الحج وشعائره العظيمة
كتب/ المحرر السياسي
مع إشراقة شمس هذا اليوم الثامن من ذي الحجة يتوجه حجاج بيت الله الحرام لهذا العام إلى منى . لقضاء “يوم التروية ” استعدادا للصعود إلى جبل عرفات للوقوف على صعيده الطاهر يوم غد التاسع من ذي الحجة .. وألسنتهم تلهج بالدعاء إلى الله يرجون عفوه ومغفرته ورحمته حناجرهم تصدح بصوت واحد ومهيب تقشعر له الأبدان وتهتز من روعته القلوب والأفئدة .. : ” لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ..ان الحمد والنعمة لك والملك ..لا شريك لك ” وذلك اقتداء بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
وعندما نتحدث عن الحج في “يوم عرفة” فنتحدث عن أحكامه الكلية وشعائره العظيمة ومقاصده العليا وفضائله المتعددة وهي تشكل مجتمعة قاسما مشتركا لجميع المسلمين بعامة وبخاصة لضيوف الرحمن الذين يؤدون فريضة الحج وقد جاءوا إلى الأراضي المقدسة على مختلف جنسياتهم ولغاتهم وألوانهم.. لكي يقفوا بين يدي الخالق في خشوع وتضرع وهم متساويين في الإنسانية والكرامة والواجبات والحقوق.. لا فرق بين كبير وصغير ..رئيس وغفير.. غني وفقير.. أسود وأبيض.. بأكفانهم البيضاء حول البيت العتيق يطوفون ..وبين الصفاء والمروة يسعون ..وفي منى يبيتون.. وفي عرفة يقفون.. وعند المشعر الحرام يتضرعون وفي منى يستقبلون عيد الأضحى المبارك.
وعلى هذا الأساس فالحج هو أضخم مؤتمر إسلامي في العالم على الإطلاق فيه يلتقي الحجيج من مختلف أرجاء المعمورة مرة كل عام يصدقون علاقتهم بخالقهم كما في أمور دينهم ودنياهم وقد تجردوا من الأطماع والشهوات والمصالح الخاصة كما أن الحج يمثل رمزا للوحدة والترابط والإخاء والتكافل والتعاون والتضامن والتسامح والمحبة وسواها من قيم تراث المسلمين وثقافتهم الحضارية وتقاليد العيش المشترك فيما بينهم.
وحري بنا القول أن مثل تلكم القيم الإسلامية والإنسانية هي أهم ما يحتاجها أكثر من مليار مسلم اليوم لاسيما في خضم ما تشهده أمتنا العربية والإسلامية من أوضاع مرعبة وتدهور خطير ضرب في مقتل كل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية وقبلها الاجتماعية . ولا نحب أن نقول أن هذه الأحوال بلغت حد الكارثة ولا نتمنى أن تكون كذلك .. فها هي الفتن تضرم النيران وتشعل حرائق الحروب الأهلية والطائفية والمذهبية في كل بلد وهاهي دعوات الفرقة والتقسيم والتفتيت والشرذمة تتوسع وتطل بعنقها القبيح من فضائيات ومواقع إعلامية مشبوهة وهي واضحة ولا تحتاج إلى تفسير!!
في الواقع أن لعنة الحروب الداخلية بين أبناء الوطن الواحد والمصير المشترك والعقيدة الواحدة في مختلف دول المنطقة لم يحصد منها العرب والمسلمون إلا الدمار في مساكنهم ومنشآتهم الاقتصادية وسفكا لدمائهم وحقدا أعمى أنتشر في نفوسهم على أن من المهم القول أن لعنة هذه الصراعات الخبيثة ليست في التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون هذا البلد أو ذاك بل العلة أو اللعنة هي في وجود من باع نفسه للشيطان وتجرد من المبادئ الإسلامية والأخلاقية وأصبح يقتل أخاه أو جاره لمجرد اختلاف في الرأي وحتى المذهب والعقيدة.
وهذه الأفعال المدانة والمستنكرة تتنافى مع مبادئ الإسلام المقررة لحرمة الدماء والمنكرة لجريمة القتل.. وكما يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :” أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة بيته المكرم”.ويعلن النبي للإنسانية جمعاء في صيحة عالية ونبرة جلية مبدأ حرمة الدماء في خطبته البليغة في “حجة الوداع” ونصها : ” أيها الناس أن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا… “.
فليكن عيد النحر هذا العام مناسبة للتأمل في معاني ” التضحية ” والاستعداد للتضحية بالمصالح الخاصة في سبيل الأوطان .. والعودة إلى الرشد والحكمة وإعمال العقل والإخلاص مع النفس والصدق مع الله والاستفادة من هذه المناسبة الدينية الجليلة بما ينفع وفي الختام كل عام واليمن وأمتنا العربية والإسلامية بخير وسلام.