أبرياء تعرضوا للمساءلة الجنائية عن جرائم ارتكبها أشخاص استخدموا أرقام هواتفهم دون علمهم.


تحقيق / هشام المحيا –

حصريا في اليمن وبسهولة يحصل الناس على خدمتي “الإجرام بالنيابة والتهم المجانية” والسبب أن الكثير من اليمنيين يحصلون على شرائح اتصال لهواتفهم النقالة وبمجرد فقدان الواحد منهم لجواله أو حصوله على رقم مميز أو انتهى الرصيد وهو “حراف” يفقد علاقته عمليا بهذا الرقم تماما دون إشعار شركة الاتصال المختصة برغبته في إلغاء العقد معها أضف إلى ذلك أنه لا يعلم شيئا عمن يستخدمها وهي ما تزال مقيدة باسمه الأمر الذي شجع الكثير من المنحرفين على استخدامها في جرائم جنائية كبيرة كالعمليات الإرهابية أو القتل أو النهب وحتى معاكسات بعض الشباب للفتيات.
في التحقيق التالي تعرفون حجم المشكلة التي اعتبرها أمنيون وتكنولوجيون واجتماعيون تهديدا رسميا للأمن القومي للبلد وللسلم الاجتماعي فيما مواطنون وشركات اتصالات يشرحون الأسباب .. والمعالجات .. التفاصيل في سياق التحقيق التالي .

بعد أن توسعت شبكات اتصالات الهاتف المحمول في اليمن التي وصلت إلى أربع شركات كلها تتنافس على كسب ود أكبر قدر ممكن من المشتركين وقدمت الشركات الكثير من التسهيلات في سبيل ذلك كخفض رسوم الحصول على الشريحة وعدم التعقيد في شروط طلبها حتى وصل رسوم الشريحة عند بعض الشركات إلى خمسين ريالاٍ في حين لا يتجاوز الحد الأعلى لرسومها عند الكل من 500 إلى 700 ريال ونظرا لقلة وعي المواطنين بمخاطر التساهل في التعامل مع العقود التي يوقعونها مع شركات الاتصالات مقابل الحصول على شريحة اتصال وخطر ذلك على الأمن القومي للبلد بشكل عام وعلى أنفسهم بشكل خاص فقد وقع الكثير منهم في مشاكل دفعوا ثمنها غاليا ففي الغالب يقوم الكثير بشراء شريحة اتصال باسمه وتحمل بيانات بطاقته الشخصية وفي حال فقدانه لهاتفه السيار لايفكر قطعاٍ بإبلاغ الشركة بذلك حتى توقفها فقط يكتفي بشراء غيرها أيضاٍ هناك حالات أخرى فمثلا إذا انتهى رصيد الشريحة وهو غير قادر على السداد أو حصل على رقم أعجب به يقوم تلقائيا برمي الشريحة في أي مكان دون اكتراث .
وكثيرَ هم الذين طرحنا عليهم سؤالاٍ.. كيف يتصرفون مع شريحة اتصال هاتف نقال حينما يفقدونها أو يستغنوا عنها فتوحدت إجابات الغالبية العظمى منهم بالقول “إذا فقدت أشتري بدلها وإذا استغنيت عنها أرمي بها” وذكر الكثير من هؤلاء أنهم يستخدمون أرقاما ليست بأسمائهم فهي إما بأسماء أقاربهم أو أصحابهم والبعض منهم لا يعرف هوية صاحب الرقم الحقيقي وأكدوا أن الحصول على رقم جوال أمر سهل للغاية ويجدون في الغالب تعاوناٍ كبيراٍ من محلات الاتصالات التي تبيع شرائح الاتصال أما النادر منهم فقال “أبلغ شركة الاتصال المختصة إما لاستبدالها أو إلغائها”
مخاطر جسيمة
المهندس عبدالغني المحمودي تحدث عن تلك المخاطر من وجهة نظر علمية وقال “المؤسف حقا أن نجد هذه المشكلة منتشرة بشكل كبير ولا يوجد من يوعي الناس بمخاطرها لا رسميا ولا حتى مجتمعياٍ والحقيقة أن إهمال أرقام الهواتف المحمولة من قبل المواطنين مشكلة تكون سيفا ذا حدين حدا تقطع به الأمن القومي للبلد وحدا تقطع به الأمن المجتمعي من جهة والأسري من جهة أخرى فمثلا في السنوات الأخيرة تزايدت حدة الهجمات الإرهابية وظاهرة الاغتيالات للسياسيين والعسكريين وحتى المواطنين ولم تتمكن الدولة من ضبط الجناة وذلك لأن من يقومون بهذه العمليات هم عصابات ومنظمات إرهابية يِستخدمون للتواصل بين أفرادهم عند تنفيذ عملياتهم ..أرقام هواتف نقالة ليست بأسمائهم كما حدث في المجزرة التي ارتكبتها القاعدة في مستشفى مجمع الدفاع.. وأكد ذلك الفيديو الذي بثته القاعدة فيما بعد وأظهر الاتصالات التي أجرتها قبل العملية بيوم واحد أيضاٍ يستخدمها الكثير من المجرمين لتنفيذ عمليات قتل أو نهب أو سطو وكل ذلك يفاقم الوضع الأمني في البلد ويهدد الأمن القومي بشكل عام”.
ما قاله المهندس المحمودي أكده عبد الخالق حميد ضابط بحث جنائي سابق والذي يكشف أن جرائم عدة تكون الخيوط الموصلة لها شريحة الاتصال والتي غالبا ما يكون مالكوها الحقيقيون بعيدين عن تلك الجرائم ونظرا لتوسع ظاهرة استخدام الناس لأرقام ليست بأسمائهم فقد توسعت دائرة الجرائم المجهولة .
من جهة أخرى هناك مواطنون يقدمون شكاوى على أرقام بعينها تقوم بممارسات غير أخلاقية وإزعاجها لهواتف بناتهم وعندما نقوم v بالتحقيق في القضية نتوصل إلى طريق مسدود فصاحب الرقم الحقيقي في الغالب يكون قد استغنى عن الرقم منذ فترة ويستخدمه حاليا شخص لا نستطيع التوصل إليه من خلال إمكانياتنا التكنولوجية المتواضعة جداٍ وهذا الأمر يعمق الجرح الأمني في البلد ويهدد عملية السلم الاجتماعي .
لكن بالمقابل إذا ما تم القضاء على ظاهرة الأرقام المجهولة فمن المؤكد أن الأمن سيتمكن من كشف هوية الجناة ومعها الكثير من الجرائم .
عمق الظاهرة
الخبير الاقتصادي اليمني الدكتور بركات الناجي ذكر لنا قصته الشخصية والتي تقع تحت هذا الإطار فقال “قبل حوالي 42 عاماٍ وبالتحديد بعد الثانوية خرجت من اليمن للدراسة في بريطانيا وبعد أن أكملت دراستي الجامعية والدراسات العليا وعملت هناك لسنوات عدت إلى اليمن في العام 2011م للاستثمار في مشروع اقتصادي استراتيجي ولأن الأوضاع الأمنية كانت متدهورة سحبت كل أموالي من البنوك إلى منزلي لكنني تفاجأت باغتيال ابنتي الصغيرة ثم في وقت لاحق تم خطف زوجتي وابني ونهبت كل الأموال من داخل المنزل وقت صلاة الجمعة وبعد محاولات عديدة من جانب الأمن للقبض على الجناة تمكن الأمن القومي في الحديدة من كشف هوية الجناة وعثروا على زوجتي وابني في الصحراء بالحديدة وكان ذلك عن طريق رصد المكالمات الهاتفية للعصابة المسجلة بأسمائهم”.
قصة الدكتور الناجي كانت نموذجا لنجاح الأمن بسبب أن الأرقام كانت بأسمائهم أما قصص الإخفاق في القبض على الجناة فقد تمثلت في قصة المواطن محمد القريضي الذي أوضح أن عراكاٍ حدث بين شخصين بالأسلحة البيضاء “الجنابي” في مكان خالُ من السكان وقتل أحدهما الآخر وكان قد سقط جوال القاتل دون أن ينتبه وعند جمع الأدلة الجنائية اكتشف الأمن أن الرقم يحمل اسمي فكانت العيون الجنائية تتهمني بالقتل ولولا وجود أدلة جنائية أخرى اهتدوا بها للقاتل الذي سرعان ما اعترف لكنت أنا الضحية.
تمرد أخلاقي
بعيدا عن الجرائم الجنائية تعد الأرقام المجهولة إحدى وسائل الانحراف الأخلاقي عند بعض الشباب الذين استخدموها للمعاكسات وإيذاء منازل الناس وأكد الناشط الاجتماعي إيهاب عبدالكريم رئيس حملة مناهضة العنف المنزلي أن استغلال الشباب للأرقام المجهولة من جهة وسهولة الحصول عليها من جهة أخرى قد سبب مشاكل جمة للكثير من الأسر اليمنية وقال “المعروف أن المجتمع اليمني يعد من المجتمعات المحافظة من الدرجة الأولى ويأتي ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه الهواتف النقالة من الحاجات الضرورية في العصر الحالي للمجتمع ككل رجالاٍ ونساءٍ شباباٍ وشابات الأمر الذي يجعل أرباب الأسر في حالة ترقب دائم للهواتف التي تستخدمها بناتهم أو زوجاتهم .
وقيام بعض الشباب بمعاكسات الفتيات سواء بالاتصالات المتكررة أو الرسائل النصية يدخل تلك الأسر في مشاكل عصيبة تتطور أحيانا إلى ما هو أبعد من ذلك”.
وذكر إيهاب أن حالات عدة من هذا النوع قد عِرضت الفتيات لمشكلة فقدان الثقة بينهن وبين الآباء وترتب على ذلك مشاكل أسرية عميقة هذا فضلا عن أن الكثير منهن قد تعرضن لحالات ضرب وامتهان.
الأسباب
رئيس قسم المبيعات بشركة يمن موبايل عبدالجبار البدوي تحدث بما هو أبعد من ذلك وشرح الأسباب وحذر من الظاهرة فقال “هناك مجموعة من الإجراءات تتخذها الشركة عند رغبة المواطن الحصول على خدمة الاتصال “الشريحة” وفي مقدمتها أن يحضر الشخص الراغب في ذلك بنفسه وأن يقدم البطاقة الشخصية لإثبات هويته كي يبرم العقد بينه وبين الشركة بصورة مباشرة وهذا ما يحصل في الغالب”.
البدوي لم ينكر وجود اختلالات ولم يقلل من خطورة المشكلة لكن أوضح ذلك بالقول “صحيح هناك اختلالات تحدث من وقت لآخر كأن يتم قطع بدل فاقد أو عملية نقل ملكية رقم محدد للشخص غير المالك للرقم مسبقا ولكن هذه المشاكل لا تحدث في مقر الشركة أو فروعها أو حتى الوكلاء فهي تحدث عند نقاط البيع” محلات الاتصالات” والتي يشرف عليها الوكلاء”.
وقاطع حديث البدوي مواطن كان يستمع للحديث بإمعان وقال “قمت بقطع شريحتي اتصال لعدد اثنين من السياح الأجانب باسمى كي يتمكنوا من التواصل “وأردف قائلاٍ: “لكن الحمد لله قد سافروا ولم يحدث شيئاٍ” عاد البدوي إلى الحديث وقال: “في حال حدث مثل هذه التجاوزات نكلف الوكيل بحل المشكلة وتشديد الرقابة على تلك النقاط”.
التوعية
مدير عام العلاقات والإعلام بالمؤسسة العامة للاتصالات أكد أن هذه القضية هي قضية توعوية بحتة وقال ” حل أي مشكلة يجب أن يكون بناء على حلحلة أسبابها وباعتقادي أن المشكلة هنا تكمن في تدني الوعي المجتمعي حول مخاطر الأرقام المجهولة وعليه يجب أن تتضافر جهود الجميع لرفع مستوى الوعي المجتمعي في هذا الجانب .
تجاهل وكارثة
المؤسف جداٍ أن الأرقام المجهولة تعد ــ بلا أدنى شك ــ من مهددات الأمن القومي للبلد والسلم الاجتماعي عموما والأسري بوجه خاص من جهة أخرى ومع ذلك لم تأخذ المشكلة أدنى حيز من الاهتمام الرسمي ممثلا بالدولة أو غير الرسمي ممثلا بمنظمات المجتمع المدني وقد ظهر ذلك جليا في الجانب الرسمي برفض رئيس دائرة الإعلام والتوجيه المعنوي بوزارة الداخلية العميد الدكتور محمد القاعدي الحديث عن الموضوع لذلك يجب أن يعمل الجميع على كبح جماح الظاهرة بالمزيد من الوعي لما فيه الصالح العام.

قد يعجبك ايضا