خمسة أطباء شرعيين في اليمن تعتمد عليهم النيابة في إصدار العديد من الأحكام القضائية لمختلف الجرائم وعلى مستوى الجمهورية, خمسة أطباء فقط بحاجة إلى تأهيل حديث وإمكانيات لازمة للكشف والاستنتاج وتكبر المشكلة لأنهم يعتمدون على طرق تقليدية في إصدار أحكامهم فيما يتهمهم البعض بالتلاعب في مسألة تحديد الأعمار
كل ذلك أقحم القضاء اليمني في العديد من الإشكاليات بسبب ضعف نتائج الطب الشرعي في العديد من القضايا المبهمة, كما أن بقاء الطب الشرعي تابعاٍ لمن يمثل أحد طرفي الخصومة وهي النيابة العامة يمكن المدعي من صناعة دليله بنفسه حسب قول البعض.. الأمر الذي يؤدي إلى التشكيك بصحة الأحكام القضائية وينذر بكارثة إنسانية.. الثورة فتحت مأساة واقع الطب الشرعي في اليمن نتابع..
مستهل التحقيق كان مع والدة إبراهيم العميسي من محافظة إب التي تناشد الجهات الحكومية والمنظمات الحقوقية بالإفراج عن ابنها المحكوم عليه بالإعدام والتي قالت إن ولدها اتهم في قضية قتل وحكمت عليه المحكمة الابتدائية بالدية ثم عدلت الحكم محكمة الاستئناف إلى “إعدام” بالرغم من أن تأريخ عقد زواجها بوالده يثبت أن عمره وقت واقعة القتل لا يزيد عن 16 سنة كحد أعلى فضلا عن بطلان التهمة الموجهة إليه – حد قولها مشيرة إلى أن تقرير الطبيب الشرعي ينافي الحقيقة إذ أن النظر الشكلي للتعرف على عمر المتهم لا يكفي كدليل قاطع لإصدار هذا الحكم الذي وصفته بغير العادل.
تجاهل الوثائق
ربما هو الحال نفسه مع والد السجين محمد عبد الوهاب القاسم من محافظة إب والذي أوضح بالقول: إن المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالمحافظة قد أصدرتا حكمهما بالإعدام ضد ولده وصادقت المحكمة العليا على ذلك بناء على تقرير الطبيب الشرعي متجاهلين بذلك شهادتي الميلاد والتسنين اللتين تؤكدان أن عمره حال وقوع جريمة القتل المتهم بها لم يتجاوز 16 سنة .. الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات عن واقع الطب الشرعي في اليمن وافتقاده للمعايير الدقيقة والوسائل الحديثة والشروط الثابتة.
خبراء أجانب
رئيس مركز إسناد لتعزيز القضاء القانوني فيصل المجيدي يشرحا لمسألة بالقول: في ظل تعقيد الكثير من وسائل الجريمة التي تحتاج إلى كشف دقيق بعد تطور العلوم هناك الكثير من الجرائم قد يفلت مرتكبوها بسبب عدم توفر الخبراء والإمكانيات لهم للقيام بكشف الأدلة على الجريمة وقد واجه القضاء في اليمن العديد من الإشكاليات بسبب ضعف نتائج الطب الشرعي لعدم اهتمام الدولة ولعل قضية سفاح جامعة صنعاء التي ظهرت في عام 99 تقريبا خير دليل على ذلك إذ اضطرت اليمن بسبب عدم وجود طب شرعي مؤهل لاكتشاف كثير من التفاصيل الهامة – وتحت ضغط الشارع – اللجوء والاستعانة بخبراء من ألمانيا فجاء ذلك الاهتمام لكون قضية السفاح محمد آدم قضية رأي عام.
مؤكداٍ على ضرورة استقلال الطب الشرعي كونه أمر حيوي وهام لعدالة الأحكام.
وأضاف المجيدي: إن حالة الطب الشرعي في اليمن ? تسر خاصة في ظل عدم وجود الكثير من الأطباء والذين حسب علمي يتراوح عددهم بين 5 و8 على مستوى الجمهورية ويتهمهم البعض بعدم الدقة في القيام بمهامهم وآخرون يتهمونهم بالتلاعب في تحديد الأعمار لصالح هذا أو ذاك وهي اتهامات خطيرة تضع الطب الشرعي على المحك وطالب الدولة أن تقوم خلال المرحلة القادمة بإنشاء هيئة خاصة بالطب الشرعي بحيث يتم فصلها عن مكتب النائب العام وتحدد تبعيتها بما ?يضر بالعدالة.
منوها إلى خطورة الجرائم المرتكبة ضد الأطفال خاصة جرائم الاغتصاب والتحرشات الجنسية فالمتهم – وحش في صورة إنسان – غالبا ? يترك الكثير من الأدلة خلفه إما لاحترافه في الإجرام أو لطبيعة الجريمة أو استغلاله براءة وطهارة الضحية, وعندما يبرز الدور الرئيسي للطب الشرعي يمكن تحديد كثير من التفاصيل الدقيقة التي تؤكد وقوع الجريمة وتساعد في الاهتداء إلى الفاعل الحقيقي.
طرف الخصومة
من جهته يوضح المحامي والقانوني خالد الغيثي أن الطبيب الشرعي من الخبراء الذين يتم الاستعانة بهم من قبل المحكمة والنيابة والأطراف في توضيح مسائل فنية تعتبر ضرورية للفصل في القضايا المنظورة أمام المحاكم وباعتبار أن النيابة العامة هي طرف في الخصومة كونها مدعية في الحق العام تظهر خطورة تبعية إدارة الطب الشرعي لها إذ سيكون صدور تقرير الطبيب الشرعي صادراٍ عنها وهو ما يخالف إحدى المبادئ والقواعد القانونية التي تقضي ( بعدم جواز اصطناع المرء دليلاٍ لنفسه ) .
وقال: إن مسالة وجود أحكام بإعدام 33 قاصراٍ وهو عدد قليل جداٍ في الواقع حسب إحصائيات اليونيسيف وسبق وإن تم في 2010م دراسة 86 حالة قاصرين صدرت ضدهم أحكام من المحكمة العليا والمعلوم أن تقدير العمر الذي يتم اتباعه من قبل إدارة الطب الشرعي هو بناء على تقديرات شخصية للطبيب يستمدها من واقع النمو الجسماني التي تظهر له من واقع الأشعة وهي تقديرات غير دقيقة إذ أن علامات النمو الجسماني تختلف من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى ومن عائلة إلى عائلة حسب الظروف المناخية والبيئية والاجتماعية.
وأضاف بالقول: إن اختلاف فقهاء الشريعة الإسلامية بشأن تحديد سن البلوغ لا يستطيع الطبيب الشرعي تحديد عمر الشخص بصفة دقيقة وإنما بشكل تقديري فقد يكون مخطئاٍ أو مصيباٍ مع انه لا يوجد لدى إدارة الطب الشرعي أي أجهزة حديثة تحدد مقدار العمر بطريقة تقل فيها نسبة الخطأ وكذلك ضعف تأهيل الأطباء ومواكبتهم للتطور العلمي في ذات المجال فإن مشكلة تحديد العمر ستظل قائمة سواءٍ استقل الطب الشرعي عن النيابة أو بقيت لهذا تبعيته لها وبين أنه لضرورة معالجة مشكلة تعرض القاصرين للإعدام فإن ذلك يحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد يتم فيها إيجاد سجل مدني يدون فيه بيانات المولود من تاريخ ولادته كما هو معمول به في كل دول العالم مع معالجة الأوضاع الحالية بتوفير أجهزة طبية حديثة وتأهيل الأطباء الشرعيين وتسجيل بيانات جميع المواطنين في السجل المدني.
وسائل بدائية
الطبيب الشرعي الدكتور عبد الرب العريقي يقول فاعلية الوسائل المستخدمة حاليا في الكشف للوصول إلى نتائج دقيقة لا يتم إلا عن طريق الكشف عن أعضاء الجسم الخارجية وهذه الوسائل قد تكون غير مناسبة فضلا عن بدائيتها كونها منقولة من التجربة الهندية والمصرية ولأن دقة النتيجة محكومة بعدة عوامل بيئية ووراثية وحتى نوعية التغذية وعليه فإن الوصول إلى نتيجة صحيحة ودقيقة تكون ضعيفة جداٍ كون الاختلاف في نتائج الكشف قد يظهر بين محافظة وأخرى فكيف الحال إذا كانت بين دولة وأخرى
وحول تشكيك القضاء في نتائج تقارير الطب الشرعي يقول الدكتور فتحي النبهاني أحد أعضاء طاقم الطب الشرعي : القضاء لديه الحق في الشك بالنتائج لعدم دقة الوسائل المتبعة فالأطباء أنفسهم لا يستطيعون الجزم, وعن إمكانية معالجة تلك الاختلالات والمخالفات يوضح النبهاني أن الطاقم الطبي أعد دراسة علمية لمعرفة مدى صحة العمل بالوسائل المتبعة حاليا والبحث عن أساليب طبية حديثة يمكن الوصول من خلالها إلى النتائج الدقيقة إلا أن ذلك المشروع توقف بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة.
غياب العدالة
وأما الدكتور مروان الصبري عضو الفريق الطبي بمكتب النائب العام فيرى أنه لا توجد أي استجابة من قبل إدارة النيابات لمطالب الأطباء الشرعيين لعدم الإدراك بأهمية توفير وتحديث تلك الإمكانيات والوسائل في تحقيق العدالة وتقليل هامش الخطأ في تقدير العمر خاصة في قضايا الدماء والأعراض.
مؤكدا على ضرورة وأهمية استقلال جهاز الطب الشرعي عن مكتب النائب العام كون الأمر لا يستقيم على هذا الحال فبقاء الطب الشرعي تابعاٍ لمن يمثل أحد طرفي الخصومة وهي النيابة العامة يمكن المدعي من صناعة دليله بنفسه كما أن العجز في عدد الأطباء الشرعيين في اليمن مشكلة أخرى لأنهم يعانون من غياب التأهيل وبناء القدرات في مجال تخصصهم ونقص الإمكانيات المادية والبشرية والهضم الكبير الذي يعانون منه في الحقوق والامتيازات .
من جهته تحدث رئيس منظمة سياج أحمد القرشي عن تداعيات غياب الكفاءة لدى الطبيب الشرعي في اليمن وما ينتج عن ذلك من إصدار أحكام تتنافى مع قيم العدالة والواقع, وخاصة فيما يتعرض له القاصرون من أحكام الإعدام دون بلوغهم السن القانونية 18 عاما للحكم.
وقال القرشي: إن السلطات أعدمت خلال الخمس السنوات الماضية ما لا يقل عن خمسة عشر شابا وفتاة على ذمة جرائم قتل ارتكبوها وهم لا يزالون تحت سن 18 عاما وفقا للوثائق التي كانوا يمتلكونها.
وأضاف القرشي: من خلال مراجعة المنظمة لعينات من أحكام الإعدام الصادرة أو من يشتبه في عدم بلوغهم 18 عاما عند ارتكاب الواقعة, وجدوا بأن غالبية الجهات القضائية تأخذ بتقرير الطبيب الشرعي إذا كان يتضمن بلوغ المتهم السن القانونية 18 عاما, في حين يتم رفض التقرير والتشكيك في قدرة الطبيب على تحديد السن بدقة من خلال الوسائل والتقنيات المتبعة إذا كان ينص بأن المتهم لم يبلغ السن القانونية بعد مع أن الوسائل المتبعة لدى الطبيب الشرعي قديمة وتقليدية وقد تتسبب بإعاقة العدالة وتهدد حياة أكثر من 200 قاصر.