إنّ قضية فلسطين قضية عربية إسلامية وهي في وجدان كل عربي ومسلم يشعر بانتمائه لهذه الأمة وينبض قلبه بالإيمان الصادق ويجيش صدره بعزة الإسلام ، ذلك أن فلسطين تحوي القدس التي لها مكانتها الدينية المرموقة التي اتفق عليها المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم .
فالقدس هي القبلة الأولى التي توجه إليها الرسول صلى الله عليه وآله سلم و أصحابه منذ أن فرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنوات وظلت القدس قبلة المسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة ستة عشر شهراً حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة قال تعالى { و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } .
كما أنّ القدس هي منتهى الإسراء ومنطلق المعراج إلى السماء وفيها أمّ الرسول صلى الله عليه وسلم الأنبياء في المسجد الأقصى – على أرجح الأقوال – وفي ذلك دليل على ختم الإسلام للنبوات وشموله للرسالات السماوية السابقة ، وبدء الإسراء من المسجد الحرام وانتهاؤه بالمسجد الأقصى فيه ربط للمسجدين لن يزول مهما فعل اليهود ، يقول سبحانه وتعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير }2 ، ثم إن المسجد الحرام هو ثالث الحرمين الشريفين : الأول هو المسجد الحرام في مكة ، والثاني هو المسجد النبوي في المدينة ، وثالثهما هو المسجد الأقصى في القدس قال صلى الله عليه وآله سلم ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا).
والقدس قبل كل هذا أرض النبيين ودار المرسلين ومأوى الصالحين ،أرض المحشر والمنشر، مُهَاجر الخليل إبراهيم ، وديار أيوب و محراب داؤود ، وعجائب سليمان ومهد عيسى عليهم جميعاً السلام .. أرض البركة التي وصفها الله بأنها مباركة في خمسة مواضع في القرآن هي:
قوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله .. } .
قوله تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } .
قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا .. }
قوله تعالى {ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها}قوله تعالى { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير.. }.
إن القدس في الاعتقاد الإسلامي سامية المكانة ، عالية المـنـزلة ، عزيزة الحمى .. الأمر الذي يستوجب على المسلمين ـ جميعاً ـ الغيرة عليها من أن يدنسها اليهود ، والذود عنها من اعتداء الآثمين وبذل الغالي و المرتخص في سبيل تحريرها ورد المعتدين عنها .
وعلماء المسلمين مطالبون بدور كبير في دعم قضية فلسطين والقدس ويتجلى هذا الدور في أصعدة ثلاثة :
الصعيد الشعبي .، الصعيد الرسمي .، الصعيد الدولي .
دور علماء المسلمين على الصعيد الشعبي في التوعية والإرشاد
في ظل واقع عجز السلطة الفلسطينية والاستسلام العربي والوهن الإسلامي والاستكبار الأمريكي والتجاهل العالمي يمكن لعلماء المسلمين أن يقوموا بدورين رئيسيين : أولهما دور توعية و إرشاد والثاني دور تعبئة و جهاد.
وهذا يتضمن التوعية بالأمور الآتية :
1) الموقف من قضية السلام :
إنّ السلام المزعوم الذي يقتضي تسلم الفلسطينيين جزءاً من أرض فلسطين مقابل اعترافهم بالكيان الصهيوني سراب خادع لن يدوم طويلا للأسباب الآتية :
الشعوب المسلمة ممثلة في تجمعاتها القومية و الوطنية والإسلامية أجمعت على رفض هذا السلام المزعوم وعده استسلاماً لا سلاماً ، وتنازلاً عن حقوق ضخمة لا تملكها السلطة الفلسطينية.
فلسطين ليست ملكاً للفلسطينيين بل ملك للأجيال المسلمة إلى قيام الساعة والتنازل عن شبر منها لا يجوز .
اليهود لن يسلموا شبرا من أرض فلسطين للفلسطينيين إلا وهم مكرهون ومتى زال الإكراه عادوا للتوسع واغتصاب الأراضي .
السلام يخدم أهداف الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة ويساعده على وأد الانتفاضة الفلسطينية و إثارة النـزاعات بين أهلها ، كما يحملهم على الإقرار بحق المغتصب وتبعيتهم له ، كما لا يخفى أنّ هذا السلام الموهوم يعمل على اختراق العالمين العربي و الإسلامي .
يجب التأكيد على خطورة الاعتراف بالكيان الصهيوني ، وبيان خطل مقولة أنّ السلام هو الخيار الاستراتيجي الأوحد لحل القضية، و تثبيت خيار المقاومة و الجهاد بشتى صوره و أشكاله .
2) الموقف من فرية الحق التاريخي و الديني لليهود في فلسطين :
كثير من الناس التبس عليهم أمر الصراع بين المسلمين واليهود وذلك من تأثير الآلة الإعلامية الغربية الفعالة حتى أصبح بعضهم يصدق أنّ لليهود حقاً تاريخياً و دينياً في فلسطين ، هذا الاعتقاد الخاطئ يوجب توعية الشعوب العربية والمسلمة بالحقائق التالية :-
أولاً : فرية الحق التاريخي : لا حق لليهود في القدس ولا في فلسطين إذ أنَّ القدس عربية إسلامية فالمعروف تاريخياً أنّ الذي بنى القدس هم اليبوسيون وهم العرب القدامى الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية مع الكنعانيين. وسكنوها إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام مهاجرا من وطنه الأصلي بالعراق غريبا وولد له اسحاق عليه السلام الذي ولد له يعقوب عليه السلام الذي ارتحل بذريته إلى مصر ( معنى هذا أن ابراهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام دخلوا غرباء إلى فلسطين وخرجوا غرباء لم يمتلكوا فيها شيئا ) .
كذلك مات موسى عليه السلام ولم يدخل أرض فلسطين وإنما دخل شرق الأردن والذي دخلها بعده يشوع ( يوشع) وبقي فيها حتى الغزو البابلي الذي سحقها سحقا ودمر أورشليم وأحرق التوراة . ” فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها – أي اليهود – في فلسطين غزاة مخربين ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في إندونيسيا ” فمن أين لهم الحق التأريخي فيها ؟
والأدلة التاريخية تؤكد أنّ أكبر رقعة استطاع الكيان الصهيوني السيطرة عليها في أي وقت من الأوقات لم تكن في العصور القديمة وإنما في العصر الحديث عند احتلالها مجمل أرض فلسطين ومرتفعات الجولان وجنوبي لبنان وأرض سيناء وكان ذلك للمرة الأولى عام 1967 م .. إن الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين فرية شوهاء وكذبة بلقاء ، لا تقوم على ساق ولا تنهض بها حجة وهي أوهى من بيت العنكبوت.
ثانياً فرية الحق الديني : القول بأنّ لليهود حقاً دينياً في فلسطين لا يقوى أمام التحقيق العلمي وإعلان أنّ تأسيس الكيان الصهيوني تحقيق للنبوءة التوراتية التي تقول ” إنَّ الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعطي لنسله أرض فلسطين وكذلك وعد ابنه اسحق وحفيده يعقوب -الذي سموه إسرائيل – وسمو فلسطين أرض المعاد … كل ذلك وهم كبير .. فإنّ أولى الناس بإبراهيم هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه كما ورد في القرآن {إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتّبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا } . فالإمامة لا تنتقل بالوراثة {قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } .
ثم أليس إسماعيل جد نبينا عليه السلام من نسل إبراهيم؟ فلماذا فهم اليهود أنّ النبوءة لا يدخل فيها إسماعيل عليه السلام وهو الابن البكر لإبراهيم عليه السلام .. إنّ منطق استيلاء اليهود على فلسطين لا يسنده شرع ولا يقره دين وكل تبرير لهم ما هو إلا اختلاق و كذب.
3) الموقف من المشروع الصهيوني :
إن واقع عجز السلطة الفلسطينية والاستسلام العربي والوهن الإسلامي والاستكبار الأمريكي والتجاهل العالمي فتح الباب على مصراعيه للمشروع الصهيوني ليتمكن ويمضي في طريق السيطرة على المنطقة كلها اقتصادياً و ثقافياً و أمنياً و سياسياً .. تحقيقاً لفكرة إسرائيل الكبرى.. قاعدة الحضارة وقائدة الديمقراطية.. مستخدماً في ذلك سلاح السلام والتسوية والتطبيع و نحوه من الوسائل..
إنّ التهوين من خطر المشروع الصهيوني دفنٌ للرؤوس في الرمال .. فقد هوّن البعض من خطره قبل خمسين عاماً ، و قال كيف يمكن لدويلة صغيرة أن تهيمن على منطقتنا و أمتنا، وهاهي الدويلة الصغيرة تفرض وجودها على الحكومات العربية و الإسلامية وتملى شروطها و تهدد و تتوعد .. وها هي أمتنا تدين وتشجب و تستنكر ولا تكاد تتجاوز ذلك.
يجب على علماء الأمة فضح المشروع الصهيوني وتعريته ..وذلك بــ :-
أ. فضح اليهود وطبيعتهم
ب. مواجهة التطبيع وأخطاره
أولاً : فضح اليهود وطبيعتهم
على علماء الأمة أن يعرِّفوا الشعوب بعدوها ..مستندين إلى القرآن الكريم وما فيه من وصف مفصل لليهود وعلى السنة المطهرة ثم كتب اليهود المقدسة عندهم كالتوراة وأسفار الأنبياء والتلمود و الماشناه وكتب التاريخ وكتابات المعاصرين عنهم – المسلمين وغير المسلمين – المكتوبة باللغة العربية أو غيرها من اللغات مثل كتاب أحلام الصهيونية وأضاليلها للمفكر الفرنسي المسلم “رجاء جارودي” ، ومن الواقع المعيش فبين أيدينا تجارب كثيرة في الحرب والسلم وسلسلة من الهدنات والاتفاقات والمعارضات كلها تبين أنّ اليهود لا يعرفون غير منطق القوة وأنهّم لا إيمان لهم ولا عهد ولا ذمة وأنّ أبرز صفاتهم هي العنصرية فهم يرون أنفسهم شعب الله المختار وما سواهم أميين ليس عليهم منهم شيء والعنف والطبيعة العدوانية متأصلة فيهم فقلوبهم قاسية كما وصفهم القرآن الكريم وتطلعاتهم التوسعية لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل لا تخفى بل هم يريدون السيطرة على العالم كله ، ثم كذلك من صفاتهم التحرر من الأخلاق وعدم ثباتها واستخدام المعايير المزدوجة : معيار مع النفس ومعيار مع الأغيار ( الأميين ) { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } ، وهم يرون أنّ الغاية تبرر الوسيلة ويحترمون العهود والمواثيق متى ما كانت في صالحهم ويتجاهلونها متى مالم ترق لهم وهم أحرص الناس على حياة وأكثر الناس شحاً وحباً للمال.. كل هذه المعاني وما شاكلها تحتاجها الشعوب المسلمة لتعرف عدوها وتقدره قدره وتعد العدة المناسبة لدفعه .. وهذا هو واجب العلماء والدعاة إلى الله.
ثانياً: فضح التطبيع وخطورته :
أخذ التطبيع مع العدو الصهيوني صوراً عديدة منها:
التطبيع الدبلوماسي : ومن ذلك الاعتراف بدولة لليهود في فلسطين ، وتبادل البعثات الدبلوماسية معها واعتبارها دولة جوار و إشراكها في البيئة و المياه
التطبيع الاجتماعي : ومن ذلك دمج اليهود في المجتمعات العربية و المسلمة عن طريق السياحة و الرحلات ونحوه
التطبيع الثقافي و الإعلامي : ومن ذلك دخول اليهود في المجتمعات العربية و المسلمة عن طريق المؤتمرات والندوات والمعارض والمهرجانات والسينما والمسرح والصحافة والإعلام والجامعات ومراكز البحث العلمي
التطبيع التربوي : ومن ذلك توجيه المناهج الدراسية والبرامج التعليمية ـ في بعض الدول العربية ـ عن طريق حذف كل ما يتعلق باليهود ويكشف حقدهم و تآمرهم على الأمة .
التطبيع الاقتصادي : ومن ذلك فتح الأسواق العربية والإسلامية لبضائع الكيان الصهيوني.
إن الشعوب العربية والمسلمة ترفض التطبيع الظاهر و الخفي كما ترفض الاعتراف العلني والضمني بالكيان الصهيوني فعلى علماء المسلمين أن يحافظوا على هذه الجذوة متقدة ويقاوموا كل سعي نحو التطبيع مع العدو وذلك بـ :
أ / دعوة الشعوب لمقاطعة الكيان الصهيوني اقتصادياً وذلك بمقاطعة السلع والبضائع القادمة منه ، وذلك لحرمتها لأنّ أرباحها تقوي اليهود على إخواننا في فلسطين، وواجبنا أن لا نعينهم على ذلك ، كذلك تجب مقاطعة البضائع الأمريكية شجباً لموقف الإدارة الأمريكية المتذيل أبداً للصهاينة والداعم للعدوان على مقدّساتنا ، وكذلك الشركات التي يقف من خلفها اليهود في كل بلاد العالم .
ب / وقف التعامل مع الكيان الصهيوني دبلوماسياً و تجارياً و ثقافياً و نحوه
د / إعلان أن السفر إلى الكيان الصهيوني لا يحل لمسلم ولو بدعوى الصلاة في المسجد الأقصى فإنما يشد المسلم رحاله إلى هذا المسجد حينما يتحرر من سلطان اليهود .
هـ / مقاومة الغزو الثقافي للكيان الصهيوني ومقاومة التبشير بسياسات التطبيع وخاصة التطبيع التربوي و ما يتضمنه من تغيير في المناهج التعليمية إرضاء لليهود ، ومقاومة كل محاولة لاختراق العقل العربي والإسلامي .
4) فلسطين.. قضية الأمة العربية والإسلامية :
من الخطأ الجسيم أن يظن بعضهم أن قضية فلسطين شأن فلسطيني يخص الفلسطينيين وحدهم ، والأصل أنهَّا قضية الأمة عربيها ومسلمها ، ويتعين علي الجميع العمل على حلها ، ذلك لجملة أسباب منها:
أ- فلسطين أرض عربية إسلامية لها مكانتها المقدسة السامية التي تستوجب على الجميع ـ إسلاميين وقوميين ووطنيين ـ العمل على حلها
ب- قضية فلسطين تعتبر قاسماً مشتركاً بين كل التيارات العربية و الإسلامية فهي همٌّ إسلامي وهاجس وطني وأرق قومي .
ت- المشروع الصهيوني لا يرمي إلى احتلال فلسطين وحدها بل يهدف إلى إسرائيل الكبرى التي تمتد من الفرات إلى النيل ويهدد الأمة بأسرها فالخطر يطال الجميع .
مواجهة المشروع الصهيوني المتعدد الأذرع تتطلب العمل على الأصعدة كافة: اقتصادياً وثقافياً وسياسياً و إعلاميا – صحافة وإذاعة و تلفزيون ومسرح – واجتماعياً وهذا لا يتم إلاَّ بتضافر الجهود ، وتوحيد الصفوف ، ومشاركة علماء الأمة ومفكريها وقواها الحية من فصائل جهادية وتنظيمات سياسية وتجمعات قومية في هذه المعركة .