الموقف من فلسطين اليوم، من القضية ومما يعيشه أبناء غزة من ظلم عالمي، هو بالفعل كما قال السيد القائد “معيار للمبادئ والصدق والانتماء الحقيقي للإسلام والعروبة والإنسانية”، فقد طال الانتهاك الصهيوني كل شيء وتبلّد الضمير الإنساني عن فعل أي شيء، فالعدو، كائن متمرد ولا تؤهله طبيعته الوحشية لأي مستوى من التعايش مع الآخرين، وهي مسألة يدركها الكيان نفسه لذلك يتبع سياسة الغطرسة والتحدي للعالم في محاولة لتعويض الشعور بالنقص الناجم عن القناعة بعدم تقبل الآخرين له.
في غزة، قدَّم نموذجا لطبيعته الحيوانية، فلم يُبق أي حُرمة للقيم الإنسانية والأخلاقية وهو يمارس هذا التوحش بحق الأطفال والنساء، ولم يراع أي اتفاقات دولية وضعت حدوداً وقواعد للحروب.. هناك وقد صوّب أسلحته تجاه شعب أعزل، لم يكتف بإلقاء القنابل الأمريكية على رؤوسهم، وإنما زاد على ذلك باستخدام “التجويع والتعطيش” كسلاح حرب وعقاب جماعي، في سابقة لاستخدام أساليب رخيصة من أجل إبادة الطرف الآخر أو دفعه للاستسلام. وهو جعل شعارات الحقوق طوال الوقت على سطح الأحداث الدموية.
ما الذي يمكن أن يتحدث عنه المجتمع الدولي غدا؟! كيف سيرفع مرة أخرى شعارات الحقوق والحريات ومفاهيم القيم والقواسم الإنسانية المشتركة؟ وكيف سيسوق للعبارات الجاهزة من أجل شرعنة استهداف أنظمة أو قيادات من العالم وخاصة المنطقة العربية والإسلامية؟ كل العبارات المنمقة التي قدمت الغرب ككائنات ملائكية، كشف أطفال فلسطين زيفها حين حشروا أصحابها في زاوية إثبات المصداقية، ولم يظهر من هذا الغرب إلا الوجه القبيح.
أن يموت الإنسان جوعا في غزة بينما مليارات البشر يشاهدون، فإنه أوضح الشواهد على خلل بات يسيطر على الضمائر، وعلى وضعٍ صارت فيه شرور الشيطان أكثر استحكاما وتأثيرا، بحيث ماتت فيهم حُرمة الدماء البريئة، وحُرمة أن يتضور طفل أو أُم أو عجوز مُسن من الجوع حتى الموت، فلا يجد حتى الخبز والماء.
ثم يصير الواقع أكثر قساوة حين يجري استغلال العدو الصهيوني لجوع الناس فيدفعهم إلى مصائد للموت بحُجة توزيع أكياس الطحين عليهم، ثم وعلى مرأى ومسمع من البشر يتساقط المجوعون شهداء برصاص مجنديه.
أمس قام المبعوث الأمريكي المدعو “ويتكوف” بزيارة لمؤسسة القتل المسماة بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، ولم يكن الأمر بحاجة لجهد كبير من أجل فهم أن الزيارة تنقل مباركة واشنطن لسياسة التوزيع غير الأخلاقية والتي تعتمد القتل بعد امتهان كرامة الناس بقصد مراكمة حالة اليأس والإحباط في نفوس الفلسطينيين ودفعهم إلى اختيار الهجرة الطوعية لأرضهم وبلادهم.
كما كان واضحا أن زيارة المدعو ويتكوف جاءت كمحاولة لتبييض الصورة القاتمة لواشنطن خصوصا وقد ادعى أنه في غزة لمعاينة عمليات التوزيع ونقل صورة حقيقية لترامب – حسب طلبه – وهو ما استنكره الكثير من المراقبين، فرائحة دماء الفلسطينيين المجوّعين قد انتشرت على مستوى العالم وخلقت ردود أفعال رافضة لهذه السياسة غير الأخلاقية، ولم تكن بحاجة لمبعوث قد شهدت مواقفه على صهيونيته.
بالتزامن، منظمة “هيومن رايتس” والكثير من المنظمات خلصوا بلا أدنى مساحة للجدال بأن ما تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” تؤدي دورا في مخطط الإبادة للشعب الفلسطيني، وأن ما تقوم به يخلو من أي تحرك إنساني لإنقاذ الناس من الجوع.
كما لم يعد هناك من بمقدوره اليوم النفي أو التشكيك في مشهدية التجويع وسياسة التوزيع للمساعدات الغذائية في غزة، وربما هذه من أندر الأحداث التي اتفق فيها الرأي العام العالمي باستثناء من هي مشاركة في هندسة المجاعة بقيادة الولايات المتحدة، مع ذلك يقف تعبير هذا العالم عند مستوى البيانات، وهو ما لا تعطيه أمريكا وإسرائيل أدنى اهتمام.