
( إن مئات الكيلومترات من السهوب الخاوية الرتيبة العارية لا تستطيع أن تصيبك بهذه الكآبة التي يصيبك بها شخص واحد عندما يجلس ويتحدث ولا تدرى متى سيرحل ) .
لابد أن تشيخوف لم يقل هذا ألا بعد أن عانى من شخص ما لم يفهم متى وأين يتحدث – يتكرر هذا الأمر ملايين المرات في عالمنا الصغير وان كان قليلون هم من يفصحون عن شعورهم بالضيق ممن لايقرأون الوجوه جيدا .
ولا يفهمون مغزى كل حركة أو تصرف تقوم به كي يخففون عنك عذاب كلماتهم التي لا تحتاج إلى سماعها – فمهما عبرت عن ذاتك فلن يفهموا بغير أن تعلن لفظيا عن رغبتك في سكوتهم أو في رفضك لما يذهبون إليه ويستمرون مهما حككت رأسك أو مسحت جبهتك أو قبضت على مقدمة أنفك في حديثهم متجاهلين كل ما تقوم به من حركات إرادية أو لا إرادية أصبحت تعرف الآن بعلم لغة الجسد التي توصل رسائل إلى المتلقى والعكس وتحثه بالتصرف على نحو معين .
يعرف هذا العلم بأنه يختص في دراسة التواصل غير اللفظي التي يقوم بها الجسد وتظهر ما يفكر به العقل ولا يريد اللسان النطق به .ومن خلال هذا العلم أصبح عدد كبير من المتخصصين قادرين على إكمال الحديث الذي لم يكمله المتحدثون سواء كانوا ساسة أو قادة إداريين أو غيرهم ممن يهتم الآخرون بتفاصيلهم .
ويعتمد هذا العلم على التحليل الدقيق لحركات الجسد العادية كما يقول أحمد الكامل مدرب التنمية المعتمد من البنك الدولي في اليمن مضيفا أن كل حركة يصدرها الإنسان تعني الكثير وتعبر عنه أكثر من كلماته ففي حالة قيام أحدهم بمصافحتك ببرود فهذا معناه أنه غير مهتم بك وعليك أن تتعامل مع عدم اهتمامه بجدية فإما أن تتصرف بصورة تجعله يهتم أكثر أو تتوقف عن مناقشته في أمور هامة إلى أن يغير تصرفه ونظرته لك .
جوانب
هناك نقطة هامة ينبه إليها الكامل الذي يعمل مدربا متنقلا في جوانب عدة بينها لغة الجسد وهي أن التثاؤب الذي يصدر عن شخص موجود في نقاش أو جلسة يدل على رغبته في المغادرة وسريعا ما ينتقل هذا الشعور إلى الآخرين ويفهمونة إمöا هرش الرأس فهو يدل على الارتباك ومن الأفضل السيطرة على هذه الحركة ومحاولة كبحها لأنها تنقل ارتباكك إلى المحيطين بك والذين يعيدون ارتباكك إلى عدة عوامل حسب تفسيراتهم فقد يعتقدون انك لست صادقا أو أنك غير مصدق أو غير جاد لما يدور حولك وقد تخسر مهمة معينة بسبب هرش رأسك ولا يوجد من بين الحضور من سيعزوا السبب إلى وجود رغبة طبيعية بهرش رأسك وإنما يفسرون الأمر كموقف وكرسالة وإن لم يفصحوا لك.
ويحدد مدرب التنمية الفرك الذي يشمل مؤخرة الرأس أو العنق بأنه يدل على نفاذ الصبر وينصح توقفوا عن فرك مؤخرة الرأس لأنها تحمل رسالة سيئة الى الموجودين وتدل على ضيق الصدر والبال .
بالنسبة للشخص الذي تحدثه ويغمض عينيه فهو يعبر عن حيرته مما تقول وإن أغمض العينين بصورة غير مكتملة فهو يعبر عن استيائه وغضبه كما أن من تحدثه فينظر إليك من أعلى نظارته فهو يشكك فيما تقول وليس مقتنعا أو مصدقا لك وهو نفس الأمر عندما يتم رفع الحاجبين فيدل على عدم التصديق .
تعابير
يستمر الشك وعدم التصديق في حالة فرك العينين أو الأذنين أو المنطقة القريبة من الأنف وجميعها رسائل توحي بعدم الثقة بالنفس ويفهمها الآخرون بعتبارها تعابير عن عدم القبول للذات أو للآخر ويمكن التعود على تجنب هذه الحركات بواسطة التدرب المتواصل عليها إلى أن تصبح عادة فإن كنت غير راض بما يقول الآخر أو شاك منه فليس من الضروري أن يعرف ذلك من خلال تصرفاتك مع وجهك فقد تكون على خطأ وتفقد التعامل مع من شككت به لا إراديا .
ويعتقد الكامل أن الجميع يمكنهم كبح جماح حركاتهم غير المسؤولة والتي تعبر عن نزعات معينة وعدم القبول بأمر قد يكون فيه خير ويتم التعود على تلطيف الحركات وجعلها أخف حتى لا يصبح المجتمع متوترا بعلاقاته ويفقد الأفراد فرصا بسبب تعابير وجوههم غير المريحة للطرف الآخر .
ويقول نحن اليمنيون نتصرف في أحيان كثيرة مع بعضنا بصورة عفوية تجعلنا كتب مفتوحة لمن أراد أن يقرأها سريعا بلا مجهود وذلك من خلال توارثنا لحركات الوجه والجسد المعروفة بأنها تحمل معان سلبية وتنقل مشاعر عكسية للطرف الآخر فنحن نعتاد على أمور تصبح جزءا من عاداتنا اليومية وتفقدنا الكثير من المزايا منها العلاقات المتينة مع وسطنا الاجتماعي ولنبدأ من أمور بسيطة حتى نصحح مسارنا ولنوقف هرش الرأس أو فرك الأذن عندما يتحدث إلينا أحدهم ولنكف عن التثاؤب في الاجتماعات سواء كانت اجتماعات عمل أو اجتماعات أصدقاء أو حتى مع من لا نعرفهم فهذا التصرف ينشر التململ والاحباط.
