الثورة / حمدي دوبلة
بات من الواضح أن واشنطن طرف رئيسي ورأس الحربة الأولى في العدوان الصهيوني على قطاع غزة الذي دشن أمس شهره الثاني بارتكاب المزيد من المجازر المروعة بحق المدنيين الأبرياء والمرافق الصحية وكل الأعيان المدنية والمنشئات الخدمية في القطاع الذي يعيش وضعاً كارثياً بفعل الحصار الصهيوني الأمريكي الخانق وحرمان قرابة ثلاثة مليون إنسان من الحصول على المياه والغذاء والدواء والوقود وكل أسباب البقاء على قيد الحياة.
التناقض الأمريكي بلغ ذروته خلال الساعات الماضية من خلال حديث إدارة بايدن عن مساع تبذلها للوصول إلى هدنة إنسانية تتيح إدخال المساعدات الإغاثية وتحقيق تقدم في مفاوضات الإفراج عن “الرهائن” في الوقت الذي تؤكد فيه مراراً أن الوقت غير مناسب لوقف إطلاق النار، لإتاحة المزيد من الوقت للإرهاب الصهيوني لمواصلة جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
ويقول محللون سياسيون، أن المظاهرات الشعبية الحاشدة التي خرجت منددة بمجازرها بواسطة “الاداة” نتنياهو حول العالم جعلها تتبنى مرغمة مساع خجولة لإعلان هدنة إنسانية تسير إجراءاتها ببط السلاحف دون أن تبدي رغبة جادة لإنجاز هذه الهدنة التي ربما لن تأتي أبدا وفقا لمراقبين ناهيك عن التململ الدولي من قبل الحلفاء في أوروبا إزاء فظاعة المجازر والانتهاكات التي يمارسها الكيان ضد المدنيين في غزة والذي عبر عنه أمس وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من خلال القول أن ما اسماه “رد الفعل المبالغ به من قبل الإسرائيليين سيجعلهم في النهاية يفقدون دعم المجتمع الدولي”.
وأكد “لا يوجد حل عسكري للصراع … حتى لو تم اقتلاع حماس من غزة، فإن هذا لن يحل مشكلة غزة”. قبل أن يقترح خطة يمكن بموجبها لـ”إسرائيل” تعليق عمليتها العسكرية في غزة مقابل وصول الصليب الأحمر إلى الرهائن في غزة.
وقال بوريل لدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي في بروكسل “أعتقد أن هدنة إنسانية يوازيها الوصول إلى الرهائن مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر كخطوة أولى نحو إطلاق سراحهم هي مبادرة يمكننا العمل عليها”.
وأضاف بوريل “سموها هدنة، أو نافذة أو أي شيء، لكننا بحاجة إلى تراجع العنف واحترام القانون الإنساني الدولي”.
مشيرا إلى أن “المأساة التي تتكشف في الشرق الأوسط هي “نتيجة فشل سياسي وأخلاقي جماعي يدفع الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني ثمناً باهظاً له”.
وبحسب بوريل، فإن “هذا الفشل الأخلاقي والسياسي يرجع إلى افتقارنا الحقيقي إلى الرغبة في حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية”.
أمريكا من جهتها وأمام هذه الضغوطات المتزايدة ارتأت كما يؤكد خبراء ومراقبون اعتماد سياسة المراوغة والمماطلة واللعب على عامل الوقت على أمل أن تحقق من خلال عملياتها العسكرية المباشرة إنجازات حقيقية على أرض الواقع وهو ما لم يحدث شيء منه منذ أسبوع على انطلاق العمليات البرية.
وارتفع عدد الضحايا المدنيين في غزة جراء العدوان إلى أكثر من عشرة آلاف شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال ما يزيد من الضغوطات على إدارة بايدن التي واجهت ذلك خلال الساعات الماضية بالإعلان عن وصول الغواصة النووية من طراز “أوهايو” إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط.
وستنضم الغواصة وهي من طراز “أوهايو” إلى حاملتي الطائرات “آيزنهاور” و”جيرالد فورد” ومجموعة السفن الحربية التابعة لهما والتي سبق أن نشرهما الجيش الأمريكي في المنطقة دعما لعدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة الذي دخل اليوم شهره الثاني.
ورغم محاولة المسؤولين الأمريكيين التظاهر بأن هناك قرار إسرائيلي مستقل عن واشنطن، بغرض ذر الرماد على العيون، والتنصل عن مسئوليتها المباشرة في الجرائم والانتهاكات الجسيمة في قطاع غزة، إلا أن كل الدلائل والوقائع على الميدان تؤكد عكس ذلك وهو ما يجعل واشنطن في مأزق غير مسبوق في مسيرة دعمها اللامحدود للكيان الذي لم يعد قادرا على الصمود من دون وجود مباشر للولايات المتحدة، ويفقد دوره كقوة صدم أمريكية في الشرق الأوسط، بل صار عبئا استراتيجيا على أمريكا وساستها وهي إحدى أهم ثمار ومخرجات عملية طوفان الأقصى المباركة.