أنس القاضي
رغم تبدلات البناء الفوقي، بشكل محاصصي، في حكومة «باسندوة» إلا أن ذات السُلطة السائدة بجناحيها منذ 94م وقفت عاجزة في ظل تلك الحكومة عن حل جوهر القضية اليمنية، بتلبية مطالب الشـعـب في الحـريّة وبناء دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، المطالب التي فجرت ثورة 11 فبراير، فأعلنت بعجزها هذا عن موت مستقبلها، وهوَ الموت الذي يَظهر اليوم في انحياز هذه القوى التي ربطت مصيرها في الواقع اليمني، بانتصار تحالف العدوان الأجنبي.
عجزت حكومة “الوفاق” من موقعها السياسي عن التأثير الفعال في الواقع السياسي الاجتماعي الاقتصادي، على الرغم من أن هذه الحكومة كان لها استقلال نسبي عن سلطة مراكز النفوذ التاريخية، حيث استوعبت أحزاباً من خارج مراكز النفوذ والهيمنة، إلا أن الفساد تضاعف في تلك الحكومة، واحتدم الاستقطاب الحزبي داخل مؤسسات الدولة، وانتقلت المعارك إلى المرافق الحكومية، في سعي حثيث متبادل بين أطرافها، لنهب أكبر قدر من المال وتحصيل المكاسب غير المشروعة.
بدأ مسار مؤتمر الحوار الوطني سلساً محكوماً بالتوافق كشكل مرحلي للديمقراطية، وطرحت فيه رؤى وحوارات جادة، في ظل مستوى عالٍ من الحُرية في التعبير، إلا أن القوى النافذة والأطراف الدولية، لم تكن تريد لمؤتمر الحوار أن يصبح فرصة لحل هذه القضايا بمشيئة وطنية، بما يغير من الواقع السائد وينسف مصالح قوى التسلط والنفوذ المحلية، ومَا يربطهم من قوى دولية، فبرزت مساعٍ دولية ومحلية إلى توجيه مؤتمر الحوار الوطني وإعاقته، وهوَ ما حدث في نهاية الامر.
بقاء ذات الممارسات السلطوية والقوى المسيطرة، وعدم تحقق آمال الجماهير، اشترط استمرار النشاط الجماهيري في كيفية جديدة، بانخراط قطاعات واسعة من الشعب، بالعملية السياسية من خلال تناولهم القضايا اليومية الجوهرية في الجرائد والصحف والمقايل، جعلتهم أكثر قدرة على إدراك الواقع، ما كثف الاجماع الشَّـعْـبي حول مسألة التغيير ورفض الواقع، المشوه، أي القناعة بالحاجة إلى ثورة جديدة تصحح مسار فبراير 2011م فكانت ثورة 21 سبتمبر 2014م هي التعبير الموضوعي عن هذا الانفجار وعن هذه الحاجة الى حل القضايا، وتصحيح مسار مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
الجرعة محفز لا باعث
قرار الجُرعة السعرية كان محفزاً جماهيرياً للقيام بثورة 21 سبتمبر الشعبية، تلمسه انصار الله فأخذوا بأيدي الجماهير المتضررة من الجرعة، ولم تكن الجرعة هي السبب والباعث الجوهري للثورة ،فالباعث الجوهري هو تعطل المسار الديمقراطي التنموي ونكسة ثورة 11 فبراير، وقد قامت ثورة 21 سبتمبر على مسارين أولاً اجتماعي ثوري لمعالجة المسألة الاقتصادية الملحة المتمثلة بقرار الجرعة وفي هذا المسار الاجتماعي جاءت الثورة ايضاً امتداداً للانتفاضات الفلاحية في الريف الشمالي ضد هيمنة بيت الأحمر، والمسار الآخر المولد للثورة ديمقراطي وطني بمواجهة الهيمنة الخارجية التي تجلت في التعنت والديكتاتورية التي كانت تُحسم بها قضايا مؤتمر الحوار الوطني، حيث تمرد هادي على التوافق بشأن مسألة شكل الدولة (الاقاليم) مستنداً إلى الدعم الأجنبي، وأقصى مكونات رئيسية مثل أنصار الله والحزب الاشتراكي والحِراك الجنوبي والتجمع الوحدوي والتنظيم الناصري من الدخول في الهيئة الوطنية لصياغة الدستور ورفض اشراك بعض المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار بمسألة الاشراف على إعداد السجل الانتخابي الجديد للاستفتاء على الدستور الجديد.
ثورة كل الشَعب ومصالح كل الوطن
أخذت الثورة الشعبية 21 سبتمبر2014م شكلاً جماهيرياً واسعاً من حيث الكم، فكانت استفتاء شعبياً ديمقراطياً على مشروعية التغيير، ومتنوعاً من حيث الكيف حيث استوعبت اليمنيين بمختلف اتتماءاتهم حيث غمرَت معظم المحافظات الشمالية وأجزاء من المحافظات الجنوبية واستوعبت في اتفاق السلم والشراكة هموم الجماهير الجنوبية، في الشراكة الندية بين الشمال والجنوب وإعادة النظر في شكل الدولة، الذي أقرَّهُ هادي بطريقة لا موضوعية من خارج التوافق الوطني الحاكم لمؤتمر الحوار الوطني.
وقد برزت المضامين الديموقراطية لثورة 21سبتمبر، وفي ممارسة أنصار الله، من قبل تاريخ 21 سبتمبر 2014م فلم يكن اتفاق السلم والشراكة اضطرارياً من خارج القناعة، وتجلت هذه الميولات الديموقراطية بشكل واضح في الاتفاقيات بين أنصار الله وأبناء المناطق الريفية في عمران بعد الإطاحة بمشيخات الأَحْمَر، والاتفاقات السابقة للإطاحة ببيت الأَحْمَر وبعدها، والتي كانت جلها تؤكد على المسائل الديموقراطية، من أمان حُرية التنقل، وحرية الفكر واحترام الرأي، ومزاولة الأنشطة الثقافية بشكل سلمي، وحرية الانتماء والتعددية السياسية.. ونجد هذا النص في إحدى الاتفاقيات بين أنصار الله وأبناء قرية الخضر 23\4\2014م، وهي البنودُ التي تتكرّر ببقية الاتفاقيات والوثائق سواء العُرفية الخالصة أَوْ التي يتم بها تشكيل لجان رئاسية، حيث جاء فيها: “لكل إنْسَـان الحق في الفكر وعدم فرض أيّ رأي وأن يسودَ الاحترام المتبادل بين أبناء القرية، لأنصار الله الحق في ممارسة مشروعهم الثقافي في الإطار السلمي، وتعليق اللافتات والمنشورات عدا الأماكن الخاصة إلا بإذن أهلها”.
وتأخذ ثورة 21 سبتمبر بعدها الديمقراطي الواضح الذي تبلور سياسياً، بتعبيرها المؤكد على اتفاق الاخوة والشراكة، في اتفاق “السلم والشراكة الوطنية”، والدفع باتجاه تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وتصحيح هيئة الرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، التي أُقصت منها قوى سياسية رئيسية مشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، وإعَادَة تشكيل الهيئة الوطنية لصياغة الدستور بشكل ديمقراطي يستوعب كُلّ القوى التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، وإسْقَاط القرار الديكتاتوري لهادي بشأن شكل الدولة الذي تم بطريقة تعسفية ولم يراع مبدأ التوافق الحاكم للمرحلة.