بعملية سلوان في القدس المحتلة، نجحت المقاومة الفلسطينية في ترجمة الخط التصاعدي للفعل المقاوم وللعمليات النوعية ضد كيان الاحتلال، وتأكيد استمرار نهج الدفاع عن الأرض.
كالعادة، لم يكن وحده الكيان المؤقت الذي انتفض لوضع خطوات الرد، وإنما كان العويل أكبر هناك، في البيت الأبيض حيث وجد بايدن وبلينكن في العملية فرصة لتأكيد الولاء للكيان والتعبير عن مدى الالتزام بالعلاقة، بايدن أكد لرئيس الحكومة المتطرفة نتنياهو على الالتزام “الصارم” بأمن إسرائيل، واعتبر بوضوح «أن هذا كان هجوما على العالم المتحضر»، وبلينكن- الذي يستعد لزيارة المنطقة- أدان العملية بشدة واعتبرها إرهاباً.
والى ما قبل أيام ظلت أمريكا تعبر عن مخاوفها من توجهات الحكومة الجديدة للكيان بزعم خشيتها أن تؤثر السياسات المتطرفة على عملية السلام الوهمية، وحين نفذت هذه الحكومة عمليتها العدوانية على جنين قبل عملية المقاومة وخلفت الشهداء والجرحى، لم تُظهر واشنطن ردة الفعل المتوازية مع ما تدعيه، لتتأكد حقيقة أنها لا زالت تمارس سياسة التسويق المخدِّر، ولإنقاذ حلفائها من الوقوع في الحرج.
يؤكد ذلك أيضا، السلوك العدائي الذي وجهته ضد النائبة الأمريكية المسلمة في مجلس النواب إلهان عمر، قبل أيام حين انتقدت سياسة «اسرائيل» إزاء الشعب الفلسطيني، فساعتها لم تجد الأغلبية الجمهورية الحاكمة حرجا من استبعادها من لجنة الشؤون الأفريقية داخل الكونغرس، بسبب هذا الانتقاد.
لم يعد خافيا بطبيعة الحال، أن كل هذه الازدواجية في السياسة الأمريكية تعود إلى حقيقة تحكّـم اللوبي الصهيوني في مفاصل العمل السياسي والعسكري الأمريكي وتوجيهه للسياسة الخارجية الأمريكية إلى المنحى الذي يخدم ويحمي كيانه في المنطقة.
المانيا فرنسا ودول أوروبية وغربية عديدة عبرت كذلك عن موقفها المنحاز للكيان، لتبدو ردود الأفعال هذه طبيعية، فجميعها كيانات استعمارية ومرتبطة بدولة الاحتلال، واختلال الموازين لدى هذه الحكومات رافق قضية الاحتلال طوال السبعين عاماً الماضية، إذ كانت أحكامهم دائما بمثابة الحامي لهذا الكيان الذي تمكن من خلالها من التمدد حتى وصل إلى عقر العرب والمسلمين باتفاقات ابراهام.
في الجهة المقابلة- وهو المؤسف- يبدو حال العرب والمسلمين عجيبا ومزريا إزاء هذه المستجدات في الأراضي العربية المحتلة، حيث تَبَيّن أنه لا رابط الدين ولا رابط العروبة كان له القيمة الكافية كما يبدو لأن يقفوا مدافعين عن فعل المقاومة، أو حتى مستنكرين قبل ذلك مجزرة مليشيات الاحتلال في جنين، لتتصدر تركيا- الساعية لاستعادة الدولة العثمانية، والإمارات الباحثة عن كيان تلعب من خلاله دورا محوريا في المنطقة- مشهد ردود الأفعال العربية والإسلامية قبل أن يلحق بهما النظام الحاكم في بلاد الحرمين، ولكن على نحو صادم، إذ أدانت عملية المقاومة في سلوان واعتبرتها «إرهاباً» لأنها استهدفت المدنيين حسب البيان السعودي، وتجاوزت الدول الثلاث حتى الإشارة إلى مجزرة كيان الاحتلال في جنين.
بغض النظر عن الموقفين المتماهيين في بعضهما الغربي والعربي (المطبّع)، فإن الحقيقة الماثلة اليوم، أن المقاومة بدأت تأخذ مسارات أقوى، وأن الكيان الذي راهن على أن توالي الضربات والانتهاكات ضد الفلسطينيين كفيلة بأن تكسر (فورة) المقاومة، وتسحب الجيل الشاب إلى صف المتعايشين مع الاحتلال، قد فشل.
قبل أيام أكد وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان أن فلسطين صارت اليوم أقوى وأن على الكيان إدراك أن المعادلات تغيرت، حتى الآن لا يبدو أن ساسة الاحتلال في وارد الاقتناع والتعاطي مع هذه الحقيقة، إنما أنشطة المقاومة النوعية كفيلة بأن تقنعهم بها يوما.