ظــفـــير حــجــة .. ثـــراء تــاريــخي وحـضــاري بـــديــع
تعد مدينة الظفير في محافظة حجة واحدة من المدن اليمنية العابقة بالتاريخ، المكتنزة بين ضهراينها مواطن كثيرة للتراث، وإليها وصلت حضارات يمنية قديمة، وكانت جزءاً من أحداث ارتبط حدوثها بتلك الناحية من أرض اليمن السعيد، وهو ما يفسر وجود تلك المآثر التاريخية والشواهد الحية التي لا زالت حاضرة وبقوة في الظفير، منحوتة ومحفورة على أرضها وجبالها الصخرية الصلبة بتحد واضح وجلي قاده الإنسان اليمني قديما للتغلب على متغيرات الطبيعة وقساوتها بل وتطويعها لخدمته.
وقبل أن نستعرض أبرز تلك المآثر التي استقينا أكثرها من كتيب أصدرته جمعية الظفير الخيرية وأهدي مؤخرا للصحيفة وحمل عنوان (التراث العلمي لظفير حجة)، لابد علينا أولاً أن نوضح حال هذه المدينة ومعالمها التاريخية في ظل العدوان.
بما أن محافظة حجة من المحافظات المحاددة للمملكة السعودية، فقد طاولها حقد العدوان وشمل مختلف مناطقها ومديرياتها وتعد حجة أكثر محافظة يمنية تم استهداف معالمها ومواقعها التاريخية والأثرية التي يقارب عددها عشرين معلماً وموقعاً.
هنا يؤكد مدير عام الآثار والمتاحف في حجة حمود غيلان إن “الظفير تعرضت لاستهداف قوي من طائرات العدوان السعودي فجر يوم الاثنين 28 سبتمبر من العام الماضي حيث قصفت داخل الحصن ما أدى إلى إلحاق أضرار بالغة في العديد من معالم ومواطن التاريخ داخل حصن الظفير”.
وتابع قائلاً لـ(الثورة): “أدى الاستهداف إلى تدمير منزلين قديمين هما دار الكحلاني الذي كانت تسعى هيئة الآثار لتحويله إلى متحف وكان آل الكحلاني قد ابدوا استعدادهم لإعطاء هذه الدار للآثار، كما تم تدمير دار أسرة بيت الخاشب الذي توفيت فيه فتاتان من هذه الأسرة، كما أدى القصف إلى إلحاق أضرار بالغة في معالم تاريخية أخرى أبرزها جامع وقبة المهدي وقبة شمس الدين بالإضافة إلى حدوث تصدعات وتشققات لحقت بالعديد من المنازل القديمة وأدى إلى نزوح الكثير من السكان من الظفير وترك منازلهم مهجورة.
وأشار إلى أن “الظفير تعد بكاملها تاريخية وبالتالي أي استهداف لها حتماً سيؤدي إلى حدوث الكثير من الأضرار وعلى نطاق واسع”.
تراث علمي
وبالعودة إلى أبرز المواقع والمعالم التاريخية التي تحتويها الظفير واعتمدنا في إبرازها وبشكل كبير على الكتاب “التراث العلمي لظفير حجة” والذي أهداه للصحيفة القاضي هادي أبو عساج من أبناء الظفير.
تحوي المدينة الكثير من المعالم والمآثر التاريخية المتنوعة منها المساجد القديمة التي تدلل على مدى ارتباط أبناء هذه المدينة منذ القدم بالدين والعلم ويبلغ عددها (17) مسجداً قديماً بعضها لا زالت عامرة مثل جامع الإمام المهدي الذي بني في القرن العاشر وجامع الحويت الذي بناه مسعود بن محمد الحويت وجامع أبوطير وجامع القفلة ومسجدي (الغربية – الخاطبي)، ومساجد أخرى اندثرت وأصبحت أطلالاً مثل( مسجد الفذي – مسجد مطهر – مسجد الجذمي- ومسجد المطهرية – ومسجد عامر – ومسجد بخيته)، ومساجد كانت ومازالت مخصصة للنساء وهي (جامع الدار البيضاء – مسجد الشتوي- مسجد النعيمي – ومسجد المركب) وكلها عامرة باستثناء الدار البيضاء.
مبان تاريخية
وتحوي الظفير على الكثير من المنازل التاريخية التي لازال الكثير منها قائما وتتكون منازلها من (3-7) طوابق وتشتهر منازلها التاريخية بان لكل بيت اسما معروفا بين العامة وأشهر تلك المنازل التاريخية (دار النعيم – دار جسار – دار غزوان – دار الامام المهدي – دار جحاف – دار باب المرشة – دار عزان – دار الحصن بن المؤيد وغيرها).
كهوف ومدافن
كما تقول المصادر التاريخية أن الظفير كانت منطقة غير مستقرة قديماً وتصلها ويلات الصراعات والحروب ولهذا كان الأهالي قديما يحطاطون لأنفسهم لاسيما في توفير الغذاء لفترات طويلة من الزمن من خلال تخزين الحبوب والدخن في مدافن تحفظها لسنوات عديدة دون أن تتأثر، وهذا ما يفسر كثرة المدافن الصخرية في الظفير والتي كان القدامى ينحتونها وسط التضاريس الصخرية القاسية جدا ويعملون لها باب اشبه بالنافذة وبالداخل يتم التوسعة والحفر لأعماق كبيرة، ويذكر الكتيب أن عدد المدافن في الظفير يبلغ (360) مدفناً منها ما يزال قائما ويستخدم وأخرى مدفونة بالتراب، وتتميز الظفير أيضاً بالكهوف والاحواد بعضها نحتته الطبيعة والبعض الآخر نحتوه القدامى وتم تسخير هذه الكهوف لأغراض عسكرية وأمنية بعضها كان لتخزين الأسلحة وأحرى للاحتماء من ضربات الأعداء ولعل أبرزها كهف أو حود الزابور الذي يبلغ طوله (20م) وعرضه (15م) وكهوف واحواد عدة يزيد عددها عن (15) أهمهما (الحمام – حبلة نصار- هبانة – المصبن – المحفر – المدحوني – حبلة الشقبي).
صهاريج وتحصينات
وفي الظفير تكثر السدود والبرك والصهاريج المائية التي نحتت أيضاً البيئة القاسية وبالأعماق ومساحات كبيرة ففيها أكثر من (30) سداً منها (سد الحسيني طوله 60م وعرضه 20م وعمقه 15م – سد المعبر الخارجي طوله 63م وعرضه 30م وعمقه 15م – صهريج الخارجية طوله 30م وعرضه 30 متر وعمقه 20م – بركة مسجد القفلة طولها 15م وعرضها 5م وعمقها 7م – البركة العليا طولها 40م وعرضها 30م وعمقها 15م وغيرها) وجميعها تمتاز بأسلوب هندسي وفني بديع وتحوي نظما في الري والتصريف.
وبما أن مدينة الظفير تقع على سفح جبل فهي مدينة أشبه بحصن منيع، ولزيادة تحصين هذه المدينة البالغ مساحتها 3 كيلومتر مربع فقد تم أحاطتها بسور من الأحجار الصلبة المأخوذة من نفس بيئتها، وعلى مسافات متقاربة في السور توجد أبراج أو نوب للحراسة، ويمكن الولوج إلى هذا الحصن المنيع من خلال بوابتين فقط (باب المرشة) شرق المدينة وكان هذا الباب كما يقال للهروب إذا ما داهم الأعداء الحصن، والباب الثاني (باب السوق) غرب المدينة، ومن أشهر أبراج الحماية (باب المراية).
الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من السور، ولازالت أجزاء من السور باقية إلى اليوم.
شخصيات لها تأثير
وذكر القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه( هجر العلم ومعاقله في اليمن) أسماء لعلماء من أبناء الظفير أمثال مسعود بن محمد الحويت والهادي بن يحيى بن المرتضى الفضل، وأحمد بن يحيى المرتضى (الإمام المهدي) صاحب الكثير من المؤلفات أهمها (منهاج الوصول إلى معيار العقول – متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار – الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار – كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) وغيرها الكثير في مختلف المجالات في النحو والأصول والتاريخ والفرائض، بالإضافة إلى علماء كثر كان لهم إسهاماتهم البارزة في إثراء الساحة العلمية والدينية على مستوى اليمن وخارجه والمجال لا يتسع لذكرهم جميعاً.