“450” حالة في صنعاء و”70″ في الحديدة و”60″ في حضرموت وأكثر من “50” في المكلا والعدد في تزايد
■ مرضى يتداوون بالبديل بينما يتحمل آخرون تكاليف أكبر لتوفير الدواء
■ الحاج: انقطاع الدواء الداعم للمناعة قد يؤدي إلى مضاعفات تنتهي بالوفاة
تحقيق / رجاء عاطف
رغم مفاوضات السلام، إلا أن استمرار الحصار الخانق لم ينته بعد، ليسري أثره على كل تفاصيل الحياة وضرورياتها ودمر اقتصاد البلد ما انعكس على موازنة الدولة فلم تستطع الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المؤسسات الحكومية بما فيها المتعلقة بحياة وصحة المرضى، حيث أصبحت عاجزة عن توفير كثير من أدوية البقاء على قيد الحياة، وعلى رأسها أدوية الأمراض المزمنة المدعومة من قبل الحكومة.. في الوقت الذي يحتاج أكثر من(80 %) من اليمنيين لمساعدات إنسانية، وإن توفّر الدواء من التجار فبأسعار باهظة تفوق القدرة الشرائية للمرضى في بلد فقير..
واقع وحال المرضى وأوجاعهم ومعاناتهم، في سبل البحث عن الدواء، ومعضلة غياب الأدوية المناعية وارتفاع أسعارها.. هذا ما تتبعته صحيفة “الثورة”..
أطفال في عمر الزهور لا يليق بهم الحزن فكيف يواجهون آلام المرض وغياب الدواء.. محمد المطري في الخامسة من عمره يعاني من تسرب البروتين عن طريق البول منذ نعومة أظافره، وهو ذو العامين، وهذا أحد الأمراض المناعية الذي يحتاج فيها المريض إلى أدوية قد تستخدم مدى الحياة ، كثيراً ما استخدم محمد أدوية لتقوية المناعة إلا أن جسمه الصغير لم يستجب لها فقرر له الطبيب العلاج الأقوى مفعولاً، والد محمد تحدث عن مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية وقال:هناك أدوية وجدنا بعضها لأن الشركة التي تعاقدت معها الوزارة قدرت حالات المرضى إلى جانب أن بقية الأدوية يتم عمل مساعدات بها، ورغم التخوف من الأسعار الباهظة في حالة انعدم الدواء إلا أنه يرى بضرورة شرائها وتحمل التكاليف لان انقطاعها سيشكل انتكاسة للطفل أو غيره من الأمراض..
بديل العلاج
لم تكن شكاوى ارتفاع وتوفير قيمة الدواء الأساسي فقط هي التي يعاني منها أهالي المرضى بل هناك تكاليف أخرى تتطلبها أدوية مقوية ومهدئة مساندة للعلاج يستخدمها المريض مالم تسوء حالته المرضية وهذا ما يزيد القلق والمعاناة المضاعفة على عاتق الأسرة ربما شهرياً دون انقطاع، هكذا كان شعور والد عبدالرحمن عزاني – 15 سنة، من محافظة البيضاء الذي يعاني من التهابات الذئبة الحمراء والتي من أعراضها تورم في الجسم وضعف النشاط ولا توجد لديه استجابة للأدوية مما يجعله يستخدم أدوية مناعية ،وكما أضاف نحن نأتي صنعاء مما يكلفنا الكثير وذلك للأدوية والسكن والمصاريف لتصل إلى مائة ألف ريال في الشهر الواحد، وقال : هناك أصدقاء يتعاونون معنا في قيمته وشرائه من السوق عندما ينقطع وأحيانا نحصل عليه ولو بقلة من الوزارة، مشيراً إلى أنه في حالة لا يوجد الدواء يلجأون إلى العلاج بالعسل الأصلي والحبة السوداء والتخفيف على المريض من الأكل الممنوع قدر الاستطاعة حتى لا تتضاعف حالته، متمنياً من الدولة الاهتمام بالمرضى.
أمل الحصول على الدواء
سيف، اسم مستعار لطفل عمره ما بين 13 – 15 عاماً، رفض أن يحدثنا عن نفسه ومرضه خوفا من إشفاقنا عليه لكن كانت آثار المرض واضحة في وجهه والتقرحات تملأ فمه التي سببها مرض بهجت المناعي ، ولكن لم تختلف حالته عمن من سبقه في الحديث وكذلك معاناته في توفير قيمة الدواء حين انقطاعه والحصول عليه وكان الجميع يشكلون صفوفا أمام شبابيك صيدلية الصحة المركزية في مبنى البرنامج الوطني للإمداد الدوائي بوزارة الصحة ولديهم الأمل الكبير بالعودة وهم يحملون أدويتهم.
عن طريق التهريب
أوضح الدكتور وليد الضياني – صيدلاني بأحد الصيدليات في امانة العاصمة: إن الأصناف الدوائية للأمراض المناعية لها احتياج كبير جدا لأنها تعتبر أدوية حياة أو موت وهي غير متوفرة غالبا ، وأكد أن هناك أصنافاً منها تصل السوق عن طريق التهريب لأنها منقطعة بشكل متواصل رغم احتياجها المهم للمرضى وقد يجد المواطن معاناة كبيرة في الحصول عليها من وزارة الصحة والذي يحصل البعض عليها بعد سلسلة من الوعود اليومية وآخرون يفضلون شراءها من السوق بعد يأسهم من المراجعة في الوزارة خصوصا من يأتون من الأرياف ، وأضاف إلى جانب ذلك إن المريض يجد معاناة ارتفاع أسعارها منذ بداية الأزمة والحرب على اليمن فقد ارتفع سعر جميع الأدوية بسبب الحصار وكذلك أصناف الأدوية المناعية مثل: “النيورال”، و”السليسبتوالبروجرف” التي ارتفع سعرها بشكل يضيف على المواطن معاناة إلى معاناته، وبدوره ناشد الجهات المعنية والرقابية الاهتمام بمثل تلك الأصناف من حيث توفيرها وسعرها لأن انعدامها عن المرضى يعتبر إنهاء لحياتهم.
مرض مجهول الأسباب
وفي البداية عرف الدكتور نبيل الحاج – النائب للشؤون السريرية بالمستشفى الجمهوري :أن هناك أمراضاً مناعية تصيب جميع أعضاء الجسم مثل مرض بهجت الذي يسبب التهابات مزمنة وكما لازالت أسبابه غير معروفة للآن وهو عبارة عن مهاجمة أجسام مضادة ينتجها الجسم داخل الجسم ، وكما يسبب هبوطاً في المناعة، وتليفات، وتدميراً في خلايا العضو الذي تهاجمه ومن أعراضه يصيب الأوعية الدموية ويسبب قرحاً في الفم وأماكن مختلفة كالجهاز التناسلي والشبكية في العين وأيضاً مكان الأنسجة يحدث تخثرات والتهابات تخثرية بالنسبة للشعيرات الدموية وذلك نتيجة انقطاع الدورة الدموية للمنطقة مما يؤدي إلى موت للأنسجة وتكون جروح مفتوحة صعبة الالتئام وفي كثير من الحالات يصل المريض المستشفى على أساس أنه جرح مفتوح والذي ينفتح بشكل مفاجئ، وكلما زادت مساحة الإصابات يتضرر المريض ويحدث تسمم دموي عند انقطاع الدورة الدموية ويسبب موت الأنسجة، وقال :أنه عن طريق تشخيصات معينة فإن هذا المرض يصيب المفاصل خاصة الصغيرة ولأن الأسباب غير معروفة إلا انه متعلق بجهاز المناعة ، وبالنسبة للعلاجات لمثل هذه الأمراض هي تحتاج إلى أدوية وفقاً للمرض والأعراض وتبدأ من العلاجات الهرمونية والعلاجات ضد التحسس وأشياء أخرى تقوي المناعة ، وانه في حالة انقطع المريض عن استخدام الدواء والعلاجات الداعمة للمناعة فقد تتطور الأمور بشكل كبير والمضاعفات في جسم المريض وربما قد تؤدي الى الوفاة.
أمراض مناعية متعددة
ومن جانبه أكد الدكتور سمير الحناني – مدير المشتريات والمخازن في البرنامج الوطني للإمداد الدوائي بوزارة الصحة أن أمراض الالتهابات المناعية عدة مثل متلازمة التهابات الذئبة الحمراء والأنيميا المصنعية المنشأ والتي تعنى عجز نخاع العظام عن تصنيع كريات الدم نتيجة التهابات مناعية والذي من الضروري استخدام العلاج أو سيصاب المريض بفقر دم مزمن وقد يظل بحاجه دائمة لتجديد الدم وكذا مرضى “متلازمة بهجت”، و”نيفروتكس أندروم”، و”متلازمة التهابات الكلى”، إلى جانب التهابات مناعية أخرى تصيب الكلى والكبد وغيرها، وأضاف إنها أمراض نادرة وبعضها كان يعاني المريض ولا يكتشف نوع المرض في حالات كثيرة وقد يخسر ويتعالج فترات طويلة دون أن يعرف سبب المرض وفي الفترة الأخيرة بدأت تشخص الحالات وبدأت تظهر حالات بمرض بهجت لم يكن في السابق يعرف مرضى مصابين به.
تزايد عدد المرضى
ويقول مدير المشتريات : أن عدد المرضى بالأمراض المناعية في صنعاء يتجاوز أكثر من 450 مريضاً و70 في الحديدة و60 في حضرموت والمكلا اكثر من 50 وحالياً العدد في تزايد بسبب الوضع والحالة الاقتصادية والمعيشية وعدم توفر مياه مناسبة والتوتر العصبي لذلك تنتشر الأمراض بشكل كبير حتى على مستوى مرضى السكر أو غيرها ، وزاد بالقول: إن هناك إحصائيات بوجود عدد من المرضى في معظم محافظات الجمهورية ولكن بسبب الأوضاع لم يتم التواصل معهم، كما أن البرنامج يوزع الأدوية عبر الصيدليات المركزية وذلك لأجل الرقابة على توزيعها والإشراف لأنها غالية الثمن وهي متواجدة فقط في عدن وصنعاء والحديدة والمكلا دون بقية المحافظات ويأتي الجميع الى محافظة صنعاء لأخذها ومعظم المرضى يتحمل عناء السفر والتعب لذلك.
وتابع حديثه: إن أدوية الأمراض المناعية مرتفعة الثمن حيث كانت متوفرة خاصة في 2014م بشكل جيد ولكن في العام 2015م كانت المعاناة بالنقص في بعض الأدوية نتيجة عدم وجود الموازنة المخصصة للبرنامج من قبل وزارة المالية والتي يعتمد البرنامج عليها لشراء العلاج ولم تصرف منذ العام 2014م، وكذلك العام 2015م، و2016م، ولكننا نسعى في البرنامج بقيادة الوزارة بالتواصل مع منظمات الصحة العالمية ومنظمة الصليب الأحمر وقد تم توفير الأدوية خلال العام 2015م، ولكن الآن الأدوية للعام 2016م شبه متوفرة تم توريدها مؤخرا من منظمة الصحة العالمية قبل فترة بناء على رسائل نداء استغاثة من الوزارة – برنامج الإمداد الدوائي، مشيراً إلى أن بعض الأدوية غير متواجدة ونسعى للحصول عليها مما قد يضطر البعض لشرائها.
أصناف غالية الثمن
وعن سبب عدم توفر الأدوية قال : إن الأوضاع التي مرت بها البلاد والحرب أثرت على المدخول المالي لوزارة المالية ولم تستطع بالتالي أن تفي بالتزاماتها وعجزت الوزارة عن توفير المبالغ للأدوية ولكن لم ينقطع الدواء بشكل كبير وإنما لفترة محددة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين ومع ذلك عملت الوزارة والبرنامج على توفيرها من عدة مصادر ، في بعض المرضى اشترى من السوق عن طريق التهريب رغم أن الأصناف غير موردة بشكل رسمي للدولة وبالإضافة إلى أن جمعية زارعي الكلى والأمراض المناعية وفرت كميات محدودة تكفي لعشره أيام أو 15 يوماً وذلك عن طريق فاعلي الخير الذي يقدمون مبالغ مالية للجمعية.. منوهاً إلى أن الأصناف كثيرة تتجاوز 7 أصناف وأسعارها مرتفعة وقد تصل قيمة بعض الأصناف إلى 250 دولاراً وبعض الحالات قد يستخدم من صنف إلى صنفين وفي بعض الأصناف تصل أسعارها إلى 100 دولار أو 50 دولاراً ويمكن أكثر من 100 دولار، مضيفاً ان أسعارها في السوق المحلية مرتفع ومضاعف ومهرب ولا يعرف مصدره ومأمونية الدواء بينما يتم فحص الدواء الذي يأتي إلى البرنامج للتأكد من فعاليتها وجودتها ووجود المادة الفعالة في الصنف..
وناشد في ختام حديثه منظمات الصحة العالمية والمنظمات الدولية والعاملة في هذا المجال ووزارة المالية بتوفير المبالغ المالية لشراء الادوية لإنقاذ حياة المرضى لتوفير هذه الأدوية لتخفيف معاناتهم ،خاصة أن عدم توفرها قد يعرضهم لانتكاسات ودخولهم في مضاعفات أكثر وفشل الأعضاء في الجسم وفي الأخير تنتقل من مرحلة إلى مرحلة وتؤدي إلى الوفاة وبالتالي يحصل خسارة أكبر على المريض والدولة.