لم يكن تصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الأخير عن إسرائيل الكبرى مجرد زلة لسان أو حديثاً عابراً في مقابلة إعلامية، بل هو إفصاح صريح عن أطماع قديمة ورؤية توراتية مزعومة ظل اليهود يحيكون خيوطها في الخفاء لعقود طويلة حتى حانت اللحظة في نظرهم –ليعلنوها بلا مواربة.
إن هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ بل جاء على أرضية صمت عربي مقيت وتخاذل رسمي مفضوح وخنوع بلغ حد التواطؤ مع العدو حتى باتت غزة وحدها في الميدان، بينما الأنظمة العربية تراوح بين بيانات هزيلة أو صفقات مريبة. وهنا، نجد أن التهاون في مواجهة اليهود ليس مجرد موقف سياسي ضعيف بل هو انتحار حضاري وديني، إذ يترتب عليه ضياع الدين والدنيا معاً كما أكّد السيد حسين بدر الدين الحوثي حين حذّر من خطورة اليهود على هذه الأمة مبيناً أنهم لا يكتفون بإذلالنا بل يسعون لاقتلاع كل ما نملك من قيم ومقدسات.
اليهود اليوم لا يتحدثون عن حدود 1967 ولا حتى عن حدود ما قبل النكبة بل عن كيان يتمدد في قلب العالم العربي يبتلع الأرض والهوية والسيادة تحت لافتة «إسرائيل الكبرى» التي تمتد في مخيلاتهم من النيل إلى الفرات وربما أبعد مستندين إلى وعد باطل في كتبهم المحرّفة وإلى واقع عربي مهترئ سهل عليهم التمدد فيه.
التنازلات وقود لمشروعهم التوسعي
لقد أثبتت التجارب أن كل تنازل أمام اليهود لا ينظر إليه في تل أبيب على أنه خطوة نحو السلام بل على أنه اعتراف ضمني بحقهم في المزيد. هذه هي طبيعتهم التي فضحها القرآن الكريم ﴿وَلَن تَرضىٰ عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارىٰ حَتّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾.فكلما مد العرب يدهم بالمبادرات والاتفاقيات، مد اليهود يدهم الأخرى نحو مزيد من الأرض والدماء.
إن تقديم التنازلات أمام اليهود هو أكبر ضربة يمكن أن توجه للأمة، لأنه يعطي العدو الضوء الأخضر للمضي في مشروعه التوسعي ويُفقد الأمة قدرتها على الردع والمواجهة، ويزرع في الأجيال القادمة ثقافة الاستسلام والخنوع.
ومهما بالغ بعض الحكام العرب في خدمة الصهاينة ومهما كانوا خدماً مطيعين لهم، فإنهم في نظر اليهود لا يزيدون عن كونهم أدوات مؤقتة تُستعمل ثم تُلقى. في عقيدتهم، المسلمون خلقوا ليكونوا خدماً لهم وهم لا يعترفون بأي فضل أو ولاء بل يحتقرون كل من يتزلف إليهم. وهذه الحقيقة التي أكدها السيد حسين حين قال إن اليهود ينظرون بازدراء حتى لمن يحاربون أعداءهم نيابة عنهم، لأنهم يرون في ذلك أمراً بديهياً من «العبيد» تجاه «السادة».
إن ما يكشفه تصريح المجرم نتنياهو هو أنهم رغم كل ما حصلوا عليه من خيانة وخدمات لا يرضون ولا يشبعون، لأن الهدف النهائي ليس اتفاقية ولا حدوداً، بل إخضاع كامل للأمة ومحو هويتها.
وأمام هذا الواقع لا يمكن للأمة أن تحمي نفسها إلا بالعودة إلى مصدر قوتها وعزتها: القرآن الكريم وسيرة رسول الله صلوات الله عليه وآله التي جسّدت الحسم في التعامل مع اليهود.
لقد واجههم النبي بالقوة حين خانوا العهود، ولم يمنحهم فرصة لبسط نفوذهم، بل عرّى مؤامراتهم وقطع دابرهم بحسم
إن القرآن ليس كتاباً للتلاوة فحسب، بل هو دستور مواجهة،ومنهج تحرير وصوت يصدح في وجه الظالم: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ… حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ﴾
إن القرآن اليوم ليس مجرد كتاب تلاوة بل هو مشروع حياة، ومنهج مواجهة، وخارطة طريق لتحرير الأمة من قبضة أعدائها. ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدينونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ﴾.
هذه هي اللغة التي يفهمها اليهود: لغة القوة والعزة، لا لغة التنازل والرجاء. وحين تتسلح الأمة بالوعي القرآني، وتستحضر تجربة الرسول وأهل بيته في مواجهة أعداء الله فإنها قادرة مهما كانت الظروف على قلب الموازين.
تصريحات نتنياهو ليست إنذاراً جديداً فحسب، بل هي إعلان حرب مفتوحة على كل ما هو عربي وإسلامي. والصمت عليها جريمة، والتهاون أمامها خيانة، والتنازل عنها انتحار.
إن المواجهة مع اليهود ليست خياراً ثانوياً، بل هي قدر هذه الأمة ومعركة وجود لا معركة حدود. والمنتصر فيها سيكون من حمل القرآن منهجاً ورفض الذل والخضوع مهما كان الثمن.
أما أولئك الذين يراهنون على رضا العدو، فسوف يكتشفون إن لم يكونوا قد اكتشفوا بعد أن اليهود لا يرضون حتى يبتلعوا كل شيء، وحينها لن تنفع الندامة.