نحو شركات خضراء.. مسؤولية مؤسسات الأعمال نحو الطبيعة

خليل المعلمي
الاهتمام بالطبيعة لم يتوقف عند المنظمات الدولية والإقليمية فقط بل يمكن أن يصل الأمر إلى المؤسسات التجارية ومؤسسات الأعمال التي يمكنها أن تسهم في الحفاظ على البيئة وصيانة الطبيعة فرؤوس الأموال يمكنها الاستثمار في هذا الجانب بمشاريع بيئية ضمن ما يسمى بالاقتصاد الأخضر فتكون الفائدة مزدوجة من خلال الحصول على الربح والتخفيف من البطالة عبر توفير فرص عمل لقطاع كبير من العمالة والأهم هو صيانة الطبيعة والحفاظ على البيئة أيضاً.
إن الطبيعة بمكوناتها المختلفة تواجه أخطارا عدة خاصة في الأماكن الاستوائية حيث الغابات الكثيفة والحيوانات النادرة، الأمر الذي يضع المؤسسات المالية والتجارية وكذلك الحكومات المحلية والمنظمات الدولية أمام مسؤولية كبيرة تجاه الأجيال الحالية والقادمة في العمل على صون الطبيعة والحفاظ على البيئة ومكوناتها الحيوية والنباتية وعدم استنزاف الثروات والمضي نحو التنمية المستدامة التي تحفظ حق الجميع في الموارد.
وإذا كان الاهتمام قد جاء متأخراً إلاّ أنه من الممكن تفعيل هذا الاهتمام ونشر العديد من الأفكار الهامة والمفيدة حول ذلك.
وقد سعت الدكتورة “ليزا هـ. نيوتن” أستاذة الفلسفة ومديرة برنامج علم الأخلاق التطبيقي ومديرة برنامج الدراسات البيئية بجامعة فيرفيلد الأمريكية للكتابة حول حماية الطبيعة ومسؤوليات مؤسسات المال في هذا الجانب، والاتجاه إلى شركات خضراء لا تزيد من المعاناة ضد البيئة والطبيعة، حيث أصدرت سلسلة عالم المعرفة كتابها “نحو شركات خضراء” الذي ترجمه إلى العربية الدكتور إيهاب عبدالرحيم محمد، وتؤكد المؤلفة أن الدافع في تأليفها هذا الكتاب هو تحليل الصراعات التي تعذبنا في حياتنا اليومية واكتشاف ما إن كان من الممكن العثور على صياغات وسبل واعية للفعل يمكنها حل المعضلات والسماح لنا بمواصلة طريقنا في سلام.
مشكلات متنوعة
وتضيف: هناك مشكلات عملية واجتماعية وأخلاقية ملحة فأمور العالم لا تسير بصورة حسنة فهناك حروب وهناك إرهاب وعدم استقرار سياسي، وهناك شعور متزايد بأن البيئة الطبيعية للعالم واقعة تحت ضغط رهيب وهناك تجاوزات في كثير من الأماكن التي تحوي نصف الأنواع الحية على ظهر الأرض.
وتستطرد: إننا بحاجة إلى طرق إلى تصنيف المشكلات والمواقف والتي تمكننا العيش من خلالها في أنظمة بيئية سليمة، لكنها تحتاج إلى تعديلات جذرية في أنماط حياتنا وتوقعاتنا، فقط ظلت البيئة الطبيعية دوماً موطناً لنا ومصدراً لكل شيء نحتاجه لنحيا ولم يتضح سوى الآن أي خلال الخمسين عاماً الماضية أن بعض الأنشطة البشرية لها تأثير مدمر على البيئة.
علاقة الشركات بالبيئة
يتفحص الكتاب في ثمانية فصول الوضع الحالي للعلاقات بين شركات الأعمال والبيئة الطبيعية في العالم اليوم كما يناقش العديد من الأسئلة المتعلقة بالالتزامات الواجبة علينا تجاه البيئة وتجاه احترام الكيانات التي لا توفر لها القوانين حماية خاصة وتجاه العناية بالأجيال المستقبلية.
وتؤكد المؤلفة أن ممارسة الأعمال الملائمة للبيئة تحقق نتائج تتجاوز التوقعات وبأن الشركة التي تود المحافظة على قدرتها التنافسية في القرن الحادي والعشرين عليها أن تتبع المعايير الخضراء وتعتمد مبادئ التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر.
ويزود الكتاب القارئ بخلفية مبسطة عن علم الأخلاق وعرض للمجالات المختلفة لأخلاقيات الأعمال وتقرير عن الفلسفة البيئية ونظرة عامة إلى القضايا القانونية المتعلقة بالبيئة بالإضافة إلى عرض شاق للمشكلات المتعلقة بالعولمة.
أخلاقيات الأعمال
تتطرق المؤلفة في الفصول الثلاثة الأولى إلى علم الأخلاق والمصطلحات وأنماط التفكير وكيف يمكن الانتقال وتطبيق علم الأخلاق في أخلاقيات العمل وربطت من خلال هذه الفصول بين علم الأخلاقيات وعلم الأخلاق البيئية، حيث تؤكد أن المعنى الضمني للعقلانية بالنسبة إلى علم الأخلاق هو أنه باعتبار أن حرية الاختيار هي الخاصية التي تفرق بين البشر وبين الحيوانات الأخرى، إذا كان لدينا أي واجب لاحترام الناس بأي حال من الأحوال فإن هذا الاختيار هو ما يجب أن نحترمه.
وأعطت المؤلفة خلفية عامة عن أخلاقيات الأعمال من خلال الإشارة إلى الواجبات الأخلاقية للإحسان وللعدالة ولاحترام الأشخاص وضرورة غرس الفضائل الملائمة لوظائف المرء والواجبات العلاقية العامة للرعاية والشفقة واعتبار الأعمال كمشاريع أخلاقية وتصنيف حيال ذلك ضرورة تبني علم الأخلاق البيئية لدى الدول المتقدمة فعلى الرغم من أن الزيادات الرئيسية في السكان تحدث في العالم الأقل تقدماً لكن العالم المتقدم وخصوصاً الولايات المتحدة هو الذي يسبب التأثير البيئي الأكبر.
واستعرضت المؤلفة في الفصل الرابع العراقيل التي تواجه القوانين الخاصة بحماية البيئة الطبيعية وكيف يتم التدخل من قبل الشركات الكبرى في ذلك.
الاستراتيجيات الخضراء
في الفصول الأربعة الأخيرة تتطرق المؤلفة إلى الاستراتيجيات الخضراء والفرص الجديدة وتدخل العولمة في المشاكل البيئية في الخارج حيث لا بد من إيجاد وعي لدى الشركات بالأولويات الخضراء فلا بد من تحديد معضلات البيئة والحصول على المعلومات والحقائق التي نحتاج إليها لحلها، وتحديد المنتفعين والتأكد من تطبيق القوانين لحماية البيئة وتحديد الطرق لتوفير الطاقة اللازمة والموارد وغير ذلك بطرق اقتصادية لحماية أكثر للطبيعة وتقنين الموارد.
دور منظمات المجتمع المدني
واستعرضت المؤلفة دور منظمات المجتمع المدني في تغيير الكثير من القواعد والقوانين والتشريعات بل وكشف الكثير من الأعمال والتصرفات التي تضر بالإنسان بدرجة أولى وتضر بالطبيعة بدرجة ثانية، متطرقة إلى التحدي التي تواجه هذه المنظمات في العالم وتقف أمام خططها وتطور أدائها.
الكتاب يمثل إضافة مهمة إلى المكتبة العربية في مجال أخلاقيات الأعمال ويدق أجراس الخطر حول الممارسات غير الأخلاقية الهدامة وتأثيراتها السلبية في كل من قطاع الأعمال نفسه وفي البيئة الطبيعة التي نعيش فيها والتي ستعيش فيها الأجيال القادمة من بني الإنسان.

قد يعجبك ايضا