بروباجاندا
يكتبها / علي أحمد بارجاء
تشاهد التلفاز, تسمع الإذاعة, تقرأ في المجلة أو الصحيفة, تسير في الشوارع والطرقات, تصلي في المسجد, ستجد نفسك محاصرا بعدد كبير من الإعلانات, إعلانات عن كل شيء, من أزرار القمصان إلى أضخم السيارات, إننا في عصر البروباجاندا, أو قل إنه عصر الأكاذيب.
ما لفت نظري أن كل إعلان يصف السلعة الذي يروöج لها بأنها أفضل من سواها, والأغرب أنه قد يعرض في قناة واحدة, وفي وقت واحد ثلاثة أو أربعة إعلانات عن ثلاث أو أربع سلع لثلاث أو أربع شركات مختلفة تؤدي وظيفة واحدة, وكل إعلان يصف السلعة بأنها الأفضل والأجود والأقوى والأمتن, صابون, شامبو, معجون أسنان, منظفات مختلفة, وأشياء أخرى كثيرة مادية ومعنوية وفكرية.
يأخذ الإعلان مساحة واسعة من وقت البث التلفزيوني, فيفسد متابعات المشاهدين للبرامج, حتى يضطروا إلى الانتقال إلى محطات أخرى, فيتكرر الأمر, وهكذا تقضي وقتك متنقلا من قناة إلى أخرى, هروبا من هذا العبث, فلا ينقذك منه غير إغلاق التلفاز!
ولم تسلم صفحات المجلات والجرائد منها, بل قد تجد من المجلات والصحف ما تفوق إعلاناتها ما فيها من مقالات. وهذا أمر طبيعي فالإعلان يدر ربحا كبيرا, ويقال ــ والعبرة على من قال ــ أن أحدهم كان يدبöج المقالات ليهاجم كل وزارة أو مؤسسة يمنية لا تنشر إعلاناتها في صحيفته!!
أصبح الإعلان والترويج هاجسا في كل شيء, إعلانات لفعاليات لا فائدة فيها سوى الترويج لنجاح فاشل, ترويج لفكر يتعارض مع الفكر السائد, يعرض نفسه على أنه الفكر الذي يسلك بك الطريق الصحيحة الموصلة إلى الجنة, مقابل غيره الذي يراه سالكا سبيل الجحيم.
مثل هذا الفكر لا يصلح أن يعلن عن نفسه في بلاد نسبة الأمية فيها كبيرة, ولا يوجد فيها اهتمام بالثقافة الحقيقية المعتدلة, التي تنير الطريق الصحيحة, وترسم معالمها, وتوجöه الأجيال إلى ما ينفعها في الدين والدنيا, وتروöج للفكر الصحيح الذي حفظ البلاد من التردي في الصراعات لسنوات طويلة مضت, عاشت في ظلها في أمن وسلام.
إنها البروباجندا بمختلف أنواعها وأشكالها, هي التي يعتمد عليها اليوم كل من يسوöق لبضاعته المادية والمعنوية, بغض النظر عن حقيقتها وأثرها في المجتمع, فكما أن من السلع التي يبذل من أجل التسويق لها, وإقناع الناس بشرائها لجني الأموال الطائلة, أصناف رديئا, ويكشف عن سوئها أول استعمال لها, ففي الفكر الدخيل ما يثبت سوءه ورداءته عند تمحيصه, ومعرفة خفاياه وأسراره لذا فإن منافحة السلعة الرديئة بسلعة أجود وأفضل, هي السبيل إلى الكشف عن السيئ الرديء قبل أن يتورط الإنسان في الاقتناع بها وشرائها واستعمالها.
نحن بحاجة إلى أطباء خبراء, يفنöدون كل سلعة في الأسواق, ويبينون للناس مضارها ومضاعفاتها, وفي المقابل يصفون للناس البديل الأفضل الذي يضمن سلامة العقول والأبدان عند استخدامها استماعا أو قراءة, أو شربا أو أكلا. لأن الشاعر الواعي القديم قد قال ذات يوم:
وكل يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهــم بذاكا