العلم والدين
جمال حسن
حاكمت الكنيسة جاليلو في القرن السابع عشر على آرائه العلمية والتي تبرهن دوران الارض حول الشمس ظلت الافكار الدينية تعارض التفكير العلمي وتحاربه مرجعة كل شيء إلى قواعد دينية وغيبية لا تعتمد على العقل. واذا تتبعنا خط التطور الأوروبي سنجد دائما التعارض بين الكنيسة والعلم بل أن الاولى استمرت في تخلقها قرونا طويلة عن العلم. فبعد براهين علمية أكدت دوران الارض حول الشمس اصرت الكنيسة على موقفها بثبات الأرض ولم تتراجع عنه إلا في العام 1979 أي بعد اكثر من ثلاثة قرون عندما اعترف البابا يوحنا بولس الثاني بأن جاليلو تعذب كثيرا بسبب بعض رجال الكنيسة واجهزتها. ثم اعادت الكنيسة الاعتبار لجاليلو رسميا سنة 1992م.
فالتطور العلمي دائما يسبق هيمنة الكنيسة. لكن لماذا يحاول رجال الدين فرض آرائهم الدينية على الواقع العلمي الذي يعتمد على البراهين العقلية والملاحظة. لماذا في العالم الإسلامي تم اضطهاد الكيميائي والفيلسوف وعالم الفلك. وكما واضح فأوروبا كانت ستظل متخلفة ثلاثة قرون عما هي اليوم بسبب هيمنة الكنيسة واحكامها القاسية على الحقائق العلمية. فقد اعتقد رجل الدين أن العلم يتعارض مع الايمان مما سيضر بإيمان الرعايا. لكن أوروبا تجاوزت الواقع بفصل الحكم عن الكنيسة أو ما يسمى فصل الدين عن الدولة. البعض يرى في “العلمانية” خطر على الدين لكن ما حدث أن العلمانية حافظت على الدين المسيحي بعد حروب دينية دامية فتكت بالملايين. وعلى العكس نجحت في اعادة الكنيسة إلى الصواب باعتبارها متخصصة في الشئون الدينية لا أكثر. وهذا يحد من وقوع الدين في أخطاء جنونية.
فعندما يتحول الدين إلى مرجع لكل شيء في الحياة اليومية يتجاوز حدود اختصاصه بمسائل الإيمان ويتعمق إلى سوط يقمع الفكر والنوايا ويترقب حتى الأنفاس. واحدة من محاولات رجال الدين المسلمين هو اختلاق ما يسمى “السبق العلمي للقرآن”. باعتبار أن القرآن كان سباقا للاكتشافات العلمية. وهي مسألة لا تخلو من ادعاء وتزييف. كما أن هذا الرهان يضع القرآن في محكمة التطور العلمي حيث يكتشف العلم بعد أزمنة أن بعض النظريات العلمية غير صحيحة. وهذا التطور لم يرحم أحد اكبر العلماء نيوتن عندما تم اثبات عدم صحة نظريته حول الحركة. يعتقد رجال الدين الإسلاميون انهم سيحكمون سيطرتهم على العلم من هذا المدخل. لكن الدين والعلم يتعارضان اذا حاول احدهما التدخل في شئون الآخر. فالدين يخص المسألة الروحية والايمانية لدى البشر والعلم يتعلق بالتفكير العقلي والمنهجي الذي يبعث الاكتشافات والنظريات العلمية ويمنحنا ابتكارات من الكهرباء إلى الالكترونيات. فعندما يحاول رجال الدين الاستخفاف بالعلم فهم يمارسون جزءا من رغبتهم في احتكار الحياة البشرية ضمن هيمنتهم. ما قامت به العلمانية انها ازاحت هذا الثوب الرهباني واعادته إلى مكانه الصحيح وتركت البشر يمتلكون الكثير من قضايا حياتهم بعيدا عن مرجعية الكنيسة.
فالكنيسة مازالت إلى أمس تعتمد على قصة التكوين التوراتية على زمن خلق الإنسان على الارض. وقام أحد الأساقفة بحساب ما جاء في التوراة وتوصل الرأي الديني إلى أن خلق الإنسان في عام 4004 ق م. بينما تؤكد الحفريات والاكتشافات الاثرية ظهور حضارات راقية للإنسان في نهاية الالف الرابع ق م في سومر وفي مصر بدأت الحضارة في 3000 ق م كما أن اول حضارة زراعية ظهرت في تل العبيد وفي غرب إيران وجنوب الاناضول كما تشير الحفريات إلى مابين خمسة الف وعشرة الف ق م. كما أن الدلائل تشير إلى وجود حياة بدائية تعود إلى عشرات آلاف السنيين قبل الميلاد. حتى ما نؤمن به في قصص الانبياء اليهود مازال يعتمد كليا على نصوص التوراة فيما لم تظهر مؤشرات دامغة على ارض الواقع. فالملك سليمان بملكوته الخارق الذي يتحكم حتى بالجن لم تظهر كشوفات تؤكد وجوده حتى اليوم ويبدو السؤال ما إن كان يحكم قرى صغيرة يعيش فيها الإسرائيليون في محيط فلسطين.
كانت أوروبا اذا رضخت لأمر الكنيسة ستظل متراجعة اربعة قرون عن الحاضر اليوم وهذا التاريخ الذي مازلنا نتراجع فيه عن العصر بحكم هيمنة التفكير الغيبي على حساب التفكير العلمي. لكن أوروبا انتجت معظم افكارها في عصر كانت الحروب الدينية على اشدها. فهل يحفز اليوم جشع الجماعات الدين للحكم والسيطرة هذا الوعي المقاوم لدينا نحن في عالمنا العربي والإسلامي لنعيد الاعتبار للتدقيق والتفكير والملاحظة على حساب الانصياع والتبعية.