الوجه الآخر للقصة الجميلة

أعتقد أن الحديث قد كثر عن أهمية ريادة الأعمال وإيجابيتها وأنها ستكون أحد أهم عوامل التطور الاقتصادي وأحد الحلول الرئيسية لمشكلة البطالة. ومع كثرة المؤتمرات والمحاضرات التي تحث الشباب على ريادة الأعمال وزيادة التطبيل والحشد والتشجيع (الذي لا زلت أظن أننا في أمس الحاجة له) رأيت أن أسلط الضوء اليوم على الوجه الآخر لريادة الأعمال الذي لا نسمع أحد يتحدث عنه. ربما لم يتحدث أحد عن الوجه الآخر لريادة الأعمال لكي تبقى الصورة إيجابية ولكي ينجذب إليها أكبر عدد من الشباب ومن ثم يكتشف شاب الوجه الآخر بنفسه وربما لم يتحدث أحد عن الوجه السلبي لريادة الأعمال لأن معظم من يتحدث عن ريادة الأعمال لم يكن في يوم من الأيام رائد أعمال مر بتجارب بدء مشروع لهذا فهو لا يعرف أن هناك وجهاٍ آخر للقصة الجميلة. 
البعض يظن بأن صعوبة تأسيس المشاريع الريادية تتشكل في الحصول على التمويل وعندما يتم تأمين الاستثمار تبدأ الرحلة الممتعة من حرية في ساعات العمل ومكاتب جميلة ملونة وألعاب وبالونات واحتفالات تملأ مكتب الشركة ولحظات سعيدة يعيشها فريق العمل معاٍ. وقد تكون هذه الظواهر جزءاٍ من القصة ولكن الحقيقة أن تجربة ريادة الأعمال كانت بالنسبة لي على الأقل من أكبر التحديات التي لازلت أمر بها حتى الآن.
لا يمكن المقارنة بين راحة بال الموظف والقلق العميق الذي يعيشه رائد الأعمال كل يوم فهناك كمية من المصاعب المضمون مواجهتها ابتداء من الحصول على تمويل وتطوير المنتج والتوظيف وإقناع العملاء وإدارة موارد الشركة المالية وتحقيق الأرباح والقتال المستميت للابتعاد عن الإفلاس الذي يهدد الشركة كل يوم. وهذه كلها تحديات متوقعة يدركها كل من هو مقبل على هذه التجربة ولكن الحقيقة أن هناك مصاعب نفسية قد لا تخطر على البال وقلما يتم نقاشها وهذه الضغوط النفسية قد تدفع رائد الأعمال أحياناٍ إلى الاستسلام.
قد نسمع أحياناٍ عن أهمية التوفيق بين العمل والحياة والحقيقة أن أي شخص يريد بناء مشروع او شركة طموحة وغير تقليدية يجب أن يدرك أن هذا المفهوم لا ينطبق على رائد الأعمال نهائياٍ فلكي تحقق النجاح المنشود توقع أن تضحي بكل غالُ ونفيس من أجل نجاح مشروعك وقد يكون أهم وأغلى ما تضحي به هو وقتك وعلاقاتك الاجتماعية.
في البداية قد يكون الأمر سهلاٍ ولكن بعد مرور سنة أو سنتين تبدأ هذه التضحيات بالتحول إلى ضغوط نفسية عميقة فعندما تجد نفسك منهمكاٍ في مشروعك غارقاٍ في تفاصيله تكتشف بأنك أصبحت لا تقضي أي وقت مع أصدقائك وأن علاقاتك الاجتماعية والعائلية أصبحت في وضع سيء جداٍ وربما يصل بك الأمر إلى التقصير في واجباتك الدينية من كثر انغماسك في تحدي النجاح. لا أخفي عليكم أني عانيت ولا زلت أعاني من الكثير من هذه التحديات وقد وصلت إلى نقطة وقوف وتفكر عندما وجدت أن العمل لم يكتفي بـ ?? أو ?? ساعة من وقتي كل يوم بل أصبح يلاحقني إلى أحلامي ووقت نومي!
أحياناٍ الحماس هو ما يشغلني وأحياناٍ الخوف  من المنافسين وأحياناٍ المشاكل مع العملاء وفريق العمل ولأن طموحي كبير فحتى لو اختفت كل هذه المشاكل سيبقى بالي مشغولاٍ في كيفية التحرك بسرعة  لكي نحقق أكبر نجاح. وكل هذه المخاوف تدفعني إلى التضحية بشكل أكبر وإعطاء المشروع المزيد من الوقت والجهد ولا كنه لا يكتفي أبداٍ فدائماٍ هناك المزيد من العمل. حاولت مؤخراٍ البحث عن نقطة تعادل أستطيع من خلالها الوزن بين العمل على المشروع وبين بقية اهتماماتي في الحياة لكني سرعان ما أدركت بأني باختياري لترك الوظيفة وتفرغي لمثل هذا المشروع الطموح فقد التزمت بتضحية غير مسبوقة كثمن لتحقيق النجاح المنشود. لم أفكر يوماٍ بالتراجع والعودة إلى حياة الوظيفة لأنها بالفعل لا تناسبني ولكني فكرت مليئاٍ في تغيير رؤية المشروع من مشروع ريادي طموح إلى مجرد مشروع عادي أعطيه مقدار معين ومعقول من الوقت والجهد واكتفي لكني دائماٍ أتذكر هدفي في بناء قصة نجاح تلهم الشباب من بعدي ولهذا أقرر مواصلة المشوار على مضض مستبشراٍ بأن العمر الافتراضي لفترة بناء مثل هذه المشاريع لا يتجاوز ? إلى ? سنوات.
حديثي لا يهدف لتثبيط همم الشباب المقبلين على ريادة الأعمال وإنما هو محاولة لإكمال صورة تم رسم نصفها وتم تجاهل النصف الآخر. أعتقد أن على كل شخص مقبل على مثل هذه التجربة أن يفكر ملياٍ أهدافه ودوافعه. شخصياٍ أجد نفسي مقتنعاٍ بأني أتخذت القرار السليم وعلى الرغم من كل هذه الضغوط أجد متعة منقطعة النظير ولا استطيع أن أفهم كيف صبرت على السنين القصيرة التي قضيتها كموظف في شركات لم تتحدى إمكانياتي بأي شكل يذكر. إذاٍ قبل أن تتنازل عن وظيفتك المريحة وجدول عملك القصير وساعات الفراغ الطويلة التي يمكنك استخدامها كما يحلو لك وعلاقاتك الاجتماعية وراحة بالك فكر ملياٍ في الوجه الآخر للقصة الجميلة.

قد يعجبك ايضا