طريق الحرير: ثقافة وتجارة وتنمية
هشام علي

في المقالة الأولى من رحلة الصين لم أتمكن من وصف بلاد الصين واكتفيت بذكر ما جرى في منتدى الحوار العربي الصيني والحديث عن طريق الحرير التاريخي وما مثله من تواصل حضاري وتجاري بين الصين والعرب وامتداد ذلك نحو أوروبا وصولا إلى سواحل المحيط الأطلسي في أسبانيا.
ولا أحتاج لتبرير غياب وصف الصين في مقال رحلة الصين فبرنامج الزيارة كان مكثفا وشاملا وزيارات المتاحف والمعارض والمراكز التجارية وقاعات المؤتمرات والندوات كانت متلاحقة وسريعة ولكن ازدحام البرامج ليس كافيا لتبرير غياب وصف الصين في المقال السابق ذلك أن وصفا عاما لبلاد الصين لا يمكن تحقيقه في رحلة قصيرة كهذه أو في مقال قصير كهذا فالصين قارة مترامية الأطراف وهي تكاد تحتل وحدها أكثر من نصف قارة آسيا كما أنها عالم ممتلئ بالشعوب والقوميات والأجناس تتنوع ثقافاتها وبيئاتها وتمتد وديانها وجبالها وصحاراها إلى جانب الأنهار والبحيرات الساحرة وتتواصل حضاراتها لأكثر من عشرة آلاف عام وتعبر لغتها ذات الأحرف التي تزيد عن ثلاثة آلاف حرف عن عظمة هذه الثقافة ورحابة آفاقها وعمق فلسفتها وتنوع فنونها.
ورغم أن إدارة المهرجان قد حرصت على أن نرى غيضا من فيض بلاد الصين وجمال أهلها وطبيعتها ورتبت للوفود زيارات لبعض المعالم داخل العاصمة بيجين أو في المقاطعتين الأخريين وسأحاول في هذا المقال وصفها وما جرى فيها من فعاليات وتظاهرات ثقافية.
سور الصين العظيم
الرحلة إلى سور الصين العظيم تكاد تكون فرضا لازما لكل وفد رسمي يزور العاصمة بيجين ليس في الأمر غرابة وهذا الأثر التاريخي العظيم يستحق الزيارة في كل مرة رغم ما في هذه الزيارة من مشقة وتعب ولكن حسبنا ما قاله أبو القاسم الشابي ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
لذلك لا بد من الصعود إلى القمة رغم معاناة التسلق والصعود من الناحية الجسمانية ومن ناحية السن بطبيعة الحال ولكنها فرصة في العمر فنحن أمام أعظم انجار تاريخي قام به الإنسان على الأرض في جميع العصور وقد ذكر أول رواد للقمر الذين وصولوا على المركبة أبوللو أن الشيء الوحيد الذي شيده الإنسان على الأرض وتمكنوا من مشاهدته من القمر كان سور الصين العظيم الأمر يستحق التحدي فنحن أمام أعظم إنجاز حققه الإنسان هكذا أخذنا نصعد الدرجات الحجرية والممرات الملتوية في اتجاه إحدى القمم على ذلك السور.
يمتد السور فوق الجبال المرتفعة الواقعة عند الحدود الشمالية التي كانت تفصل الصين عن منغوليا حيث البرابرة والتتار وقبائل من المغول الذين يهددون باكتساح الصين في اتجاه الشرق يبلغ طول السور العظيم 1500 ميل وقد احتاج تشييده إلى عشرات سنين كما احتاج إلى عدد لا يحصى من البشر سقطوا ضحايا أثناء بناء ذلك السور نلتقي في أثناء صعود السلالم الحجرية إلى السور بأجناس مختلفة من الرجال والنساء جاءوا من بلدان عديدة من العالم غالبيتهم من الشيوخ الذين حرصوا على الصعود إلى هذا السور العظيم أتعجب أن كثيرا من الشباب يفضلون البقاء في سفح الجبل في الساحات والمقاهي المتناثرة في كل الاتجاهات.
المنظر على الأرض لا يقل جمالا عن القمة والمتعة بالنسبة لهم قد تكون أوفر وبدون تعب الصعود والنزول هذه الملاحظة أثارت انتباهي فالأجيال الشابة في الدول المتقدمة ارتاحت وفضلت البقاء أمام شاشة الكمبيوتر لقد انتهت الموضة القديمة لفرق الهيبيز التي كانت تترحل في العوالم في كل الاتجاهات لتصل إلى قمم جبال الهيمالايا وتسرح في عاصمة التيبت كاتماندو لتعيش في بوهيمية عجيبة.
أخذت معي أثناء الرحلة بالباص كتابا البورخيس وكان يتضمن مقالا بعنوان السور والكتب يقول بورخيس في بداية المقال قرأت في أيام مضت أن الرجل الذي أمر ببناء سور الصين اللامتناهي هو الإمبراطور الأول شيء هونج تي وهو الذي أمر بطريقة مماثلة أن تحرق الكتب السابقة عليه زمنيا ما كان المقاولتان الواسعتان خمسمائة أو ستمائة فرسخ من الحجارة تبنى بعجلة أمام البرابرة والأبطال الصارم للتاريخ أي للماضي لا بد أن نفس الشخص قد ابتدعهما وكانا بشكل ما من سماته وقد سرني هذا بدرجة لا تفسر وفي ذات الوقت أعجبني يرى بورخيس أن الإمبراطور الصيني بنى السور لأن الأسوار كانت دفاعات وأحرق الكتب لأن المعارضة تتوسل بها لامتداح الأباطرة الغابرين.
إن بناء الأسوار وإحراق الكتب هي أفعال عادية يقوم بها الأمراء يقول بورخيس ولكن ما يميز هذا الإمبراطور هو سباق المسافات الطويلة التي قام بها وتسوير مرزعة أو مدينة أمر ممكن ولكن تسوير إمبراطويرية ليس ذلك مرة ثانية فهو ليس مزحة إنه يحرز أقصى السباقات تقليديا لعزل ذاكرة أسطورية كانت أو حقيقية.
كان للصينيين تاريخ مسجل من ثلاثة آلاف عام والذي يتضمن أثناء هذه السنين الإمبراطور الأصغر وشوانج تسي وكونفوشيوس ولاوتسي وقت أن أمر شيء هوانج تي ببداية التاريخ معه وقام ب