين الشهداء، وأزمة تصريف الصرف الصحي، وعدم قدرة عمال البلدية على جمع النفايات، تمثل تهديدًا كبيراً لغزة، وتنذر بانتشار الأمراض والأوبئة في المدينة».
وأوضح أنه، «بالرغم من الهدنة الإنسانية والتي شارفت على الانتهاء؛ إلا أن البلدية لم تتسلم أي لتر من الوقود، الأمر الذي يمثل تهديدًا للحياة بالمدينة، وينذر بكارثة على من تبقى من السكان»، مشددًا على ضرورة تسليم البلدية الوقود اللازم لاستئناف عملها.
وأضاف: «البلدية لا يمكن لها تقديم الخدمات للسكان بالوقت الحالي، أو تصريف مياه الصرف الصحي أو إزالة النفايات، أو حتى إيصال المياه الخاصة بالاستخدام اليومي للمنازل السكنية»، مؤكداً أن المدينة تواجه كارثة كبيرة، في ظل تراكم النفايات بشكل كبير في مختلف أحياء وشوارع غزة
وشدد على الحاجة إلى توفير الكثير من المعدات والآليات الحديثة من أجل مواجهة الكوارث البيئية في غزة، وإدخال كميات مناسبة من الوقود خاصة بالبلدية من أجل استئناف عملها في تقديم خدماتها».
كارثة صحية
من جانبه حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من كارثة صحية في غزة، وقال «إن الظروف المعيشية الحالية في القطاع ونقص الرعاية الصحية قد تتسبب في أمراض تودي بحياة عدد أكبر ممن قتلوا جراء القصف الإسرائيلي على القطاع».
وأضاف: «نحو 1.3 مليون شخص في غزة يعيشون حاليا في مراكز إيواء، وأكد أن «الحاجة أصبحت ماسة الآن لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، لأن الأمر أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة للمدنيين».
وأوضح أن الاكتظاظ ونقص الغذاء والمياه ومتطلبات النظافة الأساسية وسوء الصرف الصحي وإدارة النفايات وصعوبة الحصول على الأدوية عواملُ أدت إلى إصابة عشرات آلاف الأشخاص بأمراض مختلفة، من بينها التهابات الجهاز التنفسي الحادة والجرب والإسهال والطفح الجلدي واليرقان وغيرها من الآفات الصحية والأمراض.
تلوث بيئي
بدوره أكد الخبير البيئي أحمد شاهين “أن القطاع يواجه مشكلة تسرب مياه الصرف الصحي إلى مخزون المياه الجوفية، خصوصاً في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وذلك راجع إلى عدم تجديد أو صيانة البنية التحتية منذ سنوات، ما جعلها لا تتحمل الزيادة السكانية، فضلاً عن تضررها خلال تكرار العدوان وتدميره النية التحتية في القطاع”.
وقال: إن جميع طرق مدينة غزة مدمرة، وهذه الطرق تضم الموصلات الأساسية لمياه الصرف الصحي ومياه الأمطار نحو قنوات التصريف. وهو ما يجعل القطاع يعيش أزمة تلوث المياه، ومخاطر بيئية مع اختلاط المياه العادمة ومياه الأمطار بالمياه الجوفية، الأمر الذي يهدد بالكثير من الأمراض والأوبئة التي ستصيب المواطنين، إضافة إلى تلوث المياه والتربة بالمتفجرات التي تمتصها التربة مع مياه الأمطار».
ويضيف: «هناك توقعات بتسجيل حالات وفيات بسبب التلوث البيئي، ونحن أمام أقل معدلات المياه توفراً للفرد في العالم، والمواطن الغزي يعيش حالياً صراعاً لتأمين لترات قليلة ومياً، ليستخدمها في الشرب والغسيل والاستحمام، وهذه كارثة حقيقية
توقف مضخات المياه
ولا يُستثنى جنوب قطاع غزة من الكارثة، إذ تعاني بلديات رفح وخانيونس من عدم القدرة على تشغيل مضخات المياه، خصوصاً في الشوارع التي غرقت، ومنها شوارع قريبة من مدارس الإيواء، فضلاً عن تدمير البنية التحتية، خصوصاً موصلات المياه في شارع البحر في مدينتي خانيونس ورفح، وكذلك مناطق شرقي مدينة خانيونس. وحتى الآن، لم تلبِّ المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع خلال أيام الهدنة حاجة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» من الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه، ومع هطول الأمطار بغزارة خلال الأيام الأخيرة، تعاني البلديات من محدودية القدرة على تصريف المياه المتراكمة في الشوارع، في حين حذر المستشار الإعلامي لـ«أونروا»، عدنان أبو حسنة، من أن مياه الصرف الصحي التي غمرت شوارع القطاع ستؤدي إلى تلوث خطير، وانتشار الأمراض.
ولا تزال طوابير المياه حاضرة في جميع محافظات قطاع غزة، بما فيها مدينة غزة وشمالي القطاع، وقد تمكنت وكالة «أونروا» من إدخال عدد محدود من الشاحنات إلى الشمال، بينما الأمر في جنوبي القطاع أكثر تدهوراً، حيث الاكتظاظ كبير، ما يجعل مهمة الحصول على المياه عسيرة.
واستهدف العدو الإسرائيلي مضخات سحب المياه بالكامل ما أدى لتوقفها عن العمل، في ظل القصف المستمر فضلاً عن الحصار المطبق على القطاع منذ بداية العدوان ونفاد الوقود، والذي بات يهدد المدينة بكارثة كبرى بدأت تظهر بشكل جلي، وستتفاقم مع دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار .