■ العدوان يُدمر صناعته الوطنية والحصار يفتح أبواب التدوير والتزوير والضحية المرضى:
■ أدوية الأمراض المزمنة والباهظة الثمن تتعرض لعدوان لا إنساني وتزوير وتهريب
تحقيق / رجاء عاطف
عدوان دماء ودمار وحصار شامل خلال أكثر من عام ونصف وزاد الوضع الإنساني كارثية غش وتزوير لتجار حروب بالأدوية في ظل غياب دور الجهات الرقابية .. أدوية معبأة دونما علم بنسبها والتركيبة الدوائية وكأن الأمر تحضير وصفة شعبية فيصبح الدواء دون أدنى مفعول أو يتحول إلى سم قاتل متسببًا بحدوث أمراض خطيرة ومزمنة.. التفاصيل في التحقيق التالي:
شركات توقفت عن استيراد الأدوية وأخرى صمدت وتعاني في الحصول على العملة الصعبة وتتكبد مشكلة فارق الصرف، إضافة إلى عدم وجود تحويلات بنكية للخارج أو أرصدة في الخارج.. هذا ما قاله الدكتور فؤاد الشرفي– مدير مبيعات بشركة الجيش للأدوية والمستلزمات الطبية والذي أضاف: إن أجور التحويل الخارجي زادت وزيادة تكلفة النقل عبر البحر إلى جانب الحصار ومنع دخول البواخر التي تنتظر طويلاً في البحر وتتضاعف أجور الحاوية أضعافاً مضاعفة، إلى جانب احتمالية فساد البضاعة على المورد فضلاً عن المخاطر ما أدى لامتناع كبار التجار عن الاستيراد باستثناء كميات قليلة جداً من حين لآخر.. ويتابع الشرفي حديثه: كانت الشركات تعطي تسهيلات بضاعة آجل وتسهيلات أخرى، أما الآن لا تصنع الدواء إلا بعد أن تستلم المبلغ كاملاً ومن ثم تسلم البضاعة، حيث كان في بداية الحرب يطلب من الوكيل في اليمن إعطائه نصف المبلغ عند الشحن فيتعثر بعض التجار في إرسال المبلغ في الوقت الذي قد أنتج له المصنع البضاعة فلا تصل إلا بعد 4 أشهر وذلك هو ما أوجد الشحة في الأدوية.
خارج التوقعات
ويوافقه الرأي الدكتور صفوان الناشري -مدير التسويق بشركة سما فارما للأدوية والمستلزمات الطبية: بأن شحة الأدوية في السوق بسبب الصعوبات التي يواجهونها في الاستيراد وعرقلة الشحنة المرسلة لليمن والتي لا تصل إلا بعد أشهر. وعن معرفته بتزوير تجار تاريخ الانتهاء لبعض الأصناف وبيعها مستغلين شحة الدواء في اليمن، قال الناشري: لا نتوقع أن تحدث مثل هذه الأمور في سوق الدواء ولم تحدث مسبقاً.
الاختلاف الخفي
فيما أكد أحد الصيادلة الذي طلب عدم كشف اسمه في التحقيق للخصوصية، وجود أصناف دوائية مقلدة ومهربة أجبرت المستوردين الرسميين لكثير من الأصناف الدوائية بتخفيض سعر الدواء لوجود أصناف لنفس المنتجات ونفس الشركات بأسعار تصل إلى نصف سعر الوكيل وهي أدوية الأمراض المزمنة.. وقال: كثير من المرضى الذين استخدموا أدوية لشركات لأول مرة نصادفها لم يلاحظوا اختلاف المفعول بل على العكس أحجم الكثير منهم عن شراء صنف الوكيل ويفضل المهرب لأنه لا يوجد اختلاف في مفعول المنتجين، مشيراً إلى أنه لولا وجود بعض من هذه الأصناف بالصورة غير الرسمية لأضطر المريض مرغماً لشراء الصنف الخاص بالوكيل مهما كان الثمن خاصة للأمراض المزمنة، وهنا يقول: نحن لا نشرعن للخطأ حتى ولو كان إتيانه من باب الصواب، لكن مروراً بالوضع الذي تمر به البلاد أصبح من باب تخفيف العبء على المريض المطحون اقتصادياً أن تراعي الجهات الرسمية ظروفه وليدخل الدواء المزور والمهرب وإلا سيموت المرضى.
وكما وضع مقترحاً للأخوة في الهيئة العليا للأدوية وتقديراً للوضع الراهن الذي تمر به البلاد والحصار الجائر وآثاره الاقتصادية على البلد عموماً بأن يتم أخذ عينات من الأصناف الدوائية الموجودة حالياً في الصيدليات ومحلات الأدوية بصورة غير شرعية وعلى وجه التحديد ما يخص الأمراض المزمنة ويتم تحليلها في مختبر الرقابة الدوائي وعلى ضوء ما يسفر عنه التحليل نتخذ معاً كسلطة عليا وسلطة محلية القرار الأنسب وننفذه سوياً بإمكاناتنا المتاحة حالياً على أرض الواقع ما استطعنا لذلك سبيلاً؛ كون القرار سيكون مبنياً عن علم يقيني بمدى كارثية هذه الأصناف.
وآخر رفض ذكر اسمه في الموضوع تحدث أنه يوجد في السوق أدوية مجهولة المصدر وبعضها معاد تعبئته أو تم تقليده في اليمن ما يفرض على الهيئة العليا للأدوية أن تراقب الصيدليات في الأحياء وتحديد الأسعار بما يناسب الواقع والنظر في شكاوى الصيادلة من رفع بعض الشركات لبعض الأصناف بمبالغ تتعدى الـ 60 % وبعضها للضعف.
تكامل القطاع الخاص والعام
وعن مشكلة استيراد الأدوية تحدث الدكتور فضل حراب -رئيس نقابة الصيادلة قائلاً: إن وزارة الصحة قد توقفت عن استيراد الأدوية بالمناقصات مما أوجد مشكلة كبيرة على أن القطاع الخاص هو الوحيد الذي يستورد الأدوية لتغطية الخدمات في اليمن، مضيفاً إن الكثير من الأدوية والمحاليل تأتي هدايا أو معونات من قِبل المنظمات الدولية وهذا خفف عبئاً كبيراً من المشكلة الحاصلة فوزارة الصحة ليس لديها أي ميزانية للدواء ولن تستورد؛ لأن في الوزارة تغييرات للإدارات والوكلاء وهم مهتمون بالكراسي أكثر من أن يقوموا بتوفير الأدوية أو المستلزمات أو توفير الأطباء للأرياف والقيام بالخدمات في المناطق البعيدة، وأضاف إن الأدوية المتوفرة حالياً لولا أن هامش الربح ساعد كثيراً من الشركات بالرغم من ارتفاع سعر الدولار على أنها تستوردها لكانت قد توقفت قبل فترة طويلة والأدوية تصل للقطاع الخاص وتغطي القطاع الخاص والعام حيث أن المستشفيات الكبيرة تشتري من السوق حاجتها من الأدوية.
الأمن الدوائي
وقال نقيب الصيادلة : تمتلك بعض الدول العربية ما يقارب الـ80 مصنعاً وطنياً للأدوية تغطي كل أو أغلب الأصناف التي تحتاجها في حين أن دولة مثل اليمن لازالت تحت الصفر واستهلاكها كبير للأدوية وليس فيها إلا 8 مصانع للأدوية ولا تصنع الكثير بل كثير منها غير هام كما لا تغطي إلا 5 – 6 % من احتياج البلاد والسبب عدم الاهتمام بالأمن الدوائي، لذلك يجب أن تكون هناك خطة وسلطة لوزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية على المصانع والدخول في مجال السياسة الدوائية، وأن يكون الوطنيون المصنعون للأدوية العامة قليلين وأن يخففوا على المواطن من أسعارهم المرتفعة ويبدأوا بتصنيع الأدوية الهامة التي تحتاجها البلد وليس الأدوية التجارية ذو الأسماء التجارية الغالية المرتفعة الثمن كما هو حاصل الآن، فبذلك سيكون لهم دور مستقبلاً.
تأثر الاستيراد
وفي هذا الجانب أكد رئيس الهيئة العليا للأدوية الدكتور محمد المداني: إن شحة الأدوية في السوق هو بسبب الاعتماد على استيراد الكثير من الأدوية من الخارج ونتيجة للحصار الموجود نواجه إشكاليات كبيرة في الاستيراد الذي تأثر بإيقاف الطيران وكلفة الشحن، ولكننا عملنا بعض المعالجات وبعض نداءات الاستغاثة لحل كثير من الإشكاليات وطالبنا الأمم المتحدة والمنظمات العالمية ومنظمات المجتمع الدولي بأن يعملوا أولوية لإدخال الأدوية بجانب الأغذية وغيرها وإدخال المواد الخام.
وأشار المداني إلى أن90 % معتمد على الاستيراد من الخارج لتغطية الاحتياج من الأدوية والمستلزمات الطبية ، وأن الصناعة الدوائية الوطنية لا تمثل سواء 10% فقط من الاحتياج المحلي كما لا تغطي الأدوية الأساسية مثل أدوية التخدير الإنعاشي والفيالات ولا المستلزمات الطبية ولا أدوية السرطان والسل وليس لديها أقسام للمحاليل الوريدية ، كما أنها لا تغطي إلا جزءاً من الاحتياج ما يمثل 10 % من الأقراص والمضادات الحيوية والشراب السائل، وأضاف : لدينا تسعة مصانع وطنية قصف أحد المصانع ( بيوفارم ) قبل سبعة أشهر من قبل طيران العدوان وهو الآن متوقف بشكل جزئي وكذلك مصنع (يدكو) متوقف بشكل نهائي بسبب أعطال ولم يتم إنجاز الإصلاح فيه بسبب الموازنة، وأما بقية المصانع ونظراً لانعدام الديزل والحصار من قبل العدوان تأثر دخول المواد الخام إلى البلد وبالتالي قل إنتاجها ولكن بدأوا بإيجاد حلول واستئناف العمل بطاقة جيدة.
وقال رئيس الهيئة العليا للأدوية: نحتاج إلى إنشاء مصانع دوائية أكثر ونسعى الآن لتشجيع الصناعة الدوائية الوطنية في بلادنا وتأسيسها ونفتح الباب ليكون هناك استثمار أكثر لأقسام جديدة للتصنيع لكن تظل في هذه الظروف الإمكانيات صعبة لدى المستثمرين.
وزاد بالقول: بدأ الإنتاج يزيد في المصانع المحلية فيما يخص الأقراص من قبل فترة لا بأس بها، وقدمنا التسهيلات لتصنيع أكثر من أدوية الأمراض المزمنة من أجل أن تكون ضمن خطة مستقبلية؛ لأن الأمن الدوائي متحقق عبر الصناعة الوطنية الدوائية، أما متى ستغطي هذه المصانع الاحتياج الأساسي من الأدوية وذلك لكي نصل للاكتفاء الذاتي فهذا يحتاج خطة قادمة نحن بصدد تجهيزها كي نستغني عن أدوية الأمراض المزمنة والضرورية المستوردة ونجعلها حكراً على المصانع المحلية الوطنية.
العدوان على الدواء
وعن المخاطر في سوق الدواء اليمني تحدث نقيب الصيادلة بالقول: إن سوق الدواء اليمني يتعرض لعدوان لا إنساني وتزوير وتهريب، ما ينذر بأخطار ستفوق مئات المرات ما حصده العدوان السعودي الغاشم على اليمن والحروب في الداخل والجهات المسؤولة تقف متفرجة دون أن توقع وتمنع المجرمون من التمادي والاستمرار فيما يقوموا به لقاء مردود مالي كبير وقد يفسر ما يحصل على خلفية المؤامرة السياسية على شعب اليمن؟، وأضاف: إن السوق مليئة بكبسولات وأقراص وفيالات لا تحتوي علي أي مواد دوائية فعالة وقد تحوي على مواد ضارة وقاتلة للمرضى في اليمن وهم بمئات الآلاف، وقد تتسبب بأمراض أخرى مثل الفشل الكلوي أو كبدي أو أمراض جلدية أو تؤثر على الجهاز العصبي و…الخ.
ونبه حراب من مخاطر الأدوية المعاد تدويرها مؤكداً أن خطرها كبير جداً وتؤدي إلى الموت وذلك عندما المواطن يستخدمها ولا يستفيد منها تتحول ضده وتزيد وتفاقم المرض عنده ويصاب بمشاكل كثيرة جدا بسبب استخدام دواء وهو ليس دواء بل عبارة عن ماء أو دقيق من أي نوع..
التدوير والتزوير
وتساءل نقيب الصيادلة: إذا كان يعي المواطن بأنه يستخدم الدواء الصحيح.. وهل يراقب الطبيب التغيير في شكل الأدوية التي يوصفها للمرضى من خلال العبوة واللون أو الأسماء والعلامات التجارية.. وكذلك بالنسبة للصيدلي الممارس في الصيدلية هل يلاحظ أن تجار وسماسرة أدوية جدداً يأتوا ليبيعوا أدوية بأسعار أقل مما تعود الناس على شرائها، وهل لاحظ أن بعض المرضى عادة يشكو من عدم الفائدة من استخدام الدواء الذي أشتراه مثل العادة؟ وهل تم التبليغ بما يحصل من تزوير أو تهريب أو ظهور شركات أدوية جديدة وأصناف أدوية في شكل دوائي لم يتم التعامل معه من سابق، وهنا أرجع سبب لجوء بعض ضعاف النفوس لإعادة تدوير الأدوية وتزويرها لسبب عدم توفر الدواء في السوق أو لا تستورده الشركة أو لأن الدواء غالٍ جداً مقارنة بالدواء الذي يستورد إلى السوق عندها يتم التهريب أو التزوير وإلا ليس من المعقول أن يُهرب دواء سعره أرخص أو متوفر بالسوق..
وقال: هناك إهمال من وزارة الصحة وعدم تشكيل لجان للرقابة والتفتيش والذي يفترض أن تقوم مكاتب الصحة بعملية الرقابة والتفتيش على السوق لكن لم يتم ذلك حتى الآن، ويجب أن تقوم الهيئة العليا للأدوية بإعادة تسجيل الأدوية والنظر في الأسعار المرتفعة لبعض الأدوية وإعادة تسعيرها ومعرفة لجوء البعض إلى التهريب أو التزوير والتدوير، وناشد أن يهتموا بالدواء فحجم الكارثة التي تجري بسوق الدواء في اليمن كبير وهم لا يحركون ساكنا ولم يهتموا بالوضع القادم وما ستسببه الحرب إذا استمرت من ويلات على البلد..
الائتلاف القانوني
ورداً عن وجود الأدوية المنتهية والتي تتم إعادة تدويرها في السوق، أكد الدكتور المداني أنه إذا وصلت بلاغات أو تم اكتشاف بوجود أدوية منتهية ومزورة تتم إحالة المتسبب إلى القضاء مباشرة ويتم مصادرة الأدوية وإتلافها ولكن في الحقيقة لم نضبط أي حالة من هذه الحالات حتى الآن، ولكن هناك أدوية منتهية يتم إبلاغ الهيئة بها وقد أجرينا إتلافات كثيرة وفق الإجراءات القانونية ، كما نتابع ونضبط مثل هذه الحالات ومن الأولى أن نسعى لخلق الفرص لبدائل كثيرة من أجل أن لا يلجأ إلى ذلك، وأضاف: نحن الآن محققين بزيادة تقريباً 20 % من دخول الأدوية أكثر من العام الماضي و 25 – 30 % زيادة في الاستيراد مقارنة بالعام الماضي أيام الحصار الشديد وما زلنا طبعا في الحصار ونعاني ومازال هناك احتياج لكن ليس بالكثير وفتحنا الفرص لبدائل كثيرة للدخول من أجل المواطن لا يكتفي ببديل واحد ليبحث ويجد بدائل أخرى متوفرة..
وبدوره وجه المداني نداء استغاثة للأمم المتحدة والتي يفترض أن تقوم بعملها ومنظمات المجتمع الدولي لفك الحصار وتسهيل إجراءات دخول الأدوية عبر كل المنافذ لأن الدواء يجب أن يصل إلى كل مواطن في ظروف الحرب أو السلم وكذلك وجه نداء للمستوردين بأن يقوموا بمهمتهم الوطنية بتوفير ما عليهم من أدوية وأن من لديه الاستعداد أن يتقدم وفق شروط حق الهيئة العليا للأدوية سوف يحصل على كثير من التسهيلات من أجل أن يوفر الدواء.