حكاية من التاريخ

عبدالعزيز المقالح

 - عبدالعزيز المقالح
عبدالعزيز المقالح –
هناك عودة إلى استقراء معالم من تاريخنا القديم والوسيط تستدعيها الحالة الراهنة وما تفرزه من واقع سلبي يلف الوطن العربي . ولم استغرب أن أجد كاتبين عربيين معروفين يتوقفان عند حكاية تاريخية واحدة خلال أسبوع واحد وكأنهما وجدا في تلك الحكاية مدخلا إلى استنهاض ما تبقى في الضمير العربي من مشاعر التوحد ورفض حالات التمزق والانقسام . تقول الحكاية المشار إليها وهي منقولة عن كتاب “سراج الملوك للطرطوشي:
“إنه بعد وفاة بعض الخلفاء المسلمين احتشدت الروم واجتمع ملوكها وقالوا: الآن يشتغل المسلمون على بعضهم بعضا فيمكننا الوثبة عليهم . وضربوا مشاورات وأجمعوا على أنها فرصة الدهر . وكان رجل من ذوي الرأي منهم غالبا فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه فلما أخبروه قال: لا أرى ذلك صوابا فسألوه عن العلة فقال: غدا أخبركم فلما أصبحوا غدوا إليه فأمر بإحضار كلبين ثم حرش بينهما وألب كل واحد على الآخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما . فلما بلغا الغاية فتح بابا عنده وأطلق على الكلبين ذئبا قد أعده . فلما أبصراه تركا ما كانا عليه وتآلف قلباهما ووثبا على الذئب فنالا منه . ثم أقبل الرجل على أهل الجمع فقال لهم: مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب لايزال الهرج والمرج بينهم ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم تركوا العداوة بينهم وتآلفوا على العدو فاستحسنوا قوله وتفرقوا”.
تلك هي الحكاية التي استعارها الكاتبان لاستنفار ما تبقى من الضمير العربي إن كان قد تبقى فيه شيء يدعو إلى التأسي بالكلاب في موقفها من العدو الغريب . والعبرة أوضح من أن يتم تفسيرها أو توضيح دلالتها فالخلافات العربية – العربية مهما يولغ في تضخيمها والتركيز على خطورتها لا تكاد تذكر إزاء الخلاف مع العدو أو بالأصح مع الأعداء الذين أجمعوا أمرهم على تدمير كل ما يحفظ للعرب كرامتهم واستقلال قرارهم . ولم يعد الأمر في واقع الحال الراهنة أمر تخويف أو تحذير بل صار حالة معاشة وأمرا قائما ومشهودا . وما حدث ويحدث في فلسطين ثم ما حدث في العراق ويحدث في أفغانستان وما حدث في ليبيا ويحدث في أماكن أخرى من الوطن العربي والعالم الإسلامي كان كافيا لاستنهاض الجماد قبل الإنسان.
وإذا كنت قد حرصت على إعادة قراءة هذه الحكاية التاريخية ونشرها نظرا لأهمية الدلالة العميقة والقاسية التي تتضمنها فإنني لأرجو من الأخوة الكتاب الذين سيقرأونها أن يعيدوا نشرها ويقوموا بدورهم في التعليق عليها فربما حركت مشاعر بعض القادرين من ذوي الحل والعقد في هذا الوطن الكبير والجريح وربما كانت هذه الحكاية مدخلا مناسبا للتصدي لحالة التبلد والاستسلام . ومن فضل الله الذي لا ينكر أن أمتنا بامتدادها الإسلامي تتمتع بأكبر المزايا القادرة على المقاومة والصمود وفي مكنتها من العتاد والعدد مخزون يخولها تحدي العدو والانتصار عليه . علما بأننا لا نحلم بأكثر من تحرير أرضنا واسترجاع كرامتنا والتعايش مع من يحترم حريتنا وسيادتنا بكل المحبة والسلام.
نقلا عن «دار الخليج»

قد يعجبك ايضا