تفتيت الجغرافيا لصناعة الهيمنة: قراءة في بيان السيد القائد حول الصومال
محمد عبدالمؤمن الشامي
جاء البيان الصادر عن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بتاريخ 8 رجب 1447 هـ ليشكل موقفًا استراتيجيًا رصينًا يسلط الضوء على تهديدات خطيرة تستهدف الأمن العربي والإفريقي، وتحديدًا الصومال ومياه البحر الأحمر الحيوية، التي تشكل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وأمن الملاحة الدولية. إن البيان ليس مجرد قراءة ظرفية للحدث، بل تشخيص دقيق لطبيعة التحديات التي تواجه الأمة، ونداء للاستيقاظ واليقظة أمام المشروع الصهيوني الذي يسعى لتوسيع نفوذه وفرض واقع جديد في المنطقة.
إن إعلان العدو الصهيوني اعترافه بإقليم “أرض الصومال” ككيان منفصل عن الدولة الصومالية يمثل عدوانًا مباشرًا على سيادة الصومال وأمنه الوطني، ويستهدف بالدرجة الأولى خلق موطئ قدم عسكري واستراتيجي يسمح له بالتمدد نحو البحر الأحمر وخليج عدن، وإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة بما يخدم مصالحه التوسعية. هذا الإعلان ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل يمثل جزءًا من خطة ممنهجة لتفتيت الدول وتحويل الممرات المائية الحيوية إلى أدوات للهيمنة والسيطرة، بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وقد شدد البيان على أن هذا الاعتراف باطل قانونيًا ومعدوم الشرعية، صادر عن كيان لا يملك أي أساس قانوني لنفسه، فكيف يعترف لغيره؟ إن هذه الخطوة تؤكد أن العدو الصهيوني لا يتورع عن انتهاك القوانين الدولية وحقوق الشعوب، وأن كل محاولاته للتوسع في المنطقة يجب مواجهتها بجدية وحزم. فالخطورة تكمن ليس فقط في الإعلان ذاته، بل في ما يسعى لتنفيذه لاحقًا: إنشاء موطئ قدم عسكري وأمني في الصومال يهدد أمن المنطقة بأسرها، ويمهد لمزيد من التفكيك والتفتيت في بلدان إفريقية وعربية أخرى بنفس الأسلوب.
إن موقف اليمن بقيادة السيد القائد الحوثي جاء صريحًا وحازمًا، مؤكدًا على ثلاثة أبعاد رئيسية:
أولًا: الموقف العربي والإسلامي الموحد والداعم للصومال، والذي يجب أن يتحول من مجرد بيانات شجب إلى إجراءات عملية على المستويين الإقليمي والدولي، بما يضمن حماية سيادة الصومال وإفشال أي مخططات صهيونية للتفتيت. وهذا يشمل الضغط على الأطراف المتواطئة مع المشروع الصهيوني، والتنسيق مع المؤسسات الأممية لضمان موقف حازم وفاعل.
ثانيًا: الدعم الثابت للشعب الصومالي الشقيق، مع التأكيد على أن أي تواجد إسرائيلي في الصومال يُعتبر عدوانًا مباشرًا على الصومال واليمن وأمن المنطقة، ويُعد هدفًا مشروعًا للقوات المسلحة اليمنية. هذا الموقف يعكس فهمًا دقيقًا للتهديدات الاستراتيجية، ويضع خطوطًا حمراء واضحة أمام أي محاولة لتحويل الصومال إلى قاعدة صهيونية تستهدف أمن المنطقة البحرية والسياسي.
ثالثًا: دعوة كل الدول المطلة على البحر الأحمر والأمة الإسلامية إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع العدو الصهيوني من فرض موطئ قدم في الصومال وسائر البلدان المسلمة المستقلة، مؤكدًا أن التهديد الصهيوني واحد، وأن مواجهته مسؤولية جماعية.
ويضيف البيان بعدًا استراتيجيًا أكبر حين ربط التهديد الصهيوني في الصومال بالموقف تجاه فلسطين، مؤكدًا أن أي تقاعس عن نصرة الشعب الفلسطيني يُتيح للعدو الصهيوني توسيع مخططاته العدوانية على بقية الدول المستهدفة. فالمعركة واحدة، والعدو واحد، والتحديات مشتركة، والدفاع عن الصومال وعن فلسطين وعن كل شبر من الأمة هو واجب استراتيجي وأخلاقي على كل الدول والشعوب العربية والإسلامية.
إن قراءة البيان تكشف أن الصراع اليوم لم يعد محصورًا في حدود جغرافية محددة، بل هو صراع على المصالح الاستراتيجية، والسيادة الوطنية، والأمن الإقليمي. إن المشروع الصهيوني يسعى لتحويل مناطق بعينها إلى أدوات ابتزاز وسيطرة، ومنع أي دولة من ممارسة سيادتها، وهو ما يجعل مواجهة هذا المشروع واجبًا ملحًا يتطلب وعياً سياسيًا واستعدادًا عسكريًا وإرادة حازمة.
البيان أيضًا يوضح أن الوعي بالتهديد واليقظة في مواجهة المؤامرات هما خط الدفاع الأول أمام المشروع الصهيوني، وأن اتخاذ المواقف الحازمة ليس خيارًا بل ضرورة. فمن خلال دعم الصومال، وتحصين الدول المطلة على البحر الأحمر، ورفض أي تدخل خارجي عدواني، يمكن للأمة أن تحمي مصالحها الحيوية، وتمنع تحويل مناطق حيوية إلى قواعد عدوانية تهدد الملاحة والأمن الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، فإن البيان يمثل دعوة واضحة للأمة للانتفاض على سياسة التخاذل، والتكاتف لمواجهة المشروع الصهيوني في كل جغرافيا تهددها مخططاته، بدءًا من فلسطين وصولًا إلى الصومال، مرورًا بكل البلدان المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. فهو يؤكد أن حماية الصومال وحماية البحر الأحمر هي حماية للأمن القومي العربي والإسلامي، وأن أي تقاعس سيشكل بوابة لتوسيع العدوان الصهيوني.
إن رسالة السيد القائد في هذا البيان تتسم بالرصانة والوضوح والجرأة، وهي مثال على الخطاب السياسي الاستراتيجي الذي يوازن بين التحليل الواقعي للمخاطر والدعوة للعمل الجماعي. فهي لا تكتفي بإدانة العدوان، بل تقدم خارطة طريق عملية للموقف العربي والإسلامي، وتضع خطوطًا حمراء واضحة لأي طرف يهدد الأمن الإقليمي، مما يجعل البيان وثيقة مرجعية لفهم طبيعة التحديات الراهنة والاستعداد لمواجهتها.
في النهاية، يثبت البيان أن المقاومة الواعية، واليقظة، والقدرة على اتخاذ المواقف الحازمة، هي الأسلحة الحقيقية لمواجهة المشروع الصهيوني، وأن الدفاع عن الصومال وعن فلسطين وعن أي جزء من الأمة هو واجب استراتيجي ووطني على كل الدول والشعوب العربية والإسلامية. فالبيان ليس مجرد نص سياسي، بل دعوة عملية للمواجهة، وخارطة طريق للتصدي للمخططات العدوانية، وحماية السيادة الوطنية والأمن الإقليمي.
