أثر القنوات الفضائية على فئات المجتمع


دخلت وسائل الاتصال وخاصة وسائل الإعلام كل بيت وأخذت تلعب دورا مهما في وعي المتلقي والتأثير على مفاهيمه وقيمه وعاداته وتقاليده وطغت على مكونات الوعي الأخرى كالأسرة والمدرسة والمجتمع وغدت الوسيلة الأهم في تكوين الفرد ومزاج المجتمع من خلال دورها في عمليات التنشئة والتي تعرف بأنها : العملية التي يكتسب الفرد من خلالها توجهاته الخاصة ومعارفه ومشاعره وتقييماته لبيئته ومحيطه الاجتماعي.
وأوضحت الدكتورة انتصار الصادق الحسن في ورقتها التي قدمتها في ندوة علمية متخصصة أقامها مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر مركز الشهيد الزبيري الدولي للمؤتمرات أن القنوات الفضائية أصبحت من الوسائل المهمة في التأثير على الأفراد من خلال تكوين توجهاتهم وتشكيل الحقائق وإسهامها في نمو القيم المختلفة ومن ثم تأثيرها على إدراكهم للعالم وإشباع حياتهم التخيلية نتيجة لتقدمها التقني ولضعف البنى الاجتماعية التقليدية وأصبحت جزءا من نسيج المجتمع وحياته في كل مكان في عالمنا وذات تأثير مباشر في التكوين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري والثقافي للمجتمعات فضلا عن تشكيل الوعي وتحديد مسار سلوك الأفراد والجماعة.
تقرير/ المحرر

ولعبت القنوات الفضائية دورا بارزا في التأثير على المجتمعات الإنسانية المعاصرة غير أنه يتبلور تأثير القنوات الإسلامية في خلق مجتمع نظيف تتكون فيه المشاعر الخيرة والعواطف النبيلة والنفس السخية والروح الصافية وأن تبنى الرسائل على أساس الخير الشامل وأن ينهل من الأخلاق المثلى التي وصفها الإسلام لتحقيق الخير للإنسان في كل زمان ومكان وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الجانب من قوله تعالى: (وِإلِى ثِمْودِ أِخِاهْمú صِالحٍا قِالِ يِا قِوúم اعúبْدْواú اللهِ مِا لِكْم منú إلِهُ غِيúرْهْ هْوِ أِنشِأِكْم منِ الأِرúض وِاسúتِعúمِرِكْمú فيهِا فِاسúتِغúفرْوهْ ثْمِ تْوبْواú إلِيúه إنِ رِبي قِريبَ مْجيبَ) “هود 61”

أبعاد القنوات الفضائية في عمليات التأثير:
تؤثر القنوات الفضائية من خلال برامجها على المجتمعات وذلك بنمو الوعي المعرفي للأفراد بالنسبة للقضايا والأحداث المحيطة بهم وتحديد المواقف والاتجاهات ويقود ذلك إلى مشاركة الأفراد في نشاط البيئة المحيطة بهم وتنقسم هذه التأثيرات إلى الآتي:-
1/ التأثير المعرفي:
من تعريفات المعرفة (محور النشاط العقلي المعرفي الذي يقوم على الاكتساب والتخزين والاسترجاع واستخدام المعرفة أو توظيفها وتطويرها واشتقاقها أو توكيدها بتوليفها) ويشير هذا المفهوم إلى التأثيرات العقلية وتتمثل أهم التأثيرات المعرفية للقنوات الفضائية في إزالة الغموض ودلت الكثير من الدراسات أن استخدام وسائل الإعلام يزيد من المعلومات ويحدث الغموض عندما يفتقد الأفراد في المجتمعات المعلومات الكافية لفهم معنى الأحداث ويؤدي نقص المعلومات إلى عدم مقدرة الفرد على تفسير الأحداث بشكل ملائم وفي كثير من الحالات فإن المصدر هو القنوات الفضائية من خلال ما تقدمه من تفسيرات ومناقشة للقضايا وعرضها بهدف التأثير.
وتؤثر القنوات الفضائية على فئات المجتمع من خلال وضع الأجندة والتي تعد من أهم التأثيرات المعرفية فعندما تركز على حدث معين فإنها تدفع بالأفراد إلى النظر إلى هذا الحدث باعتباره مهما وتؤثر في الإدراك بالأهمية النسبية للقضايا ويلاحظ أن نظم المعرفة والمعتقدات عند الناس تزداد باستمرار نتيجةٍ لعرض القنوات الفضائية لتلك النظم حيث تشمل (الدين الأسرة السياسات… الخ).
وقد أثبتت الدراسات أن وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية تؤثر على التوجهات المعرفية للقيم والمعتقدات التي يعتنقها الأفراد عن غايات أساسية في حياتهم أو عن أنماط منفصلة من السلوك مثل (التسامح الأمانة) ويلاحظ الدور المتعاظم للقنوات الفضائية في التأثير المعرفي وكذا يقع عليها العبء الأكبر في تقديم المعلومات الصحيحة لمشاهديها وخاصة للناشئة حتى يتبنوا المواقف الصحيحة.

2/ التأثير العاطفي:
تعرف العواطف بالآتي: (الاستعداد والميل الذي يدور حول فكرة شيء ما) وتعد العواطف استعدادا وجدانيا للشعور بالتجارب الخاصة والقيام بالسلوك المعين إزاء الأحداث واختلف الباحثون حول تصنيف العواطف الإنسانية فركز بعضهم على وصفها بأوصاف سلوكية وقسمها إلى ثلاثة أنواع هي (الخوف والحب والغضب) بينما اتجه البعض الآخر إلى تصنيفها بصورة أكثر تنوعا وشمولا بإضافة مشاعر أخرى كالرعب والبهجة والكراهية وتعتمد هذه التصنيفات على الدرجات المتفاوتة للأحاسيس الإنسانية التي تؤثر على رأي الفرد في كثير من المجالات.
ويتمثل التأثير العاطفي للقنوات الفضائية في أن الفرد يصبح أكثر حساسية للعنف من خلال مشاهدته للبرامج الخاصة بهذا الجانب ويؤدي مضمون القنوات إلى زيادة الخوف والقلق من أجزاء المجتمع كما يمكن أن يحدث بعض التغييرات في المعنويات كالاغتراب عن المجتمع. كما أن التعرض من قبل الفرد للبرامج ذات التدعيم الإيجابي يزيد من الثقة والفاعلية والتأييد لديه.

3/ التأثير السلوكي:
يعرف السلوك بأنه مجموعة التصرفات والتعبيرات الخارجية التي يسعى عن طريقها الفرد لأن يحقق عملية الأقلمة والتوفيق بين مقومات وجوده الباطني ومقتضيات الإطار الاجتماعي الذي يعيش في داخله. وينقسم السلوك الإنساني إلى نوعين سلوك ظاهر مرئي وسلوك باطني غير ظاهر ومن أهم التأثيرات السلوكية الحركة أو الفعل أو فقدان الرغبة في الحركة أو الفعل وهما نتاج التأثيرات المعرفية والعاطفية ولا يكون لهذه التأثيرات أثر على المجتمعات إذا لم تتحول إلى سلوك.
وتعد مرحلة التأثير السلوكي أهم مراحل تأثير القنوات الفضائية في عمليات التنشئة إذ تعد الترجمة الحقيقية لكل ما اكتسبه الفرد من معارف ومعلومات تتعلق بالبيئة المحيطة به وما أفرزته تلك المعارف والمعلومات من مواقف واتجاهات تساعد على المشاركة وأكدت الدراسات كلما زاد تعرض الأفراد للوسائل الإعلامية زادت إمكانية مشاركتهم في الأنشطة المتاحة في البيئة الاجتماعية.
وتؤثر القنوات الفضائية من خلال برامجها المختلفة على السلوك للأفراد فكلما زاد تعرض الفرد للقنوات زاد نقاشه وبالتالي المشاركة كما أن التأثير المدعم أكبر من التأثير المحول للقنوات ويقصد بالتأثير المدعم أنه عندما تكون المضامين للقنوات منسجمة مع اتجاهات ومواقف الفرد فإن تأثير البرامج يكون أكبر والعكس صحيح بالنسبة للتأثير المحول ويقصد به المضامين التي لا تنسجم مع اتجاهات وميول الفرد وأثبتت الدراسات أن القنوات الفضائية أضحت أداة من أدوات اكتساب المعلومات والمعارف للأفراد وأسهمت اسهاما فاعلا في توعيتهم وتشجيعهم على الاهتمام ببيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها مما ينعكس على سلوكهم تجاهها ومحاولة مشاركتهم فيها.

التأثير على المجتمع
لعل من المؤكد أن المجال السمعي البصري وخاصة التلفزيون يقوم بأدوار مهمة في مجال التربية والتكوين وإن قدرته على النفاذ لأعداد كبيرة من الجمهور والتأثير فيها ألغت أو قللت من أهمية الأدوار التي كانت وسائل الاتصال الأخرى تلعبها في عمليات التنشئة والتأطير فهو ناقل لمنتوج معين يترك بصماته الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإبداعية بدرجات متفاوتة وساعدت التقنيات المتطورة في مجال الاتصال هذه الوسيلة على أن توجد خارج حدودها وبكفاءة عاليةº تهم الجوانب النفسية والمهنية وأخرى تهم دقة الرسالة المبثوثة للجمهور وقد يشكل هذا مصدرا لثقافة جديدة في بعض المناطق منها ما يهم الجانب الفكري ومكونات الهوية الدينية واللغوية ومنها ما يعني الجوانب الاقتصادية والسياسية.
إن المبدأ الذي أصبح سائدا في نهايات هذا القرن هو مبدأ فتح الأبواب للمعلومات والآراء وليس غلقها وقبول تعددية التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية وليس حصرها والاعتراف بالآخر وليس رفضه أي ما أصبح سائدا هو عدم عزل المجتمع عن المجتمعات الأخرى ولكن واقع الحال يؤكد أن عددا من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية استغلت هذه المبادئ والتي هي نتيجة لمجريات تطور العالم في النصف الثاني من هذا القرن وسخرتها للاختراق والغزو الثقافي وتشويه الوعي وإضعاف الشخصية للشعوب الأخرى ونشر التقاليد الاستهلاكية وفرض التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية أي (أمركة) بلدان العالم.
مما سبق يتضح الدور المتعاظم للقنوات الفضائية الإسلامية في عمليات التأثير وخاصة الإيجابي الذي يصل بين الإنسان وخالقه ويوضح حقائق الهداية ويوجه الإنسان إلى البناء من أجل الدنيا والآخرة وأن يقوم على أساس من الخبرة الشاملة وأن ينهل من الأخلاق المثلى التي وضعها الإسلام لتحقيق الخير للإنسان في كل زمان ومكان ولتحقيق ذلك لابد أن تشمل عمليات التأثير للقنوات الفضائية محورين هامين هما:
أولاٍ: دور القنوات الفضائية الإسلامية في التأثير الداخلي:
إن تحديد القنوات الإسلامية لأهدافها يعد من العوامل الإيجابية في ضبط إيقاع العمل ومنهجيته وشروطه ويؤدي وفقا لذلك لإحداث التأثير المطلوب من فئات المجتمع من حيث وضوح الرؤية واتساق البرامج فقد حددت القنوات الإسلامية أهدافها من العمل في الآتي:
ولعل من أهم الأهداف ما يتصل بترسيخ المنهج السمح للإسلام في العقيدة والشريعة والتعامل الإنساني والمساهمة في تعزيز مكانة اللغة العربية في نفوس المشاهدين ونشرها عالميا تنمية مشاعر الانتماء إلى الهوية الحضارية الموحدة للأمة وتحصينها ضد محاولات الاستلاب الثقافي إبراز الجوانب المشرفة للحضارة العربية والإسلامية وتسليط الضوء على إسهامات للعرب والمسلمين في خدمة الإنسانية وما يمكن أن يقدموه للعالم من عطاء متميز تجلية الصورة الحقيقية للإسلام ودحض الشبهات والاتهامات التي تثار حوله. غرس روح التفاهم والحوار بين أفراد الأمة والاهتمام بفكر المرأة وتأكيد دورها في بناء المجتمع والإسهام في علاج المشكلات والقضايا التي يواجهها العرب والمسلمون وإيلاء عناية خاصة للتعريف بالشعوب والدول العربية والإسلامية وتسليط الضوء على الجاليات والأقليات وتقديم مواد ترويحية مناسبة لكافة أفراد الأسرة العربية خالية من الإسفاف والابتذال وعليه لابد من اتساق الهدف مع البرامج المقدمة لإحداث التأثير المطلوب.
أضحت شخصية القائم بالاتصال في العمل الإعلامي بصورة عامة والقنوات الفضائية وخاصة الإسلامية من الأمور المهمة حيث يرتبط تقبل الأفراد للبرامج بشخصية القائم بالاتصال وتأثرهم بما يشاهدونه ولذلك تسعى جميع القنوات بالاهتمام بشخصيات القائمين بالاتصال ولذا لابد من الاهتمام بشخصية القائم بالاتصال في تلك القنوات من حيث إعداده الإعداد الجيد من خلال التعليم والتدريب وإكسابه المهارات والخبرات التي تؤهله لأداء العمل بصورة إيجابية ويوصف القائم بالاتصال الماهر (هو ذلك الشخص الذي لديه المقدرة على رسم لوحة لمنظر طبيعي لم يره على الإطلاق من داخل غرفة مظلمة).
لم يتفق الباحثون على صفات محددة للقائم بالاتصال ومهاراته إنما اتسعت لتشمل جوانب متعددة وفقا لتعدد المجتمع ومجالاته وفئاته غير أنه ينبغي أن تشمل الجوانب التالية لإحداث التأثير المطلوب.

التفكير السليم:
يعد التفكير الأسلوب الذي يعالج به القائم بالاتصال المعلومات والأفكار حتى يمكنه من فهم العالم الذي يحيط به و(التفكير عبارة عن وظائف عقلية وعملية معرفية تتم في المستويات العقلية العليا وينشأ عن هذا المستوى العالي معرفة منسقة ومنظمة) ويوصف بأنه عبادة في توجيه سلوك المسلم والإرتقاء بإيمانه واهتم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بموضوع التدبر والتفكر للعقل المسلم حيث يقول الله عز وجل (الِذينِ يِذúكْرْونِ اللِهِ قيِامٍا وِقْعْودٍا وِعِلِى جْنْوبهمú وِيِتِفِكِرْونِ في خِلúق السِمِاوِات وِالأرúض رِبِنِا مِا خِلِقúتِ هِذِا بِاطلٍا سْبúحِانِكِ فِقنِا عِذِابِ النِار) “آل عمران : 191”.

اجتناب الهوى في الحكم:
ذمت الشريعة الإسلامية إتباع الهوى تنبيه من القرآن الكريم إلى العقل لأتباع المنهج الصحيح للنظر العقلي لأنه إذا تدخلت الأهواء في الأحكام على القضايا والمشكلات فسدت الأحكام وذلك لاختلاف الأهواء وعدم اتفاقها يقول الله عز وجل : (وِأِمِا مِنú خِافِ مِقِامِ رِبه وِنِهِى النِفúسِ عِن الúهِوِى) “النازعات : 40”.

مكارم الأخلاق:
أن يحس القائم بالاتصال بالآلام التي يعاني منها الغير لأن الإحساس وسيلة من وسائل معرفة البيئة التي يعمل فيها وأن ينأى عن التناقض بين القول والفعل والخيانة وسوء الظن بالآخرين والتجسس عليهم والغيبة والنميمة والفرقة والاختلاف والحسد والبخل والاستهزاء بالآخرين والقسوة عليهم والحقد والإفساد بالآخرين وإذلال النفس وقبول المهانة وذمت الشريعة التقليد الأعمى للآخرين لأنه يلغي عمل العقل يقول الله عز وجل : (وِإذِا قيلِ لِهْمْ اتِبعْوا مِا أِنúزِلِ اللِهْ قِالْوا بِلú نِتِبعْ مِا أِلúفِيúنِا عِلِيúه آِبِاءِنِا أِوِلِوú كِانِ آِبِاؤْهْمú لِا يِعúقلْونِ شِيúئٍا وِلا يِهúتِدْونِ) “البقرة : 79”.

الروح الابتكارية والإبداعية:
يعد الشخص الابتكاري دائم التطلع للتجديد والتغيير ويقصد بالشخص الابتكاري الذي يقوم بدور البحث والتقصي لما يدور في بيئته لتلمس ما يواجهها من مشكلات وعقبات تؤثر على مسيرتها الاجتماعية والسياسية الاقتصادية والفكرية ومن أهم سمات الشخص الابتكاري الثقة بالنفس والذكاء والمرونة والطموح والتحليل حيث يميل الشخص الابتكاري إلى عدم تقبل الأشياء كما هي وإنما يخضعها إلى عملية تحليلية فكرية لمعرفة مدى تقبله لهذه الأشياء وتعلم حب المناقشة والاستماع والإنصات في الوصول إلى استنتاج قائم على الحقائق وأمينا مع نفسه ومع الآخرين وأن يكون عدلا في الحكم على الأشياء وأن يلتزم الموضوعية حيث لا ينشر كلاما لا يؤمن به كما لا يدعو إلى فضيلة ولا يعمل بها وأن يكون صادقا تقيا متقنا.
تؤثر القنوات الفضائية الإسلامية على جمهورها من خلال البرامج المبثوثة والصور وتعد الأخبار من أهم المضامين التي تؤثر على فكر الجمهور وسلوكه لذا يجب العناية في إنتاجها من حيث توظيفها لخدمة الهدف ويلاحظ أن القيم الخبرية في المجتمعات المسلمة قد شابها الكثير من عوامل الضعف وأظهرت الدراسات أن من أهم القيم الخبرية في المجتمعات العربية المسلمة قيمة (الحياء والخجل) ويعدها البعض نقصا وخاصة عندما تتعلق في تغطية الأحداث والقضايا التي توجب التستر عليها ويقف المحرر إزاءها موقف الرفض والحياء وتظهر بشكل خاص بكل ما له صلة بالعلاقات الجنسية والإباحية. غير أن الشخص المسلم منضبط بعقيدة تحرم عليه التجسس والريبة والشك والأخذ بالشبهات.
كما شكلت قيمة التضخيم لأولي الأمر في الأخبار نقدا من قبل الغرب حتى عدوا ذلك من قبيل التقديس لهؤلاء غير أن المجتمعات المسلمة من أهم خصائصها طاعة أولي الأمر ولذا لابد من معرفة ما يفعلونه حتى تأتمر بأمره أو تحاسبه على أفعاله. ويلاحظ أن معظم القنوات الفضائية الإسلامية تسير وفقا للنهج الغربي في التعريف بالأخبار والقيم الإخبارية ولكي تستطيع إحداث التأثير المطلوب في الجمهور لابد من إحداث تغيير في مفاهيم الخبر وقيمه وفقا للإرث الثقافي الإسلامي والعربي وأن ينبع من المجتمع نفسه وفقا لعوامله السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية لأن المجتمعات المسلمة تختلف عن المجتمعات الأخرى من حيث ارتباطها بالعقيدة الإسلامية.
وتواجه القنوات الإسلامية بالمصطلحات الغربية والتي سادت في المجتمعات المسلمة نتيجة الجهل حيث سيطرت مصطلحات الإرهاب في الأخبار الخاصة بالمجتمعات العربية والمسلمة والذي يدل على شرائح محددة في المجتمعات ومصطلح الانتحاري في تغطية أخبار الحرب والصراعات في الوطن العربي ومصطلح الأصولي. ويعتقد أن تدخل القنوات الإسلامية مصطلحات تجانس المجتمع المسلم لأن الأخبار أصبحت أداة من أدوات السيطرة الفكرية في العالم. ولإحداث التأثير المطلوب على الجمهور من قبل الأخبار لابد من إعداد البحوث والدراسات والاستعانة بالخبراء والمهنيين لوضع مفهوم للأخبار وفقا لطبيعة المجتمع وجمهوره وإعادة صياغة القيم الخبرية التي تتماشى مع المجتمع المسلم وفقا لتقاليده.
وأن يهتم بالأخبار لإحداث تأثيرات فكرية لأنها أضحت تشكل العالم وذلك من خلال التعريف بأسباب صراعات العالم ومشكلاته وتحكيم الكتاب والسنة في تلك الصراعات.
تؤكد عدد من الدراسات والبحوث على أن التلفزيونات العربية تستورد من الدول الأجنبية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ما بين 40% -60% من مجموع البرامج التي تبثها نسبة لضعف الإنتاج العربي وتتسم تلك البرامج في غالبيتها بالجانب الترفيهي الذي تحركه خلفيات متعددة يهم منتج هذه البرامج أن يحقق بعضا منها أو كلها ليحدث آثارا ملموسة على المشاهد وهي آثار سالبة في غالبيتها خصوصا على الشباب والأطفال.
ويقع على القنوات الفضائية عبء إنتاج برامج بمواصفات رسالية تنأى عن التقليد والاستيراد من الغرب. وأن تلتزم في إنتاجها الهدى الحق وشاملة بعيدة عن الإسفاف اللغوي وأن تراعي هدف هذه البرامج وهو تحقيق عالمية الإسلام والتأثير على الجمهور بالحق والحكمة والموعظة الحسنة. وأن ينأى عن (الدعاية واستبداد الكلمات بعقول الناس لأغراض دعائية تستبيح كل شيء في سبيل القوة والجبروت والاستبداد وإنما ينظر إلى تلك القنوات الإسلامية على أنها تخاطب مخلوقا ركب في قوى العلم والإدراك وآلات العمل والإنتاج) حيث يقوم العمل الإعلامي في القنوات الإسلامية على أساس من العقيدة الصالحة والنهج الرباني القويم في دفع الأمم وتأثرهم بقدر ما في العقيدة والمنهج من قوة واستقامة وأن يكون الإيمان من أول العناصر المؤثرة في اتجاه ودوافع الفرد للعمل وتقبل الرسالة والتأثر بها.
ولإحداث تأثير إيجابي من قبل القنوات الإسلامية على فئات الشباب لابد من إنتاج برامج تلبي طموحاتهم الآنية والمستقبلية وأن تنتج بعناية آخذة الآثار النفسية والفكرية لتلك البرامج على الشباب ويقترح لإحداث تأثير إنتاج دراما تناقش القضايا المعاصرة التي تهم الشباب وتمثل الحياة بواقعية بعيدا عن قصص الأحلام والخيال والتي تجعل الشباب يعيش في وهم ولذا لابد من إنتاج دراما تناقش الأفكار ورسم الحلول للمشكلات وخاصة إنتاج دراما متصلة بالعلوم والاكتشافات العلمية سواء على المستوى القريب أو البعيد وقصص الخيال العلمي والمنجزات لتحريك وعي الشباب إلى الاهتمام برسم صور علمية للمستقبل والعمل على تحقيقها على الأرض وبذلك تستطيع أن تؤثر في المجتمع من خلال توجيه أحلام الشباب والباحثين إلى تلك الجوانب والانشغال بها وأن تقدم من خلال الدراما القدوة الحسنة والأنموذج الطيب في الحياة.
يلاحظ سعي بعض القنوات الإسلامية تقليد القنوات الأخرى وخاصة في قضايا المرأة وعرض صورتها حيث قدمت بعض القنوات عروض الأزياء واستخدمت المرأة (موديل) في ذلك كما استخدمتها في الإعلانات التجارية ويعتقد أن تأثير القنوات الإسلامية على فئات المرأة من خلال إنتاج برامج معدة إعدادا جيدا تواكب متطلبات المرأة العصرية من خلال إبراز دورها في الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وإثبات شخصيتها الإنسانية يعد من أهم التحديات القنوات الإسلامية في التأثير على المرأة لأداء دورها الرسالي في الحياة.
ويعد الطفل اللبنة الأولى في المجتمعº ولذا لابد من اهتمام القنوات الفضائية الإسلامية بتلك الفئة وأن تعتمد في إنتاج برامج الأطفال على نفسها وليس على الشراء الذي لا يمكن التحكم فيه وأن تستعين بالخبراء من أهل العلم والتربية والفن والعدل الذين يستطيعون الكتابة للأطفال وفقا للقيم الإسلامية والذي يتعلم منه الطفل وبذلك نخلق جيلا مغايرا لجيلها يرسم استراتيجيات تربوية بعيدة المدى وفقا لجدلية المعاصرة والتطور حيث قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم) فيجب أن تكون بأسلوب مغاير لما تربى عليه الآباء لسنن التطور وأن تراعي برامج الأطفال لإحداث التأثير غرس صفات: الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم الصدق المحبة الأخوة التسامح الكرم الشجاعة التعاون احترام النظام إدارة الوقت والثقافة وغيرها من الصفات الحميدة التي يحث عليها الإسلام وينميها في نفوس المسلمين وبذلك تؤثر هذه القنوات على فئات الأطفال في المجتمع.
تواجه المجتمعات المسلمة غزوا فكريا من خلال الخطط التي يرتبها أعداء الإسلام والتي يبثونها من جميع الوسائل الإعلامية تحت شعار الحضارة الغربية ويلاحظ أن الشخصية المسلمة هي الهدف وظهرت مفاهيم مختلفة لاستهداف الشخصية المسلمة ومن أهم تلك المفاهيم مفهوم التغريب والذي يقصد به (خلق عقلية جديدة تعتمد على تصورات الفكر الغربي ومقاييسه ثم تحاكم الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي والتي يهدف من خلالها سيادة الحضارة الغربية وتسييدها على حضارات الأمم وخاصة الحضارة الإسلامية.
وهنا يكمن الأثر الرئيس في تأثير القنوات الإسلامية على مجتمعاتها وذلك بإنتاج برامج على قدر عال من الإبداع والجودة والتميز تتناول شرح المخططات الهدافة وكشفها لفئات المجتمع وأن تنأى عن البرامج المستوردة والتي تشكل عبئا ثقيلا على فئات المجتمع لبعده عنه غير أن هذه البرامج قد تحدث تأثيرا سالبا على بعض فئات المجتمع ولمعرفة القنوات المسلمة لجمهورها ومدى ارتباطه بها لابد من إعداد بحوث لقياس نسبة المشاهدة كل برنامج على حدة وبذلك تتيح فرصة التجديد والتجويد والنقد الذاتي ومن أهم أدوار القنوات الإسلامية في التأثير على المجتمع الاهتمام بموضوعات رسم الصور الإيجابية للقضايا والشخصيات داخل المجتمع المسلم وفقا لتعاليم الشريعة وعرض الشخصيات التي تتولى مصالح الناس بالقدوة الحسنة وعرض الأنموذج الطيب للاقتداء به.

ثانياٍ: دور القنوات
إن الرسالة الإعلامية للقنوات الإسلامية رسالة عالمية وفقا لرسالة الإسلام موجهة لجميع البشر حيث يقول الحق عز وجل: (وِمِا أِرúسِلúنِاكِ إلِا كِافِةٍ للنِاس بِشيرٍا وِنِذيرٍا وِلِكنِ أِكúثِرِ النِاس لِا يِعúلِمْونِ) “سبأ الآية 28”.
ومن أهم أدوار القنوات الفضائية الإسلامية التأثير على كافة البشر في أي زمان وأي مكان. ولإحداث التأثير الخارجي لابد من وضع الأهداف والدراسات الاستراتيجية على حسب المدى الزمني للتأثير والأولويات وأن تركز القنوات الفضائية الإسلامية في التأثير على المجتمعات الأخرى على صياغة الآتي:-

الخطاب الإعلامي:
يلاحظ أن الخطاب الإعلامي الموجه للغير من قبل القنوات الإسلامية تشوبه بعض الشوائب ولعل من أهمها عدم الاهتمام بالفروقات بين الجمهور المستهدف ومراعاة البيئات المختلفة وعدم اتفاق الخطاب بين كافة القنوات حيث يراعى الاختلاف والاتساق مما يؤدي لحيرة الجمهور المستهدف ولإحداث التأثير المطلوب من قبل الخطاب الإعلامي أن تقدم الرسالة وفقا للتصور الإسلامي والذي ينظر إلى الإعلام على أنه ليس وسيلة من وسائل العبث أو اللهو أو الإسفاف باسم الترفيه والتسلية وأن يختلف كل الاختلاف عما هو مقدم في قنواتهم الأخرى لقياس الفروقات بين الرسائل لإحداث الأثر المطلوب ومخاطبة هؤلاء على حسب ظروفهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية.
وأن تؤكد الرسالة في القنوات الإسلامية على وحدة الإنسانية وأن ما تقوم به على أساس صلة الرحم بين البشر على أساس من التعارف والمودة وإقرار السلام العالمي لأن الأصل هو الود والتراحم لا العداوة والبغضاء وأن يقر المساواة كما جاء في قوله تعالى: (يِا أِيْهِا النِاسْ إنِا خِلِقúنِاكْمú منú ذِكِرُ وِأْنúثِى وِجِعِلúنِاكْمú شْعْوبٍا وِقِبِائلِ لتِعِارِفْوا إنِ أِكúرِمِكْمú عنúدِ اللِه أِتúقِاكْمú إنِ اللِهِ عِليمَ خِبيرَ) “الحجرات 13” ويقتضي التعارف إشاعة المودة والتعاون في كل أنحاء العالم من قبل تلك القنوات ولعل من أبرز تأثير تلك القنوات على المجتمع الخارجي هو توجيه الجمهور إلى العقيدة الصالحة والمنهج القويم وتسخير تكنولوجيا الاتصال لتحقيقها وأن يسند مهمة الخطاب الإعلامي لغير المسلمين إلى لجنة دائمة تراعي التغيير والتجديد في المجتمعات لمواكبة الرسالة وشمولها
إدارة الأزمات والكوارث:
من الملاحظ أن الصراع يؤدي إلى الحروب والدمار في العالم ويسعى الإعلام الدولي بكل قنواته في ظل الصراع إلى السيطرة على العقل البشري من خلال عمليات الاتصال التطويعية فالإعلام الدولي الوضعي تعبير عن طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة والتي يغلب عليها طابع الحرب النفسية وتحطيم الروح المعنوية للشعوب الأخرى.
وقد هذب الرسول صلى الله عليه وسلم خلق أصحابه بالكلمة لتكوين صورة إيجابية لعظم شأنها وأهميتها وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الجميل من الكلام فيشيد به ويذكر صاحبه وهو الذي علمنا (أن الكلمة الطيبة صدقة) وعلمنا أن القرآن الكريم كيفية تكوين الصور الذهنية وبناءها من خلال قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث أراد معرفة ربه فبدأ بالحيرة والشك التي عذبت عقله في المعرفة والذي يعد مظهرا لرشد العقل وحرية التفكير وطال تأمله في الكون وإصراره على طلب الهدى والتماس اليقين وعندما جن عليه الليل حائرا رأى كوكباٍ فرسم صورة ذهنية للخالق بأنه هذا الكوكب المضئ حيث يقول المولى عز وجل (فِلِمِا جِنِ عِلِيúه اللِيúلْ رِأِى كِوúكِبٍا قِالِ هِذِا رِبي فِلِمِا أِفِلِ قِالِ لِا أْحبْ الúآِفلينِ) “الأنعام : 76).
وعند أفول الكوكب أخذ يبحث عن الإله مرة أخرى عبر تخيلاته فرأى القمر فقال هذا هو الرب على حسب ما تخيله (فِلِمِا رِأِى الúقِمِرِ بِازغٍا قِالِ هِذِا رِبي فِلِمِا أِفِلِ قِالِ لِئنú لِمú يِهúدني رِبي لِأِكْونِنِ منِ الúقِوúم الضِالينِ) “الأنعام : 77” وأخذ يجيل ببصره عبر الخيال لمعرفة الخالق ويقول الله تعالى : (فِلِمِا رِأِى الشِمúسِ بِازغِةٍ قِالِ هِذِا رِبي هِذِا أِكúبِرْ فِلِمِا أِفِلِتú قِالِ يِا قِوúم إني بِريءَ ممِا تْشúركْونِ) “الأنعام : 78”.
ولعل التدبر في آيات الله يعطي مؤشرات للفرد المسلم بأن الصور الذهنية التي يكونها الفرد عبر تخيلاته ليست شيئا ثابتا فعند رؤية الحق يجب تعديل الصور المنحرفة وكذلك لابد من معرفة الأشياء التي لا يعرفها من أهل العلم لتكوين الصور والرؤى الإيجابية. وأن تلتزم القنوات الفضائية الإسلامية بوضع النماذج لتكوين الصور الذهنية للقادة والقضايا وأن تراعي محددات الشريعة وفقا للنهج الرباني حيث نهى الإسلام عن الكذب في مختلف صوره سواء ذلك بالافتراء على الله بالباطل أو افتراء على الناس للإضرار بهم وضياع مصالحهم. وأن تضع القنوات الإسلامية استراتيجيات لتكوين الصور الذهنية من أجل التأثير وفقا للدراسات النفسية والاجتماعية والشرعية.

قد يعجبك ايضا