وصية جندي مجهول

أخي في الله :
تعلم كما يعلم الجميع أنه يربطني بك أواصر الأخوة والقبيلة والنسب والدين والعشيرة والمكان والزمان, وأننا أبناء وطن وأرض واحدة.
وأود أن تمنحني من الأمان هذه الأثناء فقط , ثم بعدها مثل بي كيفما شئت .
أنت لا تعلم أن لي أقارب وأهلا ينتظرون عودتي بعد أيام من اليوم , وأن أمي المقعدة على سرير الموت تدعو لي بالحفظ والسلامة , وأن والدي الذي أخذته المنية قبل سنوات لا يزال يلوح لي بابتسامته الراضية والمطمئنة .
وأبنائي الثلاثة ينتظرون مجيئي كل مساء وسماع صوتي والتحدث إلي وتقبيلي ولو من سماعة الهاتف , وسؤالي في كل مرة متى أعود إليهم , فأجيب قريب يا أحبائي ادعوا لي , فيسمعونني وابلا من الدعاء المستطيل والقادم من روح بريئة لا تعرف الحقد أو الضغينة , لكنها تؤمن أن العمر سيطول بنا ولن يفرقنا شيء , إذ لم يكن لديهم أدنى فكرة أن أخا لأبيهم في الدين والعشيرة سيسرق منهم روح أباهم الماثلة بين يديك .
أو ان أحلامهم سوف تتحول من الباسمة إلى الغاضبة , وأنهم سيحملون لك الكره مدى حياتهم ولعناتهم يرددونها كل وقت باغتتهم أحزان الفراق والوحشة والألم والجوع والخوف من تفاصيل لا زالت مجهولة أمامهم .
أقول لك :
إن هذه الارض الطيبة التي تجمعنا معا , تبكي من أفعالك وتتبرأ منك لا عليك , وتسخر من أفعالك العارية وتتنكر لمعتقداتك الضالة وتنكر أصولك الواهمة .
إن البشر الذين كنت في يوم ما ترتع معهم وبمعيتهم , ينظرون إليك نظرة الكره والحقد والتنكر والخوف لمجرد سماع طلقات الموت التي ترعب بها البشر المقيمين في مخابئهم, فتسكت حناجرهم وتكمم أفواههم وتغلق الظلمة في وجوههم فينامون على رعب محياك, لتنشر الخوف على صدورهم وبين حجراتهم المقفلة الملأى بصرخات أطفال أخفتهم فبعثت الرعب في قلوبهم واشعلته في عيونهم وأجسادهم, حتى الكبار مات منهم الكثير رعبا وخوفا وحسرة .
أوصيك إن كنت أهلا لها , أن ترد الأمن والأمان لأهلك وعشيرتك وإخوتك , أن تحفظ أرضك الممزقة بنيرانك ونيران أعوانك من البشر الهالكين والذين لا يحملون في بنادقهم سوى روائح الموت وأن يعيثوا في الأرض فسادا , أن تعيد الحق وتبطل الباطل كما أمرنا دينك وديني , الدين الذي يجمعني وإياك بكل تقاسيمه وتعاليمه وفكره ومواده وشكله ولونه وقداسته .
أقول :
إن كنت قد تجردت من انسانيتك , واستبحت دماء قومك , ونشرت فسادك , وهدمت دينك وعرفك , فلا تيأس من عودتك ولا تميت قلبك وضميرك , عد إلى رشدك واتق غيري من الأبرياء الآمنين بأمان الله , الذين لا ينوون أذيتك ولا يتبعون خطواتك لمسك بأذى , فكلانا يجمعهم وطن واحد وقبيلة واحدة ودين واحد .
إن كنت اليوم قد اغتصبت روحي مني ومن أحبائي , فلن يغنيك عنها سوى الندم والفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة , ولن يصيبك من أفعالك سوى الحسرة وستصل في النهاية لمرقد لا يأمنك وفي مأكل لا يشبعك وفي ظمأ طويل لا يرويك منه أعداؤك , ستعد أيامك المتبقية كل لحظة ولن يغنيك عنها ساعة صفاء وأمان تتمنى عودتها واصطحابك لها .

قد يعجبك ايضا