معركة استعادة السيادة الوطنية !
عبد العزيز البغدادي
إذا أدركنا الفرق بين التفريط في السيادة الوطنية والمساس بها أدركنا كيف نستطيع بناء وحدة وطنية ،
فالتفريط يأتي من ضعف الحكام وتهاون المجتمع أي من مجمل الذات الوطنية !،
ومن المؤكد أن ما عشناه خلال عقود وما نعاني من آثاره إلى اليوم إنما هو نتيجة ذلك التفريط في السيادة الوطنية سواء من قبل السلطات المسؤولة مباشرة عن إدارة الدولة اليمنية وحماية سيادتها أومن قبل مكونات المجتمع ونخبه التي تعاونت مع من فرط أو تهاونت أو خنعت أو قبلت وسكتت ، مع التفريق بين المسؤولية المباشرة وغير المباشرة وبين المسؤولية القانونية والأخلاقية .
أي بين مسؤولية من هو في السلطة ومن هو خارجها، ويجب أن ندرك أيضاً أن إثارة هذا الموضوع لا يأتي من باب نكء الجراح أو البكاء على الأطلال ولا من قبيل جلد الذات والبقاء في سجن الماضي كما يحب البعض تصويره !
إنما هو محاولة جادة لتشخيص المشكلة من خلال محاولة معرفة أسبابها للإسهام في استنهاض وعي وطني يعمل على تجنب تكرارها وهذا هو ذاته ما يهدف إليه البحث العلمي لكل الظواهر والمشكلات والقضايا سواء في العلوم النظرية أو التطبيقية كما يحدث في الدول والمجتمعات المحترمة التي تبحث بجد في عوامل النهوض والتنمية وفي عوامل بناء الأوطان على أسس الشفافية والإحساس الكامل بالمسؤولية، أما دفن الرؤوس في الرمال والفهم الخاطئ لبعض المفاهيم كالتصالح والتسامح وادعاء الحفاظ على الوحدة الوطنية وتبني سياسة إحراق ملفات الماضي دون معالجة رواسبه ودون التشخيص الجاد لما سببه من مآسٍ في واقع حياة الإنسان والكيان الوطني عموماً؛
هذه السياسة إنما تهدف إلى الحفاظ على عناصر وبؤر أسباب تكون المشكلات وتكرارها واستمرار الخضوع لها وهو ما يؤدي إلى بقاء الجميع دون استثناء حبيسي الماضي السيئ بكل صراعاته وأمراضه وسلبياته لأن ما يطرحه البعض من مبررات عدم البدء في إصلاح الأوضاع الفاسدة من خلال المحافظة على بقاء الفاسدين بل وتطعيم بيئة الفساد بالمزيد منهم وترديد القول بأن العدوان وظروف المرحلة تتطلب قدراً من المرونة للحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية هذا القول سواء كان صادراً من حسني النية أم سيئيها ينطبق عليهم المثل (عذر أقبح من ذنب ) لسببين :
الأول – أنه قول يعتمد منهج التضليل والكذب لأنه لا وجود اليوم لجبهة داخلية موحدة ولا لوحدة وطنية وإن كانت الظروف بعد 21 سبتمبر 2014م قد تحسنت نسبياً باتجاه اتساع الفرص لبناء وحدة وطنية تقوم على أساس تحقيق المصلحة العامة للمجتمع اليمني وإن اعتبر البعض هذا الاتجاه ضار بمصالحه الخاصة فالوحدة الوطنية المطلوب بناؤها هي تلك التي تخدم مصلحة المجتمع في عمومه وأبرز دليل على عدم وجود وحدة وطنية شاملة هذا الانكشاف المريع لكثير من العناصر ومنها المشاركون في مؤتمر العملاء المسمى مؤتمر الرياض التي تبين أنها مجرد دمى في يد السعودية والمخابرات الأمريكية وكانت تحسب بين القوى الوطنية ولهذا فبقدر كون ذلك مكسباً من حيث اختصار مسافة اكتشاف أمر هذه العناصر كانت أيضاً مفاجأة بل فاجعة لدى من كان يأمل فيهم خيراً!! ،
نعم لا بد أن نعتمد منهج الصدق إذا أردنا أن نتجه لتوحيد الجبهة الداخلية وبناء وحدة وطنية حقيقية لأن هذا المنهج هو أهم أسس البحث عن الحقيقة في كل المجالات فالصدق ليس مجرد معيار أخلاقي بل هو وسيلة أخلاقية لغايات بناء مادية هامة ومتينة؛
السبب الثاني :- أن الجبهة الداخلية وكذلك الوحدة الوطنية التي تتوحد في ظل بقاء الحاكمية للفساد لا يمكن مطلقاً أن تخلق وطناً مؤهلاً لامتلاك السيادة الوطنية بل على العكس نرى أن المحافظة على بيئة الفساد لأي مبرر يعني استمرار التفريط في السيادة الوطنية .
من هنا يتوجب القول بأن علاقة اليمن بالسعودية وأمريكا في العقود الماضية كانت قد بنيت على أساس التفريط بالسيادة وكانت بداية التفريط واقعة مهينة في تأريخ اليمن هي واقعة تبني السعودية لعملية اغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي بالتعاون مع عملائها في الداخل بأسلوب هو الأوقح في تاريخ الاغتيالات السياسية في العالم أي أن يغتال رئيس دولة داخل الدولة اليمنية التي هو رئيسها بإشراف الدولة التي نهبت نصف الأراضي اليمنية مع إحاطة الموضوع بسيناريون أخلاقي مصنع يهدف لتشويه سمعة الشهيد وممن من أسوأ الناس والحكام أخلاقاً ثم يطوى ملف الاغتيال بكل بساطة .
في ظل ذلك التفريط الفادح في سيادة اليمن لم تكن السلطة اليمنية في تأدية وظيفتها سوى أداة منفذه لأجندة الخارج وبالذات هاتين الدولتين ولذلك فإنهما أي السعودية وأمريكا ما إن أشرقت بوادر الإرادة اليمنية لمحاولة استرداد السيادة والاستقلال واستعادة الكرامة المهدرة في 21/ سبتمبر 2014م حتى كشرت عن أنيابها لتتحول الحالة اليمنية من حالة التفريط في السيادة من قبل الحكام إلى حالة العدوان العسكري الشرس الهادف إلى إخضاع الشعب اليمني وكسر إرادته ومن ثم المساس بسيادته قسراً لاعتقادهم أن مثل هذا العدوان الذي استهدف كل حي لا بد أن يؤدي إلى مثل هذه الحالة خاصة مع هذا الحصار المطبق ،
أي أن هذا العدوان الأمريكي الذي يحمل العنوان السعودي الخليجي العربي بانضمام بعض الأنظمة العربية الخاضعة والعميلة أو المتاجرة بالقضايا لم يكن سوى من أجل إبقاء اليمن دولة منزوعة السيادة ، وعليه فإن الفرق واضح بين التفريط بالسيادة الذي يقوم على العمالة والارتهان لسياسات الدولة أو الدول التي تتدخل في رسم سياساتك سواء بالترغيب أو الترهيب أو الابتزاز وعن طريق حكام ضعاف وبدون استخدام القوة المباشرة أما المساس بالسيادة فإنما يأتي من خلال استخدام القوة المباشرة .
ولكننا نقول وكلنا يقين أنه مثلما سقط التفريط في السيادة الوطنية اليمنية بسقوط أدواته فإن هذا العدوان على وشك السقوط والفشل لعدم تحقيق أهدافه لأن القوى الشريفة والحية في اليمن مستعينة بالله وصمود الشعب قد عقدت العزم على الانتصار في معركة استعادة السيادة وها هو النصر قاب قوسين أو أدنى !!!