منذ اللحظة الأولى لإعلان العدوان على اليمن، كانت السعودية هي من فتحت الباب واسعاً أمام الإمارات للدخول إلى بلادنا، وقدّمت لها الغطاء الكامل ولم يكن ذلك سوء تقدير أو تحالف لضرورة مؤقتة لأن الذي يجمع الدولتين هو الخضوع الكامل للمشروع الغربي مع بعض التنافس الهامشي حول من يثبت ولائه وصدق عطائه لواشنطن وتل أبيب.
في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال أدخلت الرياض شريك طامع في الثروة والجغرافيا والموقع، ثم ظلّت سنوات طويلة تتصرّف وكأنها لا ترى ولا تسمع، طالما أن المصالح تسير في الاتجاه الذي يريده المشغل الرئيسي.
السعودية لم تكتفِ بإدخال الإمارات، بل تبنّت كل مطالبها في الساحة اليمنية دون تردد، وكل من عارض سياسات أبو ظبي داخل ما كان يُسمّى بالشرعية تمّت إزاحته، وزيراً كان أو مسؤولاً أو حتى رئيساً.
انتهى الأمر بالتخلص من عبدربه منصور هادي بكل رمزيته ووظيفته، واستُبدل بمجلس صُمّم بعناية ليكون أقرب إلى هوى حكام الإمارات، ويفتح الأبواب أمام أدواتها للسيطرة والحكم والتحكم في المحافظات الجنوبية والشرقية والساحل الغربي.
وافقت السعودية على قيام الإمارات بتشكيل مليشيات مسلحة تحت مسميات خادعة مثل الأحزمة الأمنية ومكافحة الإرهاب، هذه التشكيلات عبارة عن أدوات ارتزاق مهمتها القمع والانتهاكات، ارتكبت جرائم فادحة بحق المدنيين من اختطافات واعتقالات تعسفية وتعذيب داخل سجون سرية، وهو ما وثقته تقارير ومنظمات دولية معروفة، ولم يصدر عن الرياض سوى الصمت لأنه كان صمت الشريك الراضي.
وكانت السعودية تعلم أيضاً بما قامت به الإمارات من اغتيالات منظمة استهدفت قيادات وكوادر وناشطين في حزب الإصلاح في المناطق التي تواجدت أو سيطرت عليها أبو ظبي، والمفارقة أن حزب الإصلاح كان ولايزال حليفاً خاضعاً للرياض، لكن التحالفات ضد اليمن منذ البداية لم تكن مبنية على المبادئ، بل على من يخدم المشروع في لحظته.
حين قررت الإمارات تصفية خصومها، كانت السعودية على علم وغضّت الطرف لأن الخلاف لم يكن قد وصل بعد إلى مرحلة الصراع على الحصص والتقاسم.
أعلنت الإمارات في العام 2019 الانسحاب من اليمن، ولكنها في الحقيقة لم تسحب سوى صناديق خسائرها البشرية التي سببت لها أزمة داخلية حينها، وبدأت بالاعتماد الفعلي على المرتزقة السودانيين والمعسكرات التي أنشأتها لتجنيد المغرر بهم من أبناء المحافظات الجنوبية وبقايا الخونة الديسمبريبن الذين غادروا صنعاء بالعبايات والبراقع النسائية.
لتبقى الحقيقة الواضحة أن الإمارات لم تنسحب وإنما اعتمدت على من يقاتل نيابة عنها لتحمي نفسها من المزيد من الخسائر البشرية، ولم يكن توسع نفوذ طارق عفاش في الساحل الغربي ليتم لولا الدعم الإماراتي المباشر، وهو دعم كانت السعودية تعرف أنه لا يخدم اليمن ولا ما تبقى من كيان يسمّى بالشرعية، ومع ذلك لم تعترض ولم تمانع تسليح هذه القوات، لأن المهم كان تقاسم النفوذ وليس شعارات دعم الشرعية المزعومة.
أما سقطرى، فالقصة أوضح من أن تُشرح، احتلال مباشر وعبث بالهوية ونهب للثروات، وتحويل الجزيرة إلى قاعدة نفوذ تخدم أجندات إقليمية ودولية، ومع ذلك لم نسمع اعتراضاً سعودياً حقيقياً، لم تتحرك الرياض لأن ما جرى كان ضمن تفاهمات غير معلنة طالما أن الكعكة بنظرهم لا تزال قابلة للتقسيم.
كذلك لم تعترض السعودية على إنشاء ما يسمى بالمجلس الانتقالي ودعمه وتمويله، وهي تعلم أنه مشروع انفصالي صريح يهدد وحدة اليمن واستقراره، ورأت بعينها كيف طُردت قيادات ما يسمونها “الشرعية” من عدن، وكيف تحولت المدينة إلى ساحة نفوذ إماراتي، ومع ذلك لم يتجاوز موقفها بيانات باهتة، لأن المشروع لم يكن موجهاً ضدها في تلك المرحلة.
السعودية كانت تعرف أن الإمارات توسع حضورها العسكري وتُدخل الآليات والأسلحة المتطورة عبر موانئ عدن والمخا وسقطرى، وتعلم أن ذلك مرتبط بأطماع توسعية تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة. بل وأكثر من ذلك كانت موافقة على مخطط التخلص من المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، على أن تسلم لاحقاً لقوات ما يسمى بدرع الوطن التابعة للرياض، قبل أن ينقلب المشهد حين اختلف الشريكان على تفاصيل القسمة.
اليوم وبعد التصعيد الخطير والغزل الواضح بين الكيان الصهيوني وكيان الانتقالي الإماراتي، لم نرى اعتراضاً سعودياً على المشاريع الانفصالية ولا التدميرية ولا التخريبية التي تنفذها أبو ظبي، والاعتراض الوحيد هو على حجم الحصة، لأن الرياض لا تريد الانتقالي ولا أدوات الإمارات في حضرموت والمهرة وهذا ليس دفاعاً عن الوحدة بل لأنها ترى أن هاتين المحافظتين تمثلان نصيبها الخالص. حضرموت والمهرة هما البوابة الاستراتيجية نحو بحر العرب، ومساراً حيوياً لمشاريع الطاقة والنقل، والحديث عن الأنبوب النفطي مشروع قديم متجدد يهدف إلى نقل النفط السعودي إلى بحر العرب بعيداً عن مضيق هرمز، والسيطرة على المهرة تعني تأمين هذا المسار، أما السيطرة على حضرموت تعني عمقاً جغرافياً واقتصادياً وميناءً مفتوحاً على المحيط.
إذا حصلت السعودية على حضرموت والمهرة، فلن يرمش لها جفن أمام مشاريع الانفصال ولا أمام تفتيت اليمن إلى دويلات ولا حتى أمام التواجد الصهيوني، والقارئ الجيد لحالة الصراع القائم اليوم، يدرك أن التصعيد العسكري والسياسي السعودي ليس حباً في العليمي ولا حرصاً على وحدة اليمن، بل صراع على الغنيمة ومن يظن غير ذلك فهو واهم.
السعودية تقاتل من أجل حصتها ولا تريد أن تخرج من هذه الحرب بلا مقابل، لكن النهاية سيكتبها أحرار وشرفاء اليمن بصمودهم وتضحياتهم.
