المبيدات المحظورة.. خطر آخر يتسلل من الوديعة
تحقيق/ أحمد غليس
¶ مزارعون يبررون :نرش القات بمبيدات قوية التأثير بسبب البرد واستغلال ارتفاع أسعاره
¶ تجار مبيدات يعترفون ببيع مبيدات مهربة شديدة السمية علناً
إدارة وقاية النباتات:
ضبطنا خلال الحملة الأخيرة (٣٤٠٠) لتر و١٣٧ كرتوناً من المبيدات الممنوعة
طبيب باطنية:
المبيدات شديدة السمية تتسبب بسرطانات الغدد والحلق والمعدة والتأثير المباشر على الكلى والكبد
توصي المنظمات البيئية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالزراعة والبيئة بضرورة سن قوانين تمنع تداول المبيدات الخطيرة والمهربة والمنتهية الصلاحية..
إلا أنه للأسف ارتفعت حاليا في ظل ظروف العدوان الغاشم وتيرة تهريب مبيدات خطرة على الإنسان عبر منفذ الوديعة من قبل تجار سعوديين ووكلاء محليين مستغلين الحرب لتسهيل عملية إدخالها إلى اليمن.. طبقا لتأكيدات بعض أصحاب محلات المبيدات.
كما يعترف أغلبية المزارعين برش القات بأنواع فتاكة ومهربة لاتخضع لمواصفات السلامة دونما اعتبار لصحة المواطنين..
وفي التحقيق التالي تتبع للقضية عبر النزول الميداني إلى محال بيع المبيدات ومعرفة كيف يتم دخول المبيدات الفتاكة في ظل العدوان ..وضعف الرقابة من قبل الجهات المختصة ..
قبل تناول الغداء كالمعتاد يقوم حسين العقبي بالذهاب إلى مزرعة والده ليقطف له القات ولكن لم يكن يعلم حسين أن أخاه قام هذه المرة برش القات بمبيد جديد وخطير جدا – حسبما يحكي تجار المبيدات – وبينما هو في المقيل بين أصدقائه حتى احس بالتهاب في اللثة ومغص شديد في البطن تصاحبه حمى .
الضحايا
يقول حسين والغضب يكسو ملامح وجهه الشاحب: سارعت بالخروج إلى دورة المياه وتكرر ذهابي عدة مرات إليها بسبب المغص المستمر الذي لم يتوقف رغم إخراج القات من فمي .
يواصل العقبي سرد مأساته بالقول : اشتد بي الألم فحينا ترتفع معي درجة حرارة الجسم وحينا تنخفض، إضافة إلى المغص الذي لايفارقني ذهبت لأخي لأسأله عن سبب طعم القات المتغير فوجدت أنه قد قام برشه بمبيد جديد وسميته عالية.
ياسر جارالله، هو الآخر، تعرض للإصابة بالتهاب في اللثة وتقرحات ومغص في المعدة وأرق وعدم استطاعته النوم بسبب تناول قات تم رشه بمبيدات شديدة السمية.
يقول جار الله مفسرا حالته :عندما ذهبت إلى المزارع الذي أشتري منه القات وجدته يرش القات بمبيد “أبو مقص” وهو مبيد شديد السمية وتبعاته خطيرة على الصحة.
وتابع : عندما عرضت حالتي على الطبيب المختص طلب مني عدم تناول القات لمدة أسبوع حتى تلتئم لثتي وتتشافى معدتي من آثار المبيد.
المزارعون يعترفون
لمعرفة الحقيقة من منبعها قام معد التحقيق بزيارة إلى بعض مناطق زراعة القات في ضواحي صنعاء وسألنا عدداً من مزارعي القات هناك… ووجدنا أن المزارعين يقومون برش القات بمبيدات قوية الفعالية مثل مبيد” الجرانيت وسوبر والتر وأبو مقص” وغيرها من السموم القاتلة والمهربة.
ويؤكد المزارعون أنهم يشترون المبيدات المهربة من محلات المبيدات بصنعاء .
وعندما سألناهم عن سبب قيامهم برش القات بهذه المبيدات الخطيرة برر غالبيتهم التصرف بعدة أسباب.. من بينها فصل الشتاء الذي يؤخر بزوغ القات كما الصيف وارتفاع أسعار القات مما يدفع بعض المزارعين إلى رش مزارعهم بمثل هكذا مبيدات.
ويعترفون بأن المزارع لا يسأل عن الأضرار الصحية التي قد تنجم عن المبيدات بقدر اهتمامه بمفعول المبيد الأكثر تأثيراً.
بيع الممنوع
أصحاب محلات بيع المبيدات لا ينكرون بيعهم لهذه المبيدات الشديدة السمية وحصولهم عليها بالتهريب .. وحسب أحد التجار، ويدعى (ن-م)، فقد أكد توافر كميات كبيرة من المبيدات المهربة لديه والممنوعة.
لافتاً إلى دخول مبيدات خارج القائمة المسموح بها من وزارة الزراعة وبيعها دونما مشكلة.
الوديعة.. منفذ تهريب
لكن يبقى السؤال: كيف تدخل هذه المبيدات البلد وتصل إلى الأسواق ؟
يؤكد تجار مبيدات في حي شعوب بصنعاء أن وصول المبيدات الممنوعة أمر سهل.
وتحدثوا عن تجار من أبناء المناطق الحدودية مع السعودية وبالتعاون مع تجار سعوديين يقومون بإدخال المبيدات المهربة والخطيرة.
بعضهم يجزم بأن منفذ التهريب الرئيسي حاليا هو منفذ الوديعة..
المضحك والمبكي في آن هو أن بيع هذه السموم القاتلة والمهربة يتم في المحلات التي تقابل إدارة وقاية النباتات بصنعاء!
حملات لا تحل المشكلة
بعد هذا كله التقينا مدير قسم الرقابة والتفتيش بإدارة وقاية النبات ومدير حملة متابعة وضبط المبيدات المنتهية والممنوعة والمحلات المخالفة ماجد الحمادي لاستيضاح الصورة منه.
يقول : نقوم حاليا بحملة لضبط المبيدات المنتهية والمهربة وغير المرخصة.
مؤكدا أنه تم ضبط (١٣) محلاً بدون تراخيص و(٦) محلات منتهية التراخيص كما تم ضبط (٣٤٠٠) لتر من المواد الممنوعة إضافة إلى (١٣٧) كرتوناً في فترة لاحقة وتمت إحالة القضية للتحقيق .
أمراض فتاكة
وللوقوف على مخاطرها على الصحة التقينا الطبيب فهد البراشي اختصاص باطنية والذي قال أن هناك الكثير من المخاطر التي تسببها هذه المبيدات وبحسب تأثير كل مبيد.
مبينا أن المبيدات شديدة السمية تسبب أمراض سرطان الغدد والمعدة والحلق وسرطان الدم وإصابة الإنسان بجراثيم في الدم والتهابات.
وتابع : من بين الأضرار التهابات الدودة الزائدة والكلى والكبد والتي تكون معرضة لتأثير المبيدات بشكل مباشر.
لافتا إلى أن المريض قد يفارق الحياة في حالة انتشار إثر المبيد في جسمه ووصوله إلى القلب وعن الأعراض يقول الدكتور البراشي: للمبيدات الكثير من الأعراض لكن يجب على المريض التوجه إلى الطبيب للعلاج قبل حدوث أي مضاعفات..ومن الأعراض : الغثيان والالتهابات في اللثة والحلق وفم المعدة وأيضا الإصابة بالحمى والدوخة والأرق.
داعيا الجهات المختصة القيام بواجبها وضبط هذه المبيدات السامة ومنع تداولها لمخاطرها على صحة الناس.
مشددا على دور التوعية عن طريق الإعلام المرائي والمسموع والمقروء لتحذير الناس من مخاطر المبيدات والعمل على مكافحتها.