العيد .. بين الحرب والصمود

لم ترحم الحياة ضعفهم ولا قلة حيلتهم ولا هوانهم أمام الأعداء أيضا لم تكتف أقدارهم بما ساقته لهم خلال أكثر من نصف عام مضى من مآسُ غير قابلة للتحلحل ولا للحلول فعلاوة على ذلك أرسلت إليهم أهم لحظات الزمن فرحة في حياتهم على غير ما كانوا يتوقعون أن البؤس وكدر العيش والمهانة أبرز سماته لينقلب من عيد للأفراح إلى عيد للأتراح .. تلك الحالة النكدية يعيشها عامة الشعب اليمني..
 لكن هناك فرقاٍ ما من أسرة لأخرى ومن مدينة إلى  مدينة ومن شريحة اجتماعية إلى شريحة يكمن ذلك في درجة ذلك النكد خصوصا لدى أولئك الذين ذهبوا مجبرين إلى الفقر والمجاعة والمهانة بعد أن تبخرت أحلامهم المشروعة ولم يتبق منها سوى حلم ضمان بقائهم على قيد الحياة .. في الاستطلاع التالي ننقل لكم صوراٍ من بلادي أو بالأحرى من أبناء بلادي وكيف زارهم العيد في ظل الحرب الدائرة في الوقت الحالي .. نتابع:

قبل عام من الآن كان الجميع ينتظر بشغف كبير لحظات السعادة التي سيحملها إليهم عيدهم الأكبر عيد الأضحى المبارك فهذا ينوي زيارة مدينة ساحلية يمنية وآخر ينوي الارتماء في أحضان المناطق الجبيلة حيث الطبيعة وجمالها فيما ثالث يصنع لنفسه برنامجا ترفيهيا يضمن له الفوز بأكبر قدر ممكن من السعادة وإذا ما حضر العيد عاش كلَ لحظته المنتظرة لكن ما يؤسف حقا أن تلك الحياة أصبحت من ماضينا السعيد فقط بقي معنا منها في حاضرنا الذكرى لا غير اما الآن وبالتحديد في عيد الأضحى المبارك لهذا العام فقد اتحدت برامج الناس في برنامج واحد هو النجاة من هجمات الموت المفاجئة بين الحين والآخر .
عيدَ ومنزله مْدمرَ
بسام الحمادي مواطن من محافظة تعز يعمل مهندسا في شركة خاصة وأبَ لستة من الأولاد يصور لنا واقع حياته اليومية وكيف مر عليه العيد فيقول « كنت أعملْ في شركة خاصة وعملي يدر علي الدخل الكافي الذي كان يمكنني من العيش بكرامة لكنني وجدت نفسي فجأة من أفقر الناس إذ لم يعد بمقدوري الإيفاء بكامل متطلبات الأسرة الضرورية فالحرب دمرت منزلي في المدينة بعد أن نزحت منه ولأن دمار المنزل لم يخطر ببالي فقد تركت أغلب الأشياء الثمينة داخله على أمل أن نعود إليه في القريب العاقل لكن ما حدث هو العكس تماماٍ إذ تبددت آمال العودة بعد تدميره أما بالنسبة للعيد فقد نسينا أمره تماماٍ ولا يذكرني به سوى أبنائي القصر حينما يسألونني ببراءة عما إذا كنا سنخرج للنزهة كما هو المعتاد في كل عيدُ من كل عامُ .
انقطاع باب الرزق
وإذا كان الحمادي قد نسي أمر العيد فإن محمد جميل لم ينسه على الإطلاق بل يكاد يستعجل وصوله لكن ثمة أمراٍ مختلفاٍ فحنينه للعيد ليس لشغفه بقضاء أمتع الأوقات خلاله بل لهدف آخر ليس ببعيد عن ضمان الاستمرار في الحياة, فجميل الذي كان يعمل في العاصمة صنعاء بناء ويعول أسرته مما كسبت يداه انقطع عنه ذلك الباب للترزق فلم يبق أمامه سوى الرحيل إلى الجبال بغية الحصول على أعواد الحطب الذي سيقوم بعد ذلك بحمله على ظهره قبل أن يبيعه على المحتاجين له في المدينة وقدوم عيد الأضحى المبارك خير موسم لهذه التجارة يقول محمد « انتظرنا عدة أشهر انتهاء الحرب لكنها لم تنته قبل أن ينفد ما كنا قد ادخرناه من أعمالنا الحرة في المواسم السابقة ولما لم نجد حلا فكرت بالاحتطاب ولم أكن أنا الوحيد الذي يقدم على هذا العمل فهناك الكثير ممن جارِ عليهم الزمن وأصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء لا يمتلكون شيئاٍ «.
مأساةْ أسرةَ
عبدالحميد صباري – رجل في الثالثة والخمسين من عمره لم يجد بدا من تذوق مرارة العيد المؤلمة بعد أن فقد أغلى ما يملك قبيل مجيئه إذ انتزع الموت أو بالأحرى الحرب اثنين من أبنائه من بين يديه وترك له الدنيا بأيامها وأعيادها ليتمرغ في لهيب جورها وتعاسة ساعاتها يقول صباري « في العام الماضي كنت أقف على رأس الأسرة والمرح والفرح يعج في جميع الأنحاء كان الأطفال أحفادي أيضا يعبرون عن سعادتهم بشقاوتهم والعابهم داخل وخارج المنزل في الشارع وفي الحدائق والمتنزهات كان الكل غارقاٍ في متع العيد لكن ما حدث لنا بعده بأسابيع وحتى اللحظة حرمنا من تلك الراحة من حينها وحتى اللحظة وبالنسبة لي فقد حرمني متعة العيش حتى الممات بعد أن فقدت في هذه الحرب أغلى ما أملك وهما ولداي الأكبر والذي يليه وتركا لي ثلاثة من الأبناء كأيتام سيعيشون بعيداٍ عن أبويهم ولم أفقد أبنائي وحسب بل مصدر الدخل أيضاٍ حيث كان لي ثلاثة محلات تجارية في المدينة واحدَ منها تدمر بالكامل والثاني تعرض للسرقة بينما الثالث وهو أقلهم دخلاٍ لا يزال يعمل على الرغم من أنه واقع تحت التهديد وقد أفقده في أي لحظة ».
النزوح إلى الجبال
« العام 2015م 1436هـ سيبقى بالنسبة لي عام الحزن والنكد « هكذا يقول عبدالباقي الكناني في مفتتح حديثه عن هذا العام وبالتحديد عيد الأضحى المبارك الذي قال عنه إنه لم يأت بالخير والسرور كعادته فقط بل مسح مربع السعادة المنتظرة ومر من أمامه وأمام الجميع بهدوء دون أن يمنحهم ولو دقائق من نفحات المرح ويقول « كنا في كل عيد ننزحْ من منازلنا إلى الحدائق والمتنزهات وحتى السواحل ومدنها, أما في العيد هذا العام فقد نزحنا إلى الجبال والأرياف هروباٍ من المدينة التي تقع تحت نيران الحرب ومات وجرح فيها الكثير منهم أقارب وعلى الرغم من أن الريف يوجد فيه نسبة أمان لا توجد في المدينة غير أننا نعاني الكثير من المشاكل أهمها نقصَ كبيرَ في المواد الغذائية التي لا تصل إلينا إلا بشق الأنفس وبأسعار مبالغ فيها إلى حدُ كبير ».

قد يعجبك ايضا