جدد دعوته للمنظمات المدنية والحقوقية الالتفات إلى قضية الأسرى والمخفيين من آل الرميمة

عبدالعزيز الرميمة: لا يزال “الطرف الآخر” مأخوذا بـ “العزة بالإثم”

■ مزارعنا وأملاكنا مستباحة.. والمطاردات لأهلنا وأنصارنا مستمرة

■ مقارنة ما حدث لآل الرميمة بما جرى في دماج مغالطة مكشوفة وطمس للحقائق
■ من يتأمل هوية الميليشيا التي تسيطر على عدد من أحياء مدينة باسم المقاومة يسهل عليه تفكيك ” لغز رحيل السلفيين عن دماج ”
■ تواجد أبناء صعدة أوعمران في تعز أو العكس .. هو تجسيد لوحدة اليمن من جبل مران إلى جبل صبر
■ الجيش واللجان الذين دخلوا عسير وجيزان لم يكونوا بحاجة إلى الإذن منا ليدخلوا مشرعة وحدنان
أجرى اللقاء/ نائب مدير التحرير
ما من شك في أن المأساة التي ألمت بآل الرميمة في مديرية مشرعة وحدنان بتعز هي جزء من الأزمة التي تجتاح اليمن بوجه عام . ولذلك، فإن ما حدث في مشرعة وحدنان يستحق التأمل، وهي أشبه بخلية في الجسد اليمني الكبيرـ بما شهدته من أحداث، وما سبقها من إرهاصات، وبآفاقها المفتوحة على المجهول ـ .
بمعنى آخر، يمكن اتخاذها عينة للدراسة والتحليل، بهدف التشخيص والمعالجة للجسد بأكمله، وليس بهدف إدانة هذا الطرف أو ذاك .
وكجزء من المحاولة، التقت الثورة أحد الوجوه السياسية البارزة في تعز الأستاذ عبدالعزير الرميمة، وهو أيضا أحد قيادات أنصار الله، كان في وسط تلك الأحداث التي شهدتها المديرية . a
الأستاذ عبدالعزيز الرميمة الذي بات البعض يطلق عليه ” أبو الشهداء” بعد سقوط ثلاثة من أولاده في تلك المواجهات، هو في الحقيقة أب وأخ وعم وخال وقريب من الدرجة الثانية والثالثة لحوالي ثلاثين شهيدا من آل الرميمة سقطوا في تلك المواجهات التي بلغت ذروتها خلال أغسطس الماضي .
ومع ذلك، لا يبدو أن المحنة التي مرت به وبعائلته وأنصاره قد نالت منه . فلا يزال صدره رحبا، لم يفقد الثقة والأمل، والابتسامة لا تفارق محياه .. ولسان حاله: إن مع العسر يسرا .

● تردد خلال الفترة الماضية اسم آل الرميمة كثيرا في وسائل الإعلام المحلية والعربية . قبل أن نعرف منك حقيقة الأحداث المؤسفة التي تعرضتم لها، هل لك أن تعطينا نبذة مختصرة عن آل الرميمة؟.
– آل الرميمة، مواطنون يمنيون، يقطنون قرية حدنان ـ مركز مديرية مشرعة وحدنان ـ في محافظة تعز منذ أكثر من ستمائة عام . يبلغ عددهم نحو ألف وخمسمائة نسمة، ويشكلون حوالي 6% من إجمالي سكان المديرية البالغ عددهم 30 ألف نسمة تقريبا .
على مرالسنين، اضطلع آل الرميمة بدور بارز في المديرية، فكانوا أعلاماً في التنوير والتعليم والنضال الوطني وأعمال الخير . ويكفي أن يعرف القارئ الكريم أن باحة الضريح الذي دفن فيه الشيخ الجليل علي بن أحمد الرميمة قبل ستمائة عام كانت أول مدرسة أهلية مجانية، تعلم فيها المئات من أبناء المديرية القراءة والكتابة ومبادئ النحو والحساب أواخر الستينيات، قبل أن تشهد المديرية أول مدرسة حكومية منتصف السبعينيات من القرن الماضي .
لقد كان آل الرميمة على الدوام محل تقدير واحترام، وعامل توحيد ـ ليس لأبناء المديرية فحسب ـ بل لمديريات جبل صبر الثلاث ” مشرعة وحدنان، وصبر الموادم والمسراخ” .. هذه حقائق يعترف بها من أصبحوا اليوم أعداءنا أو خصومنا  ولا أدعيها أنا .
● إذان من أين جاءت هذه الخصومة أو العداوة ؟ .
– من السياسة، الأحزاب، من الشحن الطائفي والمذهبي والمناطقي الذي تقوم به بعض الأحزاب والجماعات الدينية المتشددة التي لا تؤمن بالتعدد ولا تقبل بالآخر .
● وما الذي جعل آل الرميمة يتحولون إلى “آخر” أو أقلية في المديرية ؟
– آل الرميمة مثل غيرهم من اليمنيين، يتوزعون بين مختلف الأحزاب والتيارات التي تعمل على الساحة الوطنية، اشتراكيون، ناصريون، سلفيون، ومنهم أنصار الله الذين كانوا الضحية الأبرز في الأحداث التي بلغت ذروتها المأساوية في أغسطس الماضي .
● يفهم من كلامك أن المنتمين لأنصار الله من آل الرميمة هم فقط من تعرضوا لتلك الجرائم والانتهاكات من قبل ما تسمى بالمقاومة؟ .
– قد يكون هذا الفهم صحيح إلى حد ما، ولكن في الحقيقة، تعتبر المحنة التي تعرض لها آل الرميمة أو فئة منهم محنة وطن بأكمله، محنة شعب، وليست خاصة بفئة أو جماعة في قرية أو مديرية .. كل آل الرميمة واقعون في دائرة تلك المحنة وفقا لتلك الثقافة الاستئصالية التكفيرية والعنصرية، والممارسات الإجرامية البشعة التي كنا ضحاياها .
بشاعة الجرائم التي ارتكبوها، من حصار القرية، وقتل الأسرى والتنكيل بهم، واقتحام المنازل ونهبها وإحراقها وصولا إلى التهجير القسري لنا، هي رسائل لإرهابنا وإرهاب بقية أهلنا وأنصارنا في القرية والمديرية، وهي كذلك لأبناء المحافظة تعز، وكل المحافظات المصنفة مذهبيا كمناطق شافعية ـ مع أن التراث الشافعي قد طمس في عملية ممنهجة خلال العقود الثلاثة الماضية، ليحل محله ما يسمى “المذهب السني” وهو في الحقيقة مجرد قناع للوهابية التي تغلغلت في بلادنا باسم “السنة والجماعة ” .
وعلى الصعيد الوطني الوطني، فإن ما حدث لنا في حدنان يخدم ـ بدون أدنى شك ـ مخططات لتفكيك النسيج الاجتماعي والجغرافيا اليمنية وفقا لمعايير مذهبية ومناطقية.
● البعض يرى أن ما حدث لكم في حدنان يشبه إلى حد كبير ما حدث في دماج، بل يذهب آخرون لاعتباره نتيجة طبيعية، أو رد على ما تعرض له ” السنة ” في دماج على أيدي أنصار الله . كيف ترى أنت هذه المقارنة ؟
– ليس لهذه المقارنة ما يبررها، لا في الشرع، ولا في القانون والأخلاق والمبادئ الإنسانية، فالمنهج القرآني يدعونا بالآية الكريمة : ولا تزر وازرة وز أخرى . هذا إذا سلمنا بمظلومية إخواننا في دماج .
ومن ناحية ثانية، فإن آل الرميمة يعيشون في حدنان منذ أكثر من ستمائة عام، وليسوا وافدين أو مستوطنين جدداً، كما في حالة الذين سكنوا دماج خلال الثلاثين سنة الماضية، وهم خليط من اليمنيين الذين لا زالت لهم بيوت وعائلات وأراض في مناطقهم الأصلية، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الأجانب الذين كانوا يقيمون في بلادنا بطريقة غير مشروعة، وأغدق عليهم بالمسكن والمأكل والسلاح أيضا في دماج .
ثالثا : لست هنا بصدد الدفاع عن مواقف وأعمال أنصار الله في قضية دماج، ولكن، من تابع تلك الأحداث بين الطرفين خلال المواجهات والمفاوضات وحتى خروج الشيخ الحجوري وأتباعه، يستطيع أن يجزم بأن الخروج الذي أطلق عليه البعض صفة ” التهجير القسري ” كان بقرار سياسي من جهات محلية وخارجية، ولم يكن نتيجة لهزيمة عسكرية .
● كيف لك أن تجزم بحقيقة هذا السيناريو ؟.
– سأستدل لك من أقوالهم وأفعالهم .. فالشيخ الحجوري قال في محاضرة له بأحد جوامع حي سعوان بالعاصمة بعد خروجه من دماج بأيام ” أنهم تلقوا توجيهات أو نصائح  من جهات عليا في الدولة بمغادرة دماج، وحذرتهم بأنهم قد يتعرضون للقصف من قبل دولة عظمى إن هم لم يغادروا دماج” .
وكما تابع الجميع، فقد خرجوا بشروطهم وبسلاحهم الخفيف والثقيل، كما تم تعويضهم ماليا، بما في ذلك الأجانب الذين تقاضوا بين ألفين إلى أربعة آلاف دولار.
ألا يعني ذلك أن من طلب منهم الرحيل عن دماج ومن هددهم بالقصف ـ وهم كما يفهم مما نقلته آنفا عن الشيخ الحجوري ـ هادي وأمريكا ـ قد خدموا أنصار الله، وخذلوا أهل السنة في دماج ؟
هذا فعلا ما كان يعتقده البعض آنذاك، وهناك من لا يزال يتمسك بهذا التفسير ويتاجر به حتى الآن، وهو تفسير خاطئ . أقصد أن هادي وأمريكا لم يخدموا أنصار الله في دماج، بل خدموا مخططاتهم في اليمن .. ومن يرى هوية الميليشيات التي تسيطر حاليا على عدد من أحياء مدينة تعز باسم ” المقاومة ” يسهل عليه تفكيك لغز خروج الشيخ الحجوري وأتباعه من دماج بتلك الطريقة التي فاجأت الجميع بمن فيهم أنصار الله أنفسهم .
باختصار: كان بقاء الشيخ الحجوري وأتباعه في دماج، وخصوصا بعد إحكام أنصار الله سيطرتهم على صعدة، غير مجدي بالنسبة لحلفائهم في الداخل والخارج، وكان عليهم الانتقال إلى أماكن أخرى والاستعداد لمهمات جديدة .
وبحسب الوثائق التي أعلنها الوسطاء آنذاك، لم يكن خروج السلفيين من دماج ضمن شروط أنصار الله، وعلى العكس من ذلك تعهدت قيادات أنصار الله بحماية دار الحديث والدارسين، طالما ظل المركز خاليا من السلاح والمسلحين وتم التدقيق في هويات الدارسين فيه من الأجانب، بينما تم تهجيرنا من منازلنا بالقوة ولا نستطيع الآن العودة إليها، فيما لا يزال بعض أهلنا مخفيين وأسرى، ومن تبقى من أهلنا في القرية يتعرضون للابتزاز والقمع، وباتوا تحت سلطة ما تسمى المقاومة أشبه بالرهائن . ولا يتردد بعضهم في استرضاء ” المقاومة ” حتى بشهادة الزور التي تحاسب الضحية وتبرئ الجلاد .
● يقول خصومكم المحسوبون على ما يسمى المقاومة في المديرية بأنكم استقدمتم الجيش واللجان الشعبية لاحتلال المديرية، كيف تنظرون إلى هذه الذريعة .؟
– هذه واحدة من الذرائع التي عملوا من خلالها للأسف على الحشد والتحريض والتضليل ضدنا ،رغم ما فيها من تناقض واختلال . فالجيش واللجان الشعبية يسيطرون على معظم المحافظات، وبإمكانهم دخول هذه المديرية أو تلك المنطقة دون الحاجة إلى ” عزومة ” أو تسهيلات من أشخاص أو عائلات .
وحين يرى الجيش واللجان أن تواجدهم في مديرية مشرعة وحدنان ـ مثلا ـ يخدم أهدافهم العسكرية، فلن ينتظروا الإذن منا أو من غيرنا، كما فعلوا حين سيطروا على صبر الموادم وجبل العروس المجاورة لنا .
وتساءل عبدالعزيز الرميمة ساخراً: من الذي استدعى الجيش واللجان إلى عدن والحديدة وباب المندب ؟ ومن الذي استدعاهم إلى نجران وجيزان وعسير ؟ آل الرميمة أيضا ؟ّ!.
● وماذا عن الميليشيات المسلحة، وهم من خارج المحافظة، ويتواجدون بينكم في قرية حدنان من قبل المواجهات الأخيرة، بل منذ أكثر من عامين ـ كما يقول خصومكم في المديرية؟ .
– نعم، كان يأتينا من وقت لآخر إخوة لنا من أبناء صعدة أو عمران، نستضيفهم في منطقتنا، ويستضيفوننا في مناطقهم منذ سنوات، ولكن، هل ينظر إلى علاقات بين يمنيين بأنها ” عمالة وتسهيلات للاحتلال ” ؟! . لم لا ينظر إليها كتجسيد لوحدة اليمنيين شعبا وأرضا من صعدة إلى باب المندب، من جبل مران إلى جبل صبر .
● ألا يتواجد أبناء تعز كتجار وعمال وموظفين وكمقاتلين أيضا في مختلف الجبهات مع هذا الطرف أو ذاك ؟ هل يمكن اعتبارهم محتلين في البيضاء أو مارب أو غيرهما من المحافظات؟!.
– إنني هنا أنتهز الفرصة عبر صحيفتكم الغراء، لأدعو إخواننا في المديرية والمحافظة لمراجعة هذه الثقافة الغريبة والطارئة، لأننا في تعز بالذات سنكون أكثر المتضررين منها .
● هل كانت الدبابة التي استقرت في إحدى القرى سببا في تفجر المواجهات بين الطرفين ـ كما يقول البعض من خصومكم؟
– قالوا كثيرا عن هذه الدبابة ونسجوا حولها الكثير من القصص والأساطير، مع أنها لم تكن تشكل تهديدا لأي قرية في المديرية، وقد استقدمها الجيش لإسناد عمليات تقدمه في جبهة الضباب . وخلال أربعة أيام لم تطلق الدبابة قذيفة واحدة، وكان هناك اتفاق لسحبها بعد أن تم استغلال تواجدها في المديرية كذريعة لشحن أنصارهم وحشدهم في مسيرات احتجاجية ـ قالوا إنها سلمية ـ إلى موقع الدبابة .
وفي الوقت الذي كان فيه الوسطاء يعملون على تهدئة الناس ووعدهم بسحبها، وكان طاقم الدبابة يشاركون مع الوسطاء في طمأنة من تم حشدهم، استغل البعض الفرصة وأحرقوا الدبابة بعد أن سكبوا عليها صفائح من البنزين.
● هل سمعت بمسيرة سلمية تحرق دبابة للجيش؟ وهل سمعت بجيش يخرج من آلياته المدرعة لطمأنة المحتجين، ثم تحرق آلياته ويسكت؟
– قتل في ذلك اليوم أحد الأشخاص برصاص الجيش، وفي اعتقادي أنهم ـ أقصد من يقفون وراء ذلك العمل ـ كان يتوقعون أن تكون ردة فعل الجيش واللجان عنيفة يسقط فيها أكبر عدد من الضحايا لكي يستثمروا دماء الناس في مشروعهم التدميري.
تلك هي قصة الدبابة باختصار ..وهنا تجدر الإشارة إلى طريقة تعامل الإعلام الموالي لما يسمى المقاومة مع تلك الواقعة، ونكتفي بنموذج واحد فقط . حيث كتب أحد الصحفيين اليساريين مقالا بعنوان : ” رجل الدبابة اليمني ” على غرار ” رجل الدبابة الصيني ” وهو شاب صيني وقف أمام الدبابة في ميدان ” تيان من ” في بكين، وجعلت منه الصحافة الغربية رمزا وطنيا . أخونا الصحفي الذي لم يكن يعرف أين تقع مديرية مشرعة وحدنان، وما الذي يجري فيها من مآس، كان متأثرا ببعض قراءاته عن الرموز الذين صنعهم الإعلام الغربي في سياق معركته مع المعسكر الاشتراكي في الشرق . وإلا فأين وجه المقارنة بين رجل يقف أعزلا أمام الدبابة في الصين، وآخر يسكب فوقها البنزين ويحرقها بالكامل في اليمن.
ـ بحسب ما يعلنه الطرف الآخر، أو ما يسمى المقاومة في مشرعة وحدنان، فإن عدداً القتلى من أنصارهم الذين سقطوا في المواجهات معكم، يزيدون بأكثر من الضعف عن عدد القتلى الذين سقطوا منكم ” آل الرميمة ” كيف نفهم مظلوميتكم في ظل هذا التباين ؟.
هذا التباين لا يدحض مظلوميتنا، ولا يقلل من حجم الجرائم البشعة التي تعرض لها آل الرميمة على الإطلاق . فمعظم شهدائنا سقطوا داخل قريتهم حدنان، قتلوا وهم يدافعون عن قريتهم التي تمت محاصرتها من جميع الجهات بعد انسحاب الجيش واللجان من المديرية .
البعض قتلوا داخل منازلهم أو بجوارها، وهناك ثلاث نساء من بين القتلى إحداهن تجاوزت الثمانين عاما قتلت مع ابنها في منزلهم . كما قتل البعض بعد أسرهم أو اختطافهم من منازلهم وتم التمثيل بجثثهم . في حين أن حوالي 90 في المائة من قتلاهم سقطوا بعيدا عن قراهم، وكانوا في كثير من الحالات كمهاجمين، سواء في مواجهة الجيش واللجان الشعبية أو في اقتحام قرية حدنان، وقد تمكنوا من ذلك بالفعل، وأمعنوا في التنكيل بأنصارنا وأهلنا .. نهبوا البيوت من كل محتوياتها، وأحرقوا نحو 15 منزلا وتم تهجير العائلات من منازلهم قسرا .
نعم قد يكون عدد قتلاهم أكثر ،ولكن بتوزيعهم على العائلات والقرى التي ينتمون إليها ومقارنة النسب مع قتلى آل الرميمة ستجد أنها ضئيلة جدا مقارنة بضحايانا ،فما تعرضنا له من جرائم تدخل في إطار جرائم الإبادة العرقية، جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب .
● كيف تقيمون دور فروع الأحزاب السياسية في المديرية خلال تلك المواجهات المؤسفة ـ بما في ذلك النخب الثقافية والأكاديميين والشخصيات الاجتماعية من أبناء المديرية؟.
– للأسف كان دورهم سلبيا وصوتهم غائبا، بل إن البعض سواء أحزاباً أو أشخاصاً، كانوا إما مشاركين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فيما لحق من ظلم وانتهاكات، ومن لم يشارك، أغلق هاتفه ولاذ بالصمت . كما ساهمت وسائل إعلام تلك الأحزاب ـ الإصلاح والاشتراكي والناصري وحلفائهم ـ بتضليل الرأي العام، ونقل صورة مجتزأة ومشوهة لما يجري .
وفي الوقت الذي كان فيه أبناء المديرية يتقاتلون فيما بينهم ـ بغض النظر عن الأغلبية والأقلية أو الظالم والمظلوم ـ كانت إحدى الصحف الحزبية العريقة تعتبر تلك الأعمال ” بطولات تسطرها المقاومة في مشرعة وحدنان ” وتصف المعركة بأنها مشابهة لمعركة ” ستالين جراد ” وهي معركة خاضها الروس ضد القوات النازية في الحرب العالمية الثانية .
وبصفة عامة، كان دور الأحزاب والنخب في المديرية مشابها للدور السلبي الذي تلعبه نفس الأحزاب والنخب في ظل المحنة التي يعيشها الوطن بأكمله .
● يرى الكثير من المراقبين، أن المواجهات التي شهدتها مديرية مشرعة وحدنان ـ رغم محدويتها الجغرافية، ومحدودية الضحايا مقارنة بمناطق أخرى ـ إلا أن تداعياتها النفسية والاجتماعية هي الأخطر . ما مدى صحة هذا الرأي ؟ .
– أنا مع هذا الرأي رغم ما فيه من نظرة مستقبلية متشائمة، فما شهدته مناطقنا مأساة حقيقية، فالجميع يعيشون في قرى متجاورة ومتداخلة يشتركون في الطرقات  والمياه والمدارس، وفجأة تحولوا إلى أعداء، وتمكن تجار السياسة والحروب من تسخيرهم كوقود في معاركهم .
● كنتم طرفا في تلك المواجهات وجزءاً من تلك الوقود، بمعنى أنكم ” آل الرميمة أو أنصار الله في المديرية ” تتحملون جزءاً من المسؤولية أيضا ؟.
– لقد كنا فعلا طرفا، ولكن، كنا على الدوام، ومن قبل أن تبدأ المواجهات ندرك أن جوهر الخلاف سياسي بحت، ولذلك لم نكن نحرض ضد الآخر، ولم نكفر، ولم ندعو لاستئصال جماعة سياسية أو مذهبية . وخلال المواجهات المسلحة تمسكنا بأخلاق القرآن والمبادئ الإنسانية .. عالجنا جرحاهم وسلمنا جثث قتلاهم، ولم نذهب لمحاصرة أو اقتحام قراهم .
لم نقطع الطرقات، ولم نترك الجرحى ينزفون في النقاط لمنعهم من الوصول إلى مستشفيات المدينة، كما حدث للطفلة شيماء الرميمة 14 عاما، والتي توفيت متأثرة بإصابتها بطلقة نارية، واحتجزت يومين في نقطة للمقاومة حتى توفيت .
● ولكن قراهم أيضا تعرضت للحصار والقصف بالأسلحة الثقيلة لأيام ؟.
– بالنسبة للحصار، فما يسمى بالمقاومة هي التي فرضته على المديرية بأكملها بعد أن قطعوا الطرقات التي تربط المديرية بمدينة تعز، وعندما لجأ الناس لاستخدام الطريق الذي يمر بمديرية صبر الموادم رغم طوله، قامت طائرات تحالف العدوان بقطع الطريق في مكان ضيق تحت منتزه زايد، بقصد منع وصول قوات الجيش واللجان الشعبية وإبقائنا نحن تحت حصار ما يسمى المقاومة .
كما أن القصف الذي كانت تتعرض له بعض القرى كان من طرف الجيش واللجان الذي كان يحاول فتح طريق المديرية التي قطعت في أكثر من قرية، كان الجيش واللجان يحاول كسر الحصار عنا والحيلولة دون اقتحام قرية حدنان من قبل ميليشيا الطرف الآخر ولم يستخدم فيه أسلحة ثقيلة كما يروجون. وهذا الجيش هو في الأول والأخير يمني وليس سنغالياً أو سودانياً.
● مرت نحو ثلاثة أشهر على انتهاء المواجهات وسيطرة الطرف الآخر على المديرية والتي انتهت بتهجيركم القسري، ألم يحن الوقت بعد لعودتكم إلى قراكم ؟ .
– للأسف، لا يزال الطرف الآخر مأخوذا ” بالعزة بالإثم ” لا تزال الانتهاكات مستمرة ضد من تبقى من أهلنا، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون لأحزاب أو تيارات أخرى الذين يتعرضون للقمع والابتزاز، ويتم استغلال بعضهم في وسائل الإعلام كشهود زور . مزارعنا وأملاكنا مستباحة، وأعمال الملاحقات والاعتقالات مستمرة ضد أنصارنا أو المتعاطفين معنا في القرى الأخرى . اعتقلوا حتى المعاقين حركيا، ويختطف الأطفال من أحضان أمهاتهم كرهائن .
المعالم الدينية لم تسلم أيضا، هدموا ” قبة مسعود ” وهو رجل دين من آل الرميمة ،وقد كانت أحد أبرز المعالم في المديرية، وبنيت قبل ستمائة عام، كما تعرض ضريح والده السيد علي بن أحمد الرميمة للتخريب والعبث رغم المكانة التي يتمتع بها في قلوب أبناء المديرية وصبر بشكل عام .
بعض المدارس في المديرية تحولت إلى معتقلات للأسر والتعذيب، كما تم نقل عشرين أسيرا من أهلنا إلى معتقلات داخل مدينة تعز، فيما لا يزال أربعة آخرون مخفيين لا يعرف مصيرهم، وآخرون لم نتسلم جثثهم . ونحن هنا وعبركم نحمل ما يسمى المجلس العسكري في المديرية والمحافظة مسؤولية ما يؤول إليه مصيرهم .
حتى الآن، وبعد كل تلك الجرائم والانتهاكات، لا يوجد أي مؤشر يدل على أنهم يتصرفون بمسؤولية، أو أنهم يدركون عاقبة ما يفعلون حتى من الناحية الأخلاقية .

قد يعجبك ايضا