يتواصل العدوان ويستمر معه سفك الدماء والهدم والدمار الذي طال الحجر والشجر ولم يبق ولم يذر , هاهي مواطن الحضارات الممتدة منذ آلاف السنين تئن جراحاتها وتلملم أوجاعها بعدما امتدت صواريخ الحقد إليها وانتهكت حرماتها ,فصنعاء القديمة التي مازالت جراحاتها تنزف في حارة القاسمي التي استهدفها صاروخ العدوان وأتى على عدد من منازلها القديمة الشامخة منذ آلاف السنين ودفن ساكنيها تحت ركامات ياجورها وأخشابها , هاهو الحقد السعودي يزيد جراحات هذه المدينة ويرتكب جريمة جديدة أبشع وأفظع مما ارتكبه في حارة القاسمي , حيث امتدت صواريخه اللعينة لتعيث خرابا ودمارا في حارة الفليحي واستهدفت بشكل مباشر منزلا تاريخيا لأحد المواطنين البسطاء الذي لا يعرف أبجديات السياسة القذرة همه الوحيد في هذه الحياة هو إشباع تلك الأفواه الجائعة التي يعولها ويعمل ليل نهار لتوفير احتياجاتهم معتمدا في ذلك على زراعة بسيطة جدا في مقشامة الحارة ويبيع منها المحصول من الخضروات وتحديدا البيعة والفجل والكبزرة وغيرها ويفترش زاوية كل يوم في ثنايا حارته المنكوبة حارة الفليحي , رحم الله العيني المواطن البسيط والمزارع الذي يعرفه الكثير من سكان الحارات في صنعاء القديمة دفن مع كافة أفراد أسرته تحت أنقاض منزلهم أطفالاٍ ونساءٍ وهو على رأسهم في جريمة تتكرر مشاهدها بشكل شبه يومي في مناطق يمنية مختلفة والفاعل أو القاتل واحد .
ومع كثرة هذه الجرائم تكون النهاية حتمية وكما يقال إذا زاد ظلم الظالم فذلك أذان بزواله .
منازل بسيطة
ومع استمرار الاعتداءات على صنعاء القديمة صنعاء الحضارة والتاريخ من قبل العدوان تحدث الكثير من الأضرار فكما هو معروف لدى الجميع أن مباني صنعاء القديمة تتأثر بأبسط المؤثرات فكيف بصواريخ كبيرة تهطل عليها من السماء من على بعد مئات الكيلو مترات ..
وهنا التقينا بعدد من المسؤولين والمعنيين وتعرفنا من خلالهم على تأثيرات هذه الجريمة وكيف ينظرون إليها .
الأخت هدى أبلان نائب وزير الثقافة والتي قامت بزيارة الى موقع الجريمة في حارة الفليحي واطلعت على حجم الدمار الذي لحق بالمباني التاريخية في نطاق الحارة والحارات المجاورة , اكدت ان ما حدث من اعتداء على مدينة صنعاء القديمة يمثل جريمة بحق التراث الإنساني بشكل عام والتراث اليمني على وجه الخصوص والتي تعتبر صنعاء القديمة أهم وابرز مكوناتها .
وقالت : بالرغم من حزننا على أولئك الأبرياء الذين سقطوا في هذه الجريمة إلا أن خسارتنا الحضارية والتاريخية كبيرة ولا يمكن تعويضها فالأضرار وصلت إلى مستوى كبير وامتدت إلى حارات وأحياء واسعة من صنعاء القديمة امتدت من حارة الفليحي التي أخذت منازلها النصيب الأوفر من الضرر إلى حارات معمر والقزالي والعلمي وداود والزمر وطلحة والجوافة وغيرها.
مؤشر خطير
وأضافت : إن استمرار استهداف صنعاء القديمة والمعالم والمواقع التاريخية والأثرية يعد مؤشراٍ خطيراٍ ينبغي على الجهات والمنظمات الدولية المعنية أن تضطلع بدورها الأخلاقي إزاء مثل هذه الاعتداءات التي تمس الانسانية برمتها وأن تخرج من بوتقة الصمت والكلام إلى رحاب الفعل الذي يوقف قوى العدوان عند حدها فلم يمض الكثير من الوقت على الجريمة التي ارتكبتها قوى العدوان في حارة القاسمي حتى ترتكب جريمة أخرى في حارة الفليحي .
وأشارت إلى أن وزارة الثقافة والهيئات المعنية التابعة لها تتابع بقلق بالغ مثل هذه الاعتداءات وتعمل على رصد وتوثيق تلك الجرائم لاطلاع الرأي العام المحلي والعالمي بما يقوم به العدوان من استهداف ممنهج لتراث اليمن الثقافي .
تقييم الأضرار بشكل موسع
ما بين حارة القاسمي وحارة الفليحي مسافة ليست بالبعيدة وبالتالي تعتبر المنازل الواقعة بين الحارتين متضررة وما بينهما حارات عديدة , ناهيك عن أضرار الاهتزازات في الجهة الأخرى المتاخمة لجبل نقم اهتزازات ناتجة عن تلك الصواريخ الضخمة التي تلقي بها طائرات العدوان على هذا الجبل , ولا ننسى التأثيرات الناجمة عن استهداف مجمع العرضي التاريخي القريب جدا إلى باب اليمن وبهذا تكون معظم منازل وحارات صنعاء القديمة قد وصلت إليها الأضرار وهذا يستوجب أن تشكل لجان فنية من الجهات المعنية لتقييم الأضرار في كافة حارات المدينة .
ساعات عصيبة
الدكتورة أمة الملك الثور وكيلة وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمدن التاريخية والتي زارت موقع الحادثة اليوم التالي وشاهدت الدمار واستمعت إلى روايات من أصحاب الحي عن تلك الساعات العصيبة التي مرت عليهم لحظة وقوع الاعتداء على حارتهم , تقول : مشاهد الدمار والخراب تدمي الفؤاد وتوجع القلب فالدمار يعم المكان وما يبعث على الأسى هي تلك القصص والروايات التي سمعناها من الناس في تلك الحارة المنكوبة (حارة الفليحي )وقت وقوع الاعتداء حجم الهلع والذعر والخوف الذي أصيبوا به كبير جدا وخروج الناس والأطفال والنساء من منازلهم دون شعور منتصف الليل خوفا مما حدث أو سيحدث بيوت آيلة للسقوط وأخرى مدمرة مواقف وأحداث ومشاهد عشتها في صنعاء القديمة اليوم الثاني للجريمة يصعب استيعابها جعلتني ودون شعور لا أتمالك نفسي عن حبس دموعي التي انهمرت قطرات أمام هذه المشاهد الأليمة التي عشتها وتجولت بين ثناياها في منازل وأزقة وحارات هذه المدينة المنكوبة .
انعدام أخلاق أم دين
وأضافت : كنت والكثير من المعنيين والمتابعين مستبعدين تماما أن يتم استهداف صنعاء القديمة مرة أخرى بعد العدوان العدوان الذي حصل على حارة القاسمي وما أحدثه ذلك الاعتداء من ردود أفعال قوية على المستويين المحلي والدولي والتحذيرات التي أطلقتها اليونسكو المعنية بحماية التراث الإنساني وأيضاٍ ما أعقبه من حدث هام وهو إقامة مؤتمر خاص عن التراث اليمني وما يعيشه في ظل العدوان دعت إليه اليونسكو وأقيم في باريس , ولكن ما اعتقدناه كان خاطئا فهذا العدوان لا يهمه شيء ولا يكترث لأحد ولست أدري لماذا يتم استهداف مواطن التراث وصنعاء القديمة تحديدا لا يوجد منطق أو لغة يمكن الإجابة بها عن هذا السؤال لماذا يا ترى هل الحقد من قبل قوى العدوان وتحديدا السعودية هل هو سعي ممنهج لتدمير حضارة اليمن السعيد هل انعدام أخلاق أم قلة دين .
220 منزلاٍ تاريخياٍ متضرراٍ
وأشارت إلى أن هذا الاستهداف لحارة الفليحي كان القشة التي ضربت ظهر البعير فحوالي (220)منزلاٍ تاريخياٍ تضررت جراء هذا القصف منها قرابة (60) منزلا أضرارها بالغة وامتدت الأضرار لتشمل حارات عديدة وتنوعت الأضرار ما بين تهدم وتشقق وتكسر تجاويب ونوافذ وأبواب وقمريات وغيرها فمنازل المدينة ضعيفة أساساتها وأبسط الاهتزازات تؤثر عليها فالمخاوف على منازلها من اهتزازات المركبات المتوسطة والخفيفة وحتى الدرجات النارية مابالنا بثلاثة صواريخ استهدفت منزلا في حارة الفليحي وهذه الصواريخ الثلاثة حسب رواية بعض الأهالي وهي رواية غير مؤكدة.
ولفتت إلى انه وبالنظر إلى المنزل المستهدف فإنه يتبع أحد الأشخاص البسطاء جدا الذي يعمل مزارعا في مقشامة الحارة ويبيع خضروات في ساحتها يعرفه الجميع بأنه بعيد جدا عن أي انتماء سياسي أو حزبي وهذا يدل على أن الاستهداف الغرض منه إرعاب وترويع المواطنين جميعا وسكان هذه المدينة على وجه الخصوص .
وانتقدت بشدة التعتيم الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام إزاء الجرائم التي ترتكبها قوى العدوان بحق الشعب اليمني وهذا التعتيم الممنهج جعل العالم لا يعرف ماذا تعمل جارة السوء باليمن واليمنيين من قتل وتدمير وحرب إبادة امتدت لكافة مجالات الحياة فأين الأخلاق وأين الإنسانية لا نتحدث عن الإسلام والعروبة وإنما عن الإنسانية أين هي لماذا ضاعت في غياهب السياسة القذرة والأموال المدنسة وصمتت أمام هذه الجرائم البشعة¿ .
جريمة مرفوضة
هيئة المحافظة على المدن الترايخية كانت قد أعلنت عقب الحادثة مباشرة عن إحصائية أولية بعدد المنازل التي تضررت جراء هذا الاستهداف ,حيث أكد نائب رئيس الهيئة المهندس نبيل منصر أن قرابة (60) منزلا تاريخيا تضررت جراء هذا العدوان تنوعت وتفاوت حجم الأضرار فيها إلا أن الغالب فيها أن الأضرار بالغة منها تهدم منزل كليا و(12) أكثر تضررا (جزئيا) و(45)أقل تضررا فيما امتدت التأثيرات إلى منازل أخرى تشكل فيها تحطم وتلف النوافذ والأبواب والقمريات العلامات الأبرز .
وأشار إلى أن التأثيرات التي رصدت تعد أولية نظرا لضيق الوقت الذي عمل فيه الفريق الفني من الهيئة الذي قام بحصر الأضرار بصورة عاجلة لاطلاع الرأي العام عليها , حيث ستعمل الهيئة خلال الفترة القادمة على تشكيل فرق ولجان ميدانية متخصصة لتقييم الأوضاع بشكل أدق في معظم الحارات فقط تحتاج الهيئة الى توفير الإمكانيات المادية للقيان بهذا التقييم والتوثيق الهام .الذي قد تنتج عنه تسجيل أضرار لحقت بمنازل كثيرة لم تكن رصدت من قبل خاصة في الحارات الواقعة مابين حارتي القاسمي والفليحي أو القريبة من الأماكن المستهدفة وخاصة نقم .
وقال: إن استمرار العدوان السعودي باستهداف مدينة صنعاء القديمة ومنازلها التاريخية العريقة وإصابتها بأضرار كبيرة ناهيك عن سقوط الأرواح البريئة من المدنيين وأبرزها ما حدث للمزارع حفظ الله العيني وهذا يمثل انتهاكا صارخا للقوانين والمعاهدات الدولية التي تجرم استهداف المدنين والمعاهدات والاتفاقيات التي تحرم وتجرم استهداف مواقع التراث والأضرار بها بناءا على اتفاقية التراث العالمي التي وقعت عليها الكثير من الدول عام 1973م وكذا اتفاقية لاهاي عام 1954م والبروتكولين الإضافيين وكل تلك الاتفاقيات نصت على عدم استهداف مواقع التراث الثقافي في أي بلد وتجنيبها الصراعات والنزاعات المسلحة .
ولفت منصر إلى أن الهيئة أبلغت اليونسكو بهذا الاعتداء الخطير الذي ليس الأول بحق صنعاء القديمة فقد سبق للعدوان أن استهدف منازل في حارة القاسمي استهدافا مباشرا ناهيك عن الاعتداءات المتكررة على مجمع العرضي التاريخي الواقع في محيط المدينة التاريخية .
وطالب منصر منظمة اليونسكو باتخاذ إجراءات فعلية بحق قوى العدوان لإيقاف هذا التطور الخطير والمتثل في مواصلة العدوان وتماديه باستهداف مدينة صنعاء القديمة .
وجدد إدانة الهيئة للاعتداءات المتكررة التي تقوم بها ما تسمى بدول التحالف بقيادة السعودية على مواقع التراث الثقافي في اليمن.
تصوير/ فؤاد الحرازي