في زمن المواجهة الكبرى مع الكيان الصهيوني البغيض

أ. د / عبدالعزيز صالح بن حَبتُور

 

 

حينَما أبلغنِي الفنيُّونَ مِنَ اللجنةِ العلميَّةِ في مُؤسَّسةِ دارِ ابنِ حَبتُور للثقافةِ والعُلومِ والتوثيقِ الخيريَّةِ بأنَّ المُجلَّدَ الثالثَ قد اكتملَ ولم يبقَ سوى انتظارِهمُ المقدمةَ التي انتظروهَا منِّي، شعرتُ بسعادةٍ غامِرةٍ، وفرحٍ لا يُضاهِيهِ فرحٌ إنسانيٌ لسماعِي خبرَ انتهاءِ الجمعِ والتصحيحِ والتدقيقِ للمجلَّدِ الثالثِ، في هذهِ اللحظةِ استوقفتنِي المقولةُ الرَّبانيَّةُ التي تقولُ: ( وما التوفيقُ إلا من عندِ اللهِ )، نعمْ وألفُ نعم، لقد وفَّقنِي اللهُ العليُّ الكريمُ في أنْ أنهيَ هذا الجُهدَ الفكريَّ، وأنا في كمالِ الصَّحةِ والعافيةِ، وعندَ بلوغِ سِنِّي السَّبعينَ عاماً، والحمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ، وقد أُضيفَ المُجلَّدُ هذا إلى أعمالِي وكتاباتِي الفكريَّةِ الموثقةِ تحتَ ترقيمِ المُجلَّداتِ برقمِ ( 32 ) .
وللتذكيرِ هُنا فإنَّ هذا المُجلَّدَ الثالثَ قد ضمَّ بينَ دفَّتيهِ العديدَ مِنَ المقالاتِ السِّياسيَّةِ والفكريَّةِ والمراثِي الإنسانيَّةِ والافتتاحياتِ لكُتبِ الأبحاثِ الأكاديميَّةِ، والأوراقِ العلميَّةِ البحثيَّةِ لأنشطةِ الجامعاتِ اليمنيَّةِ، والمعاهدِ وغيرها .
لكنْ كانَ للمقالةِ السِّياسيَّةِ محورٌ أكبرُ، وصفحاتُ مقالاتِهِ أوسعُ؛ لأنَّنا نعيشُ في لحظاتٍ تاريخيَّةٍ اتَّسمتْ بتوحُّشِ وتغولُ الأنظمةِ السِّياسيَّةِ الغربيَّةِ، وتحديداً الولاياتِ المُتحدةَ الأمريكيَّةَ، وحُلفاءَهَا مِنَ الدُّولِ الغربيَّةِ الاستعماريَّةِ القديمةِ الجديدةِ ، ودعمِهمُ الأعمى، وإسنادِهمُ اللا محدُودِ لكيانِ العدوِّ الإسرائيليِّ الصُّهيونيّ الذي مارسَ أعمالاً لا إنسانيَّةً، ولا أخلاقيَّةً، ولا قانونيَّةً تُجاهَ أهلِنا الفلسطينيينَ في فلسطينَ المُحتلَّةِ، حيثُ مارسُوا التطهيرَ العِرقيَّ للإنسانِ الفلسطينيِّ والإبادةَ الجماعيَّةَ المُحرَّمةَ دوليَّاً، وقانونيَّاً للفلسطينيينَ في قطاعِ غزةَ منذُ 7 / أكتوبر / 2023 م وحتى كتابةِ مُقدَّمتِنا هذهِ في يناير 2026 م .
لقد مثَّلتْ معركةُ طُوفانِ الأقصى في 7 أكتوبر 2023 م جرسَ إنذارٍ للإنسانيَّةِ جمعاءَ، لتقولَ للعالمِ أجمعَ: بأنَّ ما تمَّ التَّرويجُ لهُ، وما صنعتْهُ وسائلُ الإعلامِ الغربيَّةُ الصُّهيونيَّةُ الكاذبةُ، وترديدُها لأكذوبةِ [ بأنَّ فلسطينَ هي أرضٌ بلا شعبٍ ، وأنَّ اليهودَ هُم شعبٌ بلا أرضٍ ]، هذهِ المُغالطةُ التاريخيَّةُ أثبتَ المُجاهدونَ الفلسطينيُّونَ الأحرارُ من حركةِ حماس بقيادةِ الشَّهيدَينِ الكبيرينِ / إسماعيل هنيَّة ، و / يحيى السِّنوار، وبقيَّةِ شُهداءِ الحركةِ من قيادييهم، وحركةِ الجهادِ الإسلاميِّ بقيادةِ المُجاهدِ / زياد النخالة، ومُجاهدي الجبهةِ الشَّعبيّةِ لتحريرِ فلسطينَ؛ بقيادةِ شُهدائِهم / جورج حبش، وأبو علي مُصطفى ، وغيرُهُم مِنَ المُقاومينَ الأبطالِ الذين أثبتُوا عدمَ صحَّةِ المقولاتِ الصُّهيونيةِ، ومُغالطاتِهمُ التاريخيَّةِ لقواعدِ التاريخِ والجُغرافيا، والواقعِ .
وأثبتَ طوقُ المُقاومةِ العربيُّ الإسلاميُّ الحُرُّ المُساندُ لغزَّةَ صحَّةَ موقفِ المُقاومةِ الفلسطينيَّةِ وثباتِها، وأنَّ المُقاومينَ في الجُمهوريَّةِ اليمنيَّةِ، ومن العاصمةِ صنعاءَ بقيادةِ الحبيبِ المُجاهدِ / عبدالملك بدر الدِّين الحُوثي، وكذلك المقاومةُ الإسلاميَّةُ في لبنانَ بقيادةِ سماحةِ شهيدِ الأمَّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ/ حسن نصر الله ورفاقِهِ ، والمُقاومةُ العراقيَّةُ من أبطالِ الحشدِ الشَّعبيِّ العراقيِّ بقيادةِ أبو مهدي المُهندس ، وكذلك من قِبلِ الأشقَّاءِ في جُمهوريَّةِ إيرانَ الإسلاميَّةِ بقيادةِ قائدِ الثورةِ سماحةِ السَّيدِ / الحبيبِ / علي خامنئي الَّذينَ دعمُوا محورَ المُقاومةِ بالمالِ والسِّلاحِ والعَتادِ، والخبراتِ الجهاديَّةِ، وكان لذلك الموقفِ الإيرانيِّ المُساندِ لمحورِ المُقاومةِ الفلسطينيَّةِ والعربيَّةِ الأثرُ الكبيرُ في تحقيقِ النصرِ والثباتِ العظيمِ برغمِ كلِّ تلك الخسائرِ البشريَّةِ، واللوجستيَّةِ التي تعرَّضَ لها محورُ المُقاومةِ .
السُّؤالُ المُهمُّ هُنا ، هل انتصرتْ أيَّةُ حركةِ تحريرٍ، أو مُقاومةٍ بدُونِ أنْ تُدفعَ أثمانٌ مُضاعفةٌ كثمنٍ وعُربونٍ للتحريرِ والنصرِ المُؤزَّرِ، ولنا عِبرَةٌ، ودرسٌ في تجربةِ الفتُوحاتِ الإسلاميَّةِ في صدرِ الإسلامِ ، وكذلك كمْ دفعتِ الشُّعوبُ السُّلافيةُ السُّوڤيتيَّةُ الرُّوسيَّةُ من ضحايا؛ لدحرِ النَّازيينَ الألمانِ والفاشيينَ الإيطاليينَ، والانتصارِ لأورُوبا كلِّ أورُوبا من مرضِ النَّازيَّةِ الشُّوفينيةِ.
كم دفعَ الثوارُ الفيتناميُّونَ الأحرارُ، والشَّعبُ الفيتناميُّ البطلُ من ضحايا، وجرحى؛ لكسرِ شوكةِ المُحتلِّ الأمريكيِّ USA ؟ ، ألمْ يدفعِ الشَّعبُ الجزائريُّ، وثوارُهُ الأحرارُ مليوناً ونصفَ المليونِ شهيدٍ؛ كي تُركِّعَ فرنسا الاستعماريَّةَ المُحتلَّةَ، وتطردَها من أرضِ الجزائرِ الحُرَّةِ ، وعلينا أنْ نتذكَّرَ، ونُذكِّرَ الأجيالَ العربيَّةَ ببطولاتِ الشَّعبِ السُّوريِّ، والشَّعبِ اللبنانيِّ حينما طردَ المُحتلَّ الفرنسيَّ من أرضِهِ ، وعلينا أنْ نُذكِّرَ أجيالَنا اليمنيَّةَ القادمةَ بما قدَّمَهُ الشَّعبُ اليمنيُّ البطلُ شمالُهُ، وجنوبُهُ، وقوَّاتُهُ الأشاوسُ من تضحياتٍ وشُهداءَ؛ بهدفِ طردِ المُحتلِّ التركيِّ ( العُثمانيِّ) ، والبرتغاليِّ ،والبريطانيِّ وقبلها المُحتلُّ الرُّومانيُّ، والحبشيُّ ولذلك سُميتْ ( اليمنُ مِقبرةَ الغُزاةِ ) ، ومهما دفعَ الشَّعبُ اليمنيُّ من شُهداءَ، وضحايا إلا أنهُ الشَّعبُ الكاسبُ لحُريَّتِهِ وشخصيَّتِهِ، ولعبَ من خلالِ تلك القوافلِ مِنَ الشُّهداءِ أدواراً بارزةً في التاريخِ الإنسانيِّ، وحضاراتِهِ المُتعدِّدةِ، وكذلك في التاريخِ الإسلاميِّ المُشرقِ .. بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ [ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون ] صدقَ اللهُ العظيمُ.
إنَّ الدورَ المحوريَّ، والجوهريَّ للحرفِ، والكلمةِ، والفِكرةِ، والقلمِ هو في إيقاظِ الوعيِ النائمِ، أو المُغيَّبِ لدى العديدِ مِنَ الشُّعوبِ الفقيرةِ، أو لنقلْ شُعوبَ البلدانِ الناميةِ، أو العالمِ الثالثِ؛ لأنَّ المُهمَّةَ ليستْ عاديةً ، والحُريَّةَ تحتاجُ إلى تضحياتٍ كبيرةٍ حَتَّى تنالَ الشُّعوبُ حُريَّتَها، واستقلالَها وكرامتَها ، ولذلك تلك المقالاتُ السِّياسيَّةُ، والفِكريَّةُ تنصبُّ حولَ ذلك الهدفِ السَّامي لانعتاقِ الأفرادِ والجماعاتِ، والثقافاتِ، وحتى الأديانِ باختلافِهَا لدى الشُّعوبِ جميعاً.
“وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ”

*عُضو المجلس السِّياسيّ الأعلى – صَنعَاء

 

قد يعجبك ايضا